بعد التفاؤل الذي عرفته القطاعات ​السياح​ية العالمية، نتيجة الزيادات السنوية المتواصلة، أصاب فيروس "كورونا" قطاع ​السياحة​ العالمي بالشلل، حيث لم يكن يتوقع أحد ركودا عالميا هذا العام. التوقعات ال​اقتصاد​ية بخصوص السياسة لعام 2020 باتت تشير إلى عام ضعيف نتيجة غياب السياح ​الصين​يين عن الوجهات السياحية العالمية.

تغيب المجموعات السياحية الصينية عن الساحة الحمراء في ​موسكو​، وخارج "متحف اللوفر"، في ​باريس​، وتندر رؤيتهم في ​دبي​، بعكس ما كان شائعاً في السّابق، ليصبح السّائح الصّيني، نادر الوجود بسبب انتشار فيروس "كورونا".

ووفقاً لأرقام رسمية، استحوذ الزوار الصينيون على 150 مليون رحلة في الخارج في عام 2019، في حين أنفق السياح الصينيون 130 مليار دولار في الخارج في عام 2018، بزيادة 13 % عن العام 2017 السابق، بحسب ما كشف "أكاديمية السياحة الصينية".

ولكن ومنذ بدء تفشي فيروس "كورونا" في ووهان، أدى غياب المجموعات السياحية الصينية إلى تكبّد أصحاب ​الفنادق​ والمطاعم و​المقاولين​ السياحيين وتجار ​التجزئة​ خسائر قاسية، خاصّة وأن العملاء الصينيين، يعدّون من الأعلى إنفاقاً.

وبحسب وزارة النقل الصينية، فإن عدد السياح الصينيين خلال عطلة العام القمري الجديد في العام 2020 الجاري، هوى بنسبة 73 % خلال مقارنة بعام 2019 الماضي.

وعلى عكس السنوات السّابقة، فإن شارع باريسي محاط بمحلات فاخرة بما في ذلك "Hermès" و "Kenzo" و"Bulgari" ، لم يشهد زحمة وقوائم لعملاء صينيين على وجه الخصوص وآسيويين على العموم.

أما في الحي الصيني في ​لندن​، فيؤكد مدير مطعم "غولدن فينيكس"، أن المنطقة شبه خالية إلا من بعض الزوّار الأوروبيين، في حين جرت العادة، أن يمتلئ الشارع من طرف إلى آخره، بالزوار والسياح الآسيويين وعلى رأسهم الصينيين.

وهناك اليوم، 14 دولة على الأقل لديها رحلات محدودة أو محظورة من البر الرئيسي للصين في ظل قيود غير مسبوقة على السفر من وإلى البلد، صاحب ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مع تحذير الاقتصاديين من تأثير محتمل على ​النمو العالمي​.

فيما الضرر، أصاب المناطق السياحية القريبة من الصين بقوة.

وتمثل السياحة نسبة 20 % من ​الناتج المحلي​ الإجمالي ل​تايلاند​، حيث يستحوذ الزوار الصينيون على ربع ​الرحلات​ القادمة والمغادرة لهذا البلد الآسيوي.

وحذّر رئيس شركة آسيانتا التي تمثل شركات السياحة في جنوب شرق آسيا: "أن إلغاء الرحلات المتوقعة من الصين نسبتها ما بين 90 و 100 %.

وأصاب غياب السياح الصينيين عن تايلاند، اقتصاد البلاد المحلي بتأثيرات، وأصبح العملة المحلية "البات"، إحدى أسوء ​العملات​ بعدما سجلت أداءً إيجابياً، وأُدرجت ضمن أفضل العملات الآسيوية في العام 2019 الماضي.

أما ​هونغ كونغ​، التي تضررت من شهور من الاحتجاجات المناهضة للحكومة أغرقت البلاد في ​الركود​، فقد شهدت انخفاضاً حاداً في عدد المسافرين من الصين. فيما فرضت هونغ كونغ، قيوداً صارمة على السفر عبر الحدود مع الصين، وأجبرت أي شخص يسافر من البر الرئيسي على الحجر الصحي لمدة 14 يومًا.

وامتدت التبعات أيضاً إلى منطقة ​ماكاو​ الإدارية الخاصة، أكبر مركز للقمار في العالم، والوجهة الرئيسية للسياح الصينيين من البر الرئيسي، حيث أغلقت الكازينوهات لمدة أسبوعين على الأقل، بعد أن أكدت السلطات أول حالات إصابة بفيروس "كورونا" في الإقليم.

وخلال الأسبوع الذي يغطي فترة عطلة عيد العام الصيني الجديد، انخفض عدد الزوار إلى المنطقة ماكاو بنسبة 78 % هذه السّنة، مقارنة بعام 2019 الماضي، وفقاً لبيانات حكومة ماكاو.

ونتيجة لذلك، تراجعت أسهم الكازينوهات، وانخفضت أسهم شركة "أم جي أم تشاينا" بنسبة 18 % منذ بداية العام 2020، وانخفضت سهم ​منتجعات​ "واين ريزورتس"، بنسبة 11 %.

على الرغم من أن الكثيرين قد قارنوا آثار تفشي الفيروس بالفترة التي انتشر فيها "مرض السّارس" في عام 2003، إلا أن التأثير قد يكون أسوأ بكثير، بسبب الزيادة في ​الإنفاق​ الصيني الخارجي في السنوات بعد 2003.

وحينما تم الإبلاغ عن أول حالة سارس قبل 17 عاماً، كانت الصين تمثل نسبة 4 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فيما اليوم تعدُّ الصَين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم بنسبة 16 % الناتج الإجمالي العالمي.

ومن تبعات انتشار "كورونا على قطاع السياحة العالمي، كشفت مجموعة صناعة السياحة الروسية، أن البلاد ستخسر 100 مليون دولار، نتيجة الإجراءات الحكومية التي قضت بإغلاق حدودها في وجه الصينيين، الذين شكلوا العام الماضي أكبر مجموعة من الزوار الدوليين إلى ​روسيا​.

أما في ​فرنسا​، فقد ساهم الزوار الصينيون، في 7 % من نفقات السياحة في البلاد البالغة 3.6 مليار يورو في عام 2018.

ويمثل موعد انتهاء انتشار الفيروس، الهم الأساسي لصنّاع السياحة في العالم، حيث يؤكد غوس كروفت الرئيس التنفيذي لشركة "يو كي إن بوند"، التي تمثل قطاع السياحة الداخلية في بيرطانيا، إنه "ينقل مخاوف [الصناعة] تقريبًا بشكل يومي إلى حكومة ​المملكة المتحدة​".

أما الآخرون الذين يشغلون مناصب مماثلة في دبي، فهم يخشون من التأثير الضار في أواخر شهر تشرين الأول 2020 المقبل، عندما تستضيف الإمارة "معرض إكسبو 2020 العالمي"، والذي سيكون فيه الإنفاق الصيني حاسماً.