كل شيء في هذه المرحلة يوحي بأن تدخّل "​صندوق النقد الدولي​" لحل أزمة لبنان بات حتميًّا. فوفقاً للعديد من المصادر، الأحاديث تخطّت المساعدة التقنية التي سيقدّمها الصندوق وامتدّت للحديث عن خطة شاملة لإعادة الإستقرار المالي والإقتصادي.

بدورها، مديرة الصندوق، كريستالينا جورجييفا، كانت قد أكدت أن المساعدات المالية ستكون مرتبطة بالجدية في النهج الذي تتبعه الحكومة "وإلقاء نظرة فاحصة وجدية للغاية على ما يمكنها القيام به لإصلاح الإقتصاد، وليس للرد علينا، بل على ما يطالب به الشعب اللبناني".

وفي هذا السياق، نشير الى أن الإستدعاءات القضائية لم تطل أي مسؤول مصرفي، على الرغم من تناقل جدول صادر عن لجنة الرقابة على ​المصارف​، يؤكد أن كبار المودعين أخرجوا حوالي 27 مليار دولار من المصارف اللبنانية في العام 2019. كما تركّزت الإستدعاءات على المتظاهرين والصرّافين، في الوقت الذي تواصل فيه المصارف اجراءاتها غير القانونية المتمثلة باحتجاز أموال صغار المودعين.

هل من بدائل للجوء الى "صندوق النقد"؟ وهل نثق بمن سيطبّق الخطة التي سيتم وضعها؟ لمعرفة المزيد حول هذه المواضيع كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع مدير مركز ​المشرق​ للشؤون الاستراتيجية في بيروت د. ​سامي نادر​:

هل ترى أن المساعدة التقنية من "صندوق النقد" كافية بالنسبة للبنان أم أننا بحاجة الى برنامج كامل؟ وهل هناك بدائل؟

المساعدة التقنية ضرورية نعم، ولكن ليست كافية. كما أن البرنامج الكامل قد لا يكون كافياً أيضاً نظراً للمبالغ التي يمكن للبنان الحصول عليها من الصندوق نسبةً لمشاركته.

لبنان لا يملك الخبرة التقنية المطلوبة لمواجهة أزمة بهذه التعقيدات، تشمل ثلاثة جهات: المالية العامة، ​القطاع المصرفي​ و"​مصرف لبنان​".

الإصلاحات، مع ضرورتها القصوى والطارئة، لم تعد كافية أيضاً. البلد اليوم يحتاج الى ضخ سيولة ، بدايةً لإنقاذ القطاع المصرفي من الإنهيار ومن ثمّ لمعالجة أزمة ميزان المدفوعات، وإلا فإن الإقتصاد سيعود لينكمش بنسبة كبيرة ما سيشكّل كارثة على المستوى الإجتماعي.

خيار "صندوق النقد الدولي" خيار مرّ، لكن هذه الطبقة السياسية استنزفت كل البدائل التي كانت متاحة. لو أنهم نفذوا الإصلاحات المطلوبة والتزموا بمبدأ ​النأي بالنفس​ الذي تعهّدوا به لما كنّا وصلنا الى هنا.

حتّى في موضوع السندات، حاولوا التلطّي خلف الصندوق لجهة اتخاذ القرار بالدفع أو اللادفع، إلا أن الصندوق فهم ذلك وأوضح أن دوره استشاري تقني يُبيّن من خلاله السيئات والإيجابيات المترتبة على القرار الذي سيتم اتخاذه.

هل تعتقد بأن هذه الطبقة السياسية التي أوصلت البلد الى ما هو عليه اليوم، قادرة على تطبيق خطة الإنقاذ التي سيتم وضعها؟

هذه أكبر مخاوفنا. كيف يمكن لسلطة تجاهلت الإصلاحات وشهدت على ​الفساد​ وساهمت به على مدار 20 عاماً أن تنشل البلد من أزمته اليوم؟ كيف يمكن لمسبّبي الأزمة أن يجدوا الحلّ لها؟ هل سيُصلح الأمور من انفجرت ثورة على إدارته ؟ وإذا تجرأوا على اتخاذ خطوات نوعية، هل هم قادرون على إنجاز المطلوب في الوقت المحدّد؟

على الصعيد الإجتماعي، ما هو الإجراء الذي يمكن اتخاذه بشكل فوري لتفادي تطور الأزمة التي نعيشها اليوم مع ارتفاع الأسعار ونسبة البطالة؟

نحن بحاجة لضخ ​السيولة​. الخطوة الأولى التي يجب القيام بها هي حل ملف الكهرباء، الذي يشكّل 40% من عجز الدولة، ولا يمكننا إعطاء مهلة سنة وسنتين لذلك. نحتاج للحل في مهلة أقصاها ستة أشهر، ولنستعين بأيٍّ كان لإنجاز ذلك، بعقود شفّافة.

هذا الإصلاح أساسي ومردوده كبير، ليس لأنه سيسد نسبة كبيرة من العجز فقط، بل لأنه سيعطي إشارة جيدة جدًّا للأسواق ويعيد فتح ملف "سيدر".

أما الخطوة الثانية، تخفيض كلفة الدّين. وهذا البند يتطلّب الكثير من الحذر وإدارة موثوق بها أيضاً، لأن أول من يتأثر بها: صغار المودعين.

ما هي توقعاتك بالنسبة لسعر الصرف، هل سيتم رفعه أو تحريره بشكلٍ كامل؟

لا خيار آخر سوى تحرير سعر الصرف إذا لجأنا الى "صندوق النقد الدولي"، الذي يطالب بهذا الموضوع منذ رئاسة "الحريري الأب" للحكومة.

ماذا ستكون التداعيات؟

التداعيات ستكون موجعة طبعاً، حيث ستنخفض القدرة الشرائية للمواطنين، ولكن بدأنا نشعر بذلك أصلاً. ​سعر الدولار​ الذي يتحكم بأسعار حاجياتنا اليوم هو سعر الصرّافين الخاضع لعملية العرض والطلب.

أقنعوا المواطن لسنوات طويلة بأكذوبة تقول أن "تثبيت سعر الصرف تحمي قدرته الشرائية ولقمة عيشه". أما في الحقيقة، هذه السياسة حمَت كلّ من استفاد من ​التوظيف​ بالهندسات المالية و​سندات الخزينة​، وقام بتحويل أرباحه الى الخارج.