مع اول انطلاقة لعملها ، تواجه اليوم حكومة الرئيس ​حسان دياب​ تحد يا لابأس بحجمه وهو استحقاق سندات اليوروبوندز في 9 آذار المقبل . وتماشيا مع القول :" اول دخولو شمعة طولو" ، يبدو ان ا لثقة التي حازت عليها الحكومة لا تكفل نجاحها في قبول واجتياز التحدي الحالي ،والذي سيليه سلسلة تحديات لا تقل اهمية.

تتواصل وتيرة المواقف من هذه المسألة بين وجوب الالتزام بالتسديد وبين الامتناع عنه لاعتبارات مختلفة ، دون التغاضي عن الدور الهام الذي يستطيع تأديته ​صندوق النقد الدولي​ الذي لم يصدر عنه لغاية تاريخه اي موقف رسمي باستثناء ما قاله المتحدث باسمه جيرى رايس" إن لبنان يحتاج إلى إجراء سلسلة من ​الإصلاحات الاقتصادية​ الهيكلية لزيادة الثقة واحتواء التضخم فى الوقت الذى يتحرك فيه لدعم اقتصاده."

"وإن لبنان كان قد طلب مساعدة فنية من الصندوق، لكنه لم يطلب أى ​مساعدة مالية​."

وقال :"إنه سيتوجب أن تتخذ ​الحكومة اللبنانية​ أى قرارات بشأن إعادة هيكلة الدين بالتشاور مع الدائنين، لكن صندوق النقد الدولى ليس له دور فى ذلك.

وصندوق النقد الدولى على استعداد لمساعدة السلطات اللبنانية فى عملها على حزمة مطلوبة من الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية الضرورية للتعامل مع مشكلة ثقة الجمهور.

وشعورنا حيال ما تحتاج السلطات اللبنانية القيام به...هو حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية".

الاصلاحات الهيكلية والاقتصادية ، نعم انها التعهدات التي تبنتها السلطات اللبنانية في المراحل السابقة خلال المؤتمرات التي عقدت في الخارج من اجل مساعدة لبنان ، الا انه لم ينفّذ اي منها.

من المعلوم ان منصّة القرار في الصندوق ليست معزولة عن الموقف السياسي رغم التزامه بالاهداف من انشائه وهو وكالة متخصصة من وكالات منظومة ​الأمم المتحدة​، أنشئ بموجب معاهدة دولية في عام 1945 للعمل على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي . ومن ابرز اهدافه :

- مراقبة التطورات والسياسات الاقتصادية والمالية في البلدان الأعضاء وعلى المستوى العالمي، وتقديم المشورة بشأن السياسات لأعضائه استناداً إلى الخبرة التي اكتسبها طوال أكثر من خمسين عاماً.

- ​اقراض​ البلدان الأعضاء التي تمر بمشكلات في موازين مدفوعاتها، ليس فقط لإمدادها بالتمويل المؤقت وإنما أيضاً لدعم سياسات التصحيح والإصلاح الرامية إلى حل مشكلاتها الأساسية.

- تقديم المساعدة الفنية والتدريب في مجالات خبرة الصندوق إلى حكومات البلدان الأعضاء وبنوكها المركزية.

هل يسدد لبنان استحقاقات الدين في آذار ونيسان وحزيران 2020؟

وفق تقرير "الدين وأسواق الدين" الذي تعدّه وزارة الماليّة، سيلي استحقاق الـ1.2 مليار في آذار استحقاق آخر لسندات اليوروبوند بقيمة 700 مليون دولار في منتصف شهر نيسان، فيما ستستحق سندات يوروبوند أخرى بقيمة 600 مليون دولار في شهر حزيران. وحسب التقرير نفسه، سيُضاف إلى هذه المبالغ الضخمة المستحقة مبلغ 2.7 مليار دولار، هي قيمة الفوائد التي يُفترض أن يدفعها لبنان بالدولار كفوائد على ​الدين العام​ القائم بالعملة الأجنبيّة.

في الخلاصة، ستبلغ قيمة كل استحقاقات سنة 2020 بالعملة الأجنبيّة تحديداً حوالى 5.2 مليار دولار، وستكون استحقاقات دولاريّة مؤلمة، في ظل ضغوط بلغت حد صعوبة تأمين العملة الصعبة الضروريّة لتمويل ​استيراد​ الحاجات الأساسيّة.

اين هي الايجابيات واين التداعيات في التسديد او عدمه ؟

وما هو المطلوب من صندوق النقد الدولي ؟

بدارو

الاقتصادي الدكتور روي بدارو يعتبر ان هذا الموضوع يحتاج الى مقاربة موضوعية بعيدا عن اي عواطف . وهي مقاربة سياسية اقتصادية بطابع علمي.

المسألة لا تتعلق في ما اذا كان لبنان سيدفع استحقاقات سندات اليوروبوندز في 9آذار ام انه لن يدفعها.

ويقول " للاقتصاد " : هذا لأنه بعد موعد استحقاق آذار هناك استحقاقان آخران في نيسان وحزيران . ونحن لا نستطيع خلال هذه المدة القصيرة المتبقية اتخاذ القرار المناسب. لقد تأخرنا كثيرا بغض النظر عن القرار بالدفع او بعدم الدفع . وبالتالي ، كان من المفترض اتخاذ هذا القرار قبل 17 ​تشرين الاول​ ، علما انه بعد ذلك التاريخ كان بالامكان اعادة النظر بنفي او بتأكيد القرار بالدفع او بعدم الدفع على ضوء المعطيات المتوافرة عن احتمال امتداد الثورة لمدة لا بأس بها .

