لم يعرف لبنان في تاريخه الحديث أزمة اقتصادية واجتماعية كالتي يعيشها اليوم، صحيح ان لبنان معرض دائماً لخضات سياسة وامنية ولحروب مفتوحة مع العدو الاسرائيلي الا انه ومع هذا كله لم يصل الى هذا التخبط الذي يعيشه اليوم، اذ ان الدول الصديقة كانت تهب دائماً لمساعدته في حلّ مشاكله السياسية ومساندته اقتصادياً عبر تقديمها الهبات والقروض لضمان استمراريته، الا ان الطبقة السياسية لم تدرك مع الأسف حجم الاحتضان العربي والأوروبي لهذه البقعة الصغيرة على حوض البحر المتوسط التي كانت تسمى يوماً ​سويسرا​ الشرق.

يجمع الخبراء أن ​الأزمة الاقتصادية​ التي تعصف بلبنان ليست وليدة الساعة انما هي نتيجة لغياب الخطط الاقتصادية المستدامة والاعتماد فقط على الاقتصاد الريعي متناسين قطاعات عديدة كان يتميز بها لبنان لعقود وعقود على رأسهم القطاع الصناعي الذي وعلى الرغم من كلّ الصعوبات لا يزال يشكلّ ضمانة أساسية للأمن الغذائي والاستهلاكي والاجتماعي، فضلاً عن ان هناك نحو 195 الف شخص مرتبط ارتباطاً مباشراً بهذا القطاع الذي بدأ يئن جراء فقدانه لمواده الأولية والتي باتت تهدد استمرارية ما تبقى لنا من مصانع ومن منتجات لبنانية في ظلّ أزمة دولار حادة وقرارت حازمة بالنسبة لموضوع التحاويل.

الجميل: القطاع الصناعي بحاجة الى 300 مليون دولار اجل تأمين المواد الأولية

رئيس جمعية الصناعيين ​فادي الجميل​ يؤكد لـ"الاقتصاد" ان "القطاع الصناعي في لبنان كان ولا يزال قطاعاً رائداً، اذ انه مبني على التزام الصناعيين الذين قاوموا كل الصعوبات والمشاكل التي عصفت بلبنان ولا تزال، على الرغم من ان الدولة- بحسب خطة ماكينزي - لم تهتم بهذا القطاع على مرّ السنوات، ولكن رغم ذلك استطاع هذا القطاع المحافظة على عدد لا يستهان به من المؤسسات خصوصاً وان لبنان يتميز عن غيره من الدول المجاورة بتنوع صناعاته وذلك باعتراف ​البنك الدولي​، اذ هناك منتجات تقليدية يصدرها لبنان الى كل العالم كالأكل، الألبسة والمجوهرات فضلاً عن الصناعات المتطورة التي تنافس اهم صناعات العالم كمولدات ​الكهرباء​، ومحولات الكهرباء ايضاً، اذ ان "يورو ​ديزني​" الموجودة اليوم في ​فرنسا​ تعمل على محولات لبنانية".

يضيف: "يشكل القطاع الصناعي اليوم 10 في المئة من الناتج رغم كل الصعوبات الموجودة ويمكن لهذه النسبة ان ترتفع بشكل كبير في حال تم اطلاق سراح هذا القطاع خصوصاً وان الطاقات البشرية متوفرة".

