"في العطاء مكسب"... بهذا القول تتلخّص مسيرة الدكتور والباحث ال​لبنان​ي خالد غطاس، الذي حرص على تطبيق هذا المفهوم في كل عمل أو مشروع يقوم به!

غايته الاهتمام بالإنسان، إيمانا منه بأنك كلما تعطي دون أن تتوقع الحصول على مقابل، كلما صادفت الخير، وبأن العمل الإنساني يسهم في نهوض المجتمع من كبواته، كما يعزز قدرة هذا المجتمع على مواجهة التحديات والصعوبات؛ حيث تُظهر الدراسات والتجارب، أن العطاء هو من أهم اسباب السعادة، كونه ينشط أجزاء من الدماغ، لها علاقة بالمتعة،‏ والروابط الاجتماعية،‏ والثقة،‏ كما يولد شعورا بالرضى.

يؤكد د. غطاس أن العناية بالإنسان تمثل أهم مقومات نجاح، ويراهن على عمل الخير، كرسالة خالدة للإنسانية. فقيمة الإنسان تتحدد بإنسانيته أولا، وبعملِه وعطائه ودَوره في الوجود.

ومؤخرا، أطلق مبادرة "Read انت ومريض"، لتحفيز المرضى على القراءة أثناء تواجدهم في المستشفى، ما يسهم في تحسين صحتهم النفسية.

فلنتعرف أكثر الى د. خالد غطاس، والى هذه المبادرة أيضا، في مقابلة حصرية، خصّ بها موقع "الاقتصاد":

من هو خالد غطاس؟

تخصصت في الكيمياء التحليلية في "جامعة بيروت العربية"، كما حصلت على ماجستير في الكيمياء العضوية، وعلى دكتوراه في علوم الأحياء (cell biology)، من "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB".

بعد ذلك، عملت كمستشار في شركة بريطانية متخصصة في المجال الصحي، في السعودية. ومن ثم، توجهت الى ​إسبانيا​ حيث حصلت على ماجستير في ​إدارة الأعمال​ الدولية، من جامعة "IE"، في ​مدريد​.

وأشغل حاليا منصب مدير التخطيط والعمليات، في إحدى ​الشركات العالمية​ المصنعة للأدوية، ومقرها في ​دبي​. وكل رغم ذلك، أتواجد في لبنان دائما، خلال عطلات نهاية الأسبوع.

أخبرنا أكثر عن مبادرة "Read انت ومريض" وعن أهدافها؟

أعمل منذ فترة، على هذا المشروع، سواء عبر ​مواقع التواصل الاجتماعي​، أو من خلال المحاضرات في الجامعات، من أجل زيادة الوعي والثقافة، وذلك بسبب حاجة مجتمعنا الى التوعية حول أهمية هذا الجانب من الحياة.

وهذه المبادرة هي من نوع مختلف، ولديها أهداف متعددة:

أولا، خلق جو يساعد على نشر الثقافة.

ثانيا، الاهتمام بالصحة النفسية للمريض. فقد أثبتت الدراسات، أن المريض الذي يقرأ، ستتحسن حالته الصحية والنفسية أيضا، وسيشعر بأمل أكبر، ويتلى بمخيلة أوسع.

ثالثا، زيادة العمل التطوعي.

ولا بد من الاشارة الى أنني بادرت الى إطلاق "Read انت ومريض"، بسبب نقص الاهتمام بالانسان، والالتفات بالدرجة الأولى نحو الأمور المادية والأيديولوجيات، التي لا تدخل الى صلب الوجود، في ظل إهمال العنصر الأهم في الحياة؛ الإنسان، الذي يشكل جوهر الحياة. فالشخص السعيد والإيجابي والمرتاح، سينتج حياة أفضل.

هذا النوع من المبادرات، من شأنه تذكير محيطنا بأن هناك بعد آخر للوجود، يتمثل في الاهتمام بالانسان، وتلاقي الأفكار، والقراءة، والثقافة، والانفتاح، والمعرفة، والفهم،... هذا الأمور موجودة بدرجات خجولة – اذا صح القول – في مجتمعنا، وذلك بسبب السياسة، و​الوضع الاقتصادي​، والحالة الاجتماعية، وأسلوب الحياة،...

فاذا بادرنا الى إصلاح الإنسان أولا، سوف نلاحظ أن هذا الإصلاح سيشمل جميع الجوانب الأخرى أيضا.

متى سيتم البدء بتطبيق هذه المبادرة؟

سنبدأ بتطبيق الخطوة الأولى من المبادرة، في مستشفى في منطقة البقاع، يوم السبت المقبل، الواقع في 22 شباط 2020.

ونحن نجري في الوقت الحاضر، محادثات مع أكثر من خمس مستشفيات من أجل الوصول الى تحقيق التعاون المشترك؛ حيث سنبادر الى تجربة هذه الفكرة في المرحلة الأولى، ومن ثم العمل على تحسينها، قبل إعادة إطلاقها بصورة أفضل وأكثر فعالية.

فالهدف لا يتمثل في تشجيع المريض على القراءة فحسب، بل نسعى أيضا الى خلق نوع من العلاقة الودية معه، لمتابعته ومناقشته حول الكتاب الذي قرأه، وربما حثه على التطوع معنا، أو حتى التبرع بكتاب.

ركز على خلق حالة قادرة على المساعدة في تغيير حياة شخص واحد على الأقل.

كيف حصلتم على الكتب التي سيتم توزيعها على المستشفيات؟ وهل تلاقي هذه المبادرة الإقبال المتوقع منها؟

بدأنا بتجميع الكتب في المقاهي الموجودة في مختلف المناطق اللبنانية، وليس في الأماكن المخصصة للمواضيع الثقافية، حيث اعتبرنا أن هذه اللفتة ستلاقي أيضا اهتمام الأشخاص غير المهتمين بالقراءة، والذي يتواجدون في أماكن بعيدة الى حد ما عن هذا المفهوم.

ولحسن الحظ، لاقينا إقبالا واسعا، من جميع المناطق، كما حصلنا على بعض الكتب من ​الدول العربية​.

ما هي الأسباب التي دفعتك الى القيام بهذه المبادرة؟

اكتشفت منذ فترة طويلة، أن الانسان القادم من بلد مريض، لن يشعر بالسعادة والفخر والرضا، حتى لو ذهب الى أقاصي الأرض؛ و"اللي بيعمر بغير بلدو، لا إلو ولا لولدو!".

معظم الشبان اللبنانيين، هاجروا للعمل في الخارج، من أجل "ردّ الجميل" لبلدهم الأم، والاهتمام بتحسينه.

وبالنسبة لي شخصيأ، فقد فأردت أن أصبح طبيبا، من أجل تحقيق التغيير قي قطاع ​الرعاية الصحية​. ومؤخرا، نشرت كتابا، بهدف التغيير في الفلسفات، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، أحاول دائما، بكل طاقة وقوة، التأثير بحياة الناس بشكل إيجابي.

فالحياة باتت مجحفة وقاسية وغير عادلة، في ظل غياب المبادرات الجدية الهادفة الى تحسينها. كما أن إهمال البشر بات لا يطاق، وبالتالي، من واجبنا تقديم المساعدة اللازمة على المستوى الاجتماعي. فمن لا يتمتع بروح الإنسانية والمبادرة والعطاء، سيكون الخاسر الأكبر، لأن جزءا من سعادة الفرد، يكمن في عطاءاته للمجتمع. ولكن للأسف، بعض الأشخاص لا يفهمون هذا الواقع!

كيف تنجح بتحقيق التوازن في حياتك، في ظل نشاطاتك وأعمال ومشاريعك المتنوعة؟

تحقيق التوازن هو أمر يزيد صعوبة مع مرور الوقت؛ فكلما ازدادت النشاطات وتوسعت، كلما اختل التوازن أكثر.

لكن عدم ارتباطي يساعدني في الوقت الحاضر، على التنسيق بين جوانب حياتي كافة، حيث أعتبر أعمالي ومشاريعي بمثابة "زوجتي"، كونها تأخذ كامل وقتي واهتماماتي!

ومهما ازاددت الضعوط، أشكر الله دائما على وجود أشخاص مؤمنين بما أسعى لتحقيه، ومقتنعين بأن الحلّ يكمن في التركيز والعمل على الإنسان؛ واذا لم نعمل بهذه الطريقة، سنفقد الأمل.

ما هي مشاريعك المستقبلية؟

بعد إطلاق مبادرة "Read انت ومريض"، وتحسينها، سأسلمها في نهاية المطاف، الى فريق العمل - الذي بات على مستوى عال من الثقة والاهتمام - من أجل متابعتها وتطويرها؛ وذلك لأنها أداة تندرج تحت لواء المشاريع التي أرغب في تحقيقها، وهي بالطبع ليست الأخيرة!

فالمشاريع والأفكار موجودة على الدوام، وفي الوقت الحاضر، أفكر ببعض الطرق من أجل زيادة انتشار الوعي. ومن هنا، سأنظم المزيد من المحاضرات، التي ستشمل هذه المرة عامة الناس، بهدف الخروج قليلا من أسوار الجامعات، لتحقيق التنوع والوصول الى أكبر عدد ممكن من الأشخاص.

اذ أن طرحي هو على المستوى الإنساني، وبالتالي، يتطلب اهتمام كل الناس، ومن كل الأعمار والمستويات الاجتماعي.

من جهة أخرى، نشرت مؤخرا كتابا بعنوان "وكان النفاق جميلا"، وبسبب التفاعل رائعا الذي لاقاه من الجمهور، سأعمل على الكتابة مجددا، في المستقبل القريب. فعندما نظرح روايات فلسفية، ونرى إقبال الناس عليها، سنستنتج أن الانسان ليس ماديا بقدر ما نتخيل، لكنه بحاجة فقط الى دفعة!

وما أحاول القيام به على المستوى الاجتماعي، هو خلق هذه الدفعة، من أجل تغيير طريقة التفكير – ولو بنسبة ضئيلة – بهدف السير بالاتجاه الأفضل!

في النهاية، ما هي نصيحة خالد غطاس الى جيل ​الشباب​؟

أنصح الشباب أن يثابروا على فكرة الوعي، ويكونوا انتقائيين في ما يتعلق بأسلوب الحياة الذي يريدون عيشه؛ فليس كل شيء منتشر صحيح!

أتمنى من الشباب الانتباه من كل الدعوات التي تضم أمورا تحاكي الفرد أكثر، والالتفات بالمقابل على العائلة، على الأصدقاء، وعلى البلاد أيضا.

أنصح الجميع التمسك بلبنان، لأن من يخرج من بلده، سيعيش بدون جذور، وسيفقد هويته وحياته أيضا. ومن هنا، سيكون بالنهاية الخاسر الأكبر!

على كل واحد منا، الإيمان ببلده، والتحلي بالأمل؛ اذ يجب أن يحافظ الإنسان على هذا الأمل، ويتمسك به الى أقصى الحدود، مهما اشتدت الصعاب والضغوط. فعندما نفقد الأمل سنفقد كل شيء...