"معاناة هذا القطاع عديدة يتابع الجميل خصوصاً فيما خص اغراق الأسواق بسلع اسعارها تكون عادةً غير منطقية كونها مدعومة من بلد المنشأ وقد طالبنا الدولة مرراً وتكرراً بحمايتنا من هذه السلع، اضافةً الى موضوع التهريب الذي بدوره أغرق الأسواق اللبنانية وبالتالي الحق الضرر بالصناعات اللبنانية، هذا فضلاً عن بعض الأكلاف المضنية التي يتكبدها هذا القطاع منها أكلاف ​الطاقة​ لقطاعات الطاقة المكثفة. اذ تشكل الطاقة 5.6 في المئة من سعر البيع لمجمل الصناعة اللبنانية، هذا الرقم لا يعد رقماً ضخماً، ولكن هذا الرقم قد يصل الى نحو 35 في المئة من سعر البيع بالنسبة لقطاعات الطاقة المكثفة والذي يعدّ مرتفعاً بالنسبة للقطاعات الأساسية كقطاع ​صناعة الزجاج​، تدوير الورق، ​البلاستيك​، السيراميك، وهذه القطاعات تتكون عادة مرتبطة بقطاعات أخرى فعلى سبيل المثال لا الحصر صناعة الزجاج هي رافد اساسي لصناعة ​المواد الغذائية​ التي تعتبر من أهم الصادرات بالنسبة للبنان، وفي حال تمت معالجة هذا الموضوع الذي يحتاج نحو 35 مليومن دولار سنوياً ستكون انعكاسته ايجابية على المنتجات اللبنانية وعلى مستقبل المصانع خصوصاً عندما يتم استخراج ​النفط​ و​الغاز​ هذا فضلاً عن المحافظة على نحو 7000 عائلة".

يصر الجميل على تسمية الصناعيين "بأبطال ظلّ ​الاقتصاد اللبناني​ رغم كلّ الظروف المحيطة بهم وغياب الدعم عنهم خصوصاًوان لبنان استطاع عام 2011 تصدير بنحو 4.5 مليار دولار الا ان هذا الرقم عاد وانخفض عام 2018 ليصل الى 2.6 مليار جراء اقفال المعابر البرية".

يتابع: " اذا الطاقة الانتاجية للمصانع اللبنانية موجودة الا ان الدولة ومع الأسف لم تستفد من قدرات الصناعيين.فمن غير المقبول ان يكون لدينا كل هذه القدرات ويكون دخل الفرد فقط 10 آلاف دولار في الوقت الذي باستطاعتنا رفع مستوى دخل الفرد الى اضعاف واضعاف هذا الرقم، نحن كجمعية صناعيين قدمنا دراسات عديدة عن كيفية تطوير هذا القطاع، وكنا دائماً نقول ان لبنان لديه مشكلة اساسية هي ان حجم استيرادنا كبير جداً بالنسبة لحجم اقتصادنا، فضلاً عن ​بطالة​ لامست الـ36 في المئة لدى فئة الشباب،وعام 2015 قدمنا دراسة تهدف الى معالجة مشاكل هذا القطاع ، ولو اننا بدأنا تطبيق الاصلاحات التي جاءت في تلك الدراسة منذ الـ 2015 لما كنا وصلنا الى ما وصلنا اليه".

يضيف: " اليوم ومع تردي الأوضاع الاقتصادية وفقدان ​الدولار​ تراجع الاستيراد ولكن الصناعة اللبنانية قادرة على تلبية السوق بمنتجات عديدة وبجودة عالية تضاهي المنتجات الأوروبية، الا ان هنالك مشكلة كبيرة نعاني منها اليوم وهي عدم السماح لنا بتحويل اموال الى الخارج من أجل شراء المواد الأولية، ما أدى الى فقدان معظمها وهذا الأمر قد يؤدي الى توقف المعامل".

يختم الجميل حديثه بالقول : " المطلوب اليوم كخطوة أولى تأمين 300 مليون دولار بأقصى سرعة من اجل تأمين المواد الأولية اللازمة، من ثم يجب العمل على ارساء مشروع اقتصادي متكامل للنهوض من هذه الأزمة يكون من أولوياته المحافظة على القطاع الصناعي لأنه يؤمن ​الأمن الغذائي​ والاستهلاكي والاجتماعي اذ انه وبحسب دراسة ماكينزي هناك 195 الف شخص مرتبط بطريقة مباشرة بالقطاع الصناعي. واليوم هناك فرصة حقيقية لابراز هذا القطاع، اضافةً الى ذلك يجب العمل على استعادة الثقة مجدداً بلبنان كمدخل اساسي لأي عملية نهوض".