والسؤال المطروح هو التالي : هل لبنان يملك الاحتياط اللازم في ​مصرف لبنان​ للصمود في حال تم تسديد الاستحقاق القادم ؟

الجواب نعم ، وهذا اذا تم ضبط الانفاق بشكل جدي ، بحيث يمكننا الصمود لمدة سنة او سنة ونصف . ولكن في حال تم الاسترسال في ضخ الانفاق على غير الامور الاساسية مثل ​المواد الغذائية​ والدواء و​المحروقات​ ، فستمتد اليد الى المدخرات الموجودة اذا لم تواكبها سياسة مالية منضبطة.

وانا اتفهّم اليوم المواقف المتباينة ، اتفهّم من يقول انه يجب ان ندفع كما اتفهّم من يرفض الدفع .

وبرأيي ، لابد على الاقل طلب المساعدة التقنية من صندوق النقد الدولي ، سيما وانه و​البنك الدولي​ يملكان اليوم نموذجا جديدا يختلف عما كان عليه في التسعينات في مقاربته لمساعدة الدول . وهذا النموذج يقيّم تداعيات قراراته على الصعيد الاجتماعي للدولة التي تطلب المساعدة . وهو من اجل ذلك، ادرج برنامج حماية الطبقات الفقيرة .

وعن حجم المساعدة المالية التي يحق للبنان في الحصول عليها يقول : الكوتا التي يمكن للبنان الحصول عليها هي بحدود 900مليون دولار وهي غير كافية . وحتى اذا تمت مضاعفتها فهي ايضا غير كافية. ومع تسهيلات استثنائية بالامكان مضاعفة هذه الكوتا 10مرات لتحصيل ربما 10 مليارات دولار على الأكثر.

ولكن من اجل ذلك ، نحن بحاجة الى موافقة دولية واهمها موافقة ​الولايات المتحدة الاميركية​ التي تحتفظ بحصة كبيرة من قوة التصويت تستطيع وقف القرار . والسؤال المطروح هنا هل هناك استعداد اميركي لتأمين هذا المبلغ من التمويل الى لبنان ضمن برنامج مالي مع الحكومة الحالية؟.

برأيي كلا. نحن امام خيارات صعبة. واهمها السياسي .

واسأل ايضا اي بلد نريد؟ البحبوحة والسلم ام النموذج الآخر ​الفقر​ والمقاومة .

سندات اليوروبوندز ظاهرة بسيطة .

لسوء الحظ، لم تأخذ السلطات السابقة وقتها اللازم لسن القرارات الصائبة. وفي هذا الظرف الدقيق ، ليس المهم ان ندفع ام لا ، ولكن المطلوب معرفة اذا كنا قادرين على اتباع سياسة مالية تضبط المصاريف وتخفف العجز ، خصوصا ان ​الدخل القومي​ في لبنان سيكون هذا العام بحدود 45 مليار اي بتراجع عن العام الفائت بحدود 10 مليارات .

واذا اعتبرنا ان حجم الدين العام في نطاقه الضيق سيناهز ال 90مليار دولار فهذا يعني ان نسبته من الدخل القومي ستصل الى 200%. وهي أعلى نسبة في العالم .

وفي الواقع ، مع انخفاض ​الدخل الفردي​ والارتفاع المتسارع في الدين العام اصبح لبنان دولة غير قابلة للعيش. من هنا ، نحن بحاجة الى دعم خارجي فالجهود الداخلية لوحدها ليس بامكانها انقاذ لبنان .

ويضيف: ان ​دول الخليج​ والدول الغربية غير مستعدة بدورها لتقديم اي مساعدة نقدية مع التركيبة السياسية القائمة . الخيارات اليوم هي ملك اللبنانيين . ومن الطبيعي القول ان القرار ليس بيد الشعب بل بيد السلطة . واذا اختارت هذه الاخيرة القرار الصعب فبالتأكيد، الشعب سيثور عندما يجوع.

هناك رهانات ، ولكن حكومة اليوم هي حكومة تمرير الوقت . ونحن ذاهبون الى مرحلة صعبة فيها الاضطرابات المتنّوعة اذا لم تحسم السلطة خيارها وتضعه في الطريق الصحيح.

والمطلوب التحلّي بالوعي ، بابتكار الحلول المطمئنة وبابعاد لبنان عن الخطر مقابل الاستحقاقات الطويلة من ترسيم حدود، من تحديد بلوكات 9و 10 للتنقيب عن الغاز ، من فتح الاسواق وجذب ال​استثمارات​ . نحن بامسّ الحاجة الى تكوين سلطة ودولة قانون .

المصارف​ باعت السندات

ويقول : هناك عدة طرق: اما ندفع كل شيء او لا ندفع . لسوء الحظ بعض المصارف باع ما يقارب 400 و 500مليون دولار سندات خزينة الى مصارف اجنبية ، وهذا اما لأنها بحاجة الى سيولة ام لأسباب أخرى .

واحد هذه المصارف الكبيرة باع بقيمة اكثرمن 200 مليون دولار سندات .

وهنا ايضا لا نعرف الدافع وراء هذه الخطوة علما انه كان من المفترض ان يتم اي اجراء مماثل بالتوافق مع مصرف لبنان وضمن الموقف الوطني وليس موقف تحقيق الارباح .

نسبة التشكيك بتحصيل المصارف لديونها اصبحت اليو م 30 و40% بعدما كانت قبل ثورة 17 تشرين الاول 14%.

وهذا سيعّرض رساميل المصارف للخطر . مع العلم ان قسما من سندات نيسان اصبح خارج لبنان بفعل الخوف ان يجبرهم مصرف لبنان على استبدالها بسندات ذات استحقاقات طويلة الأجل .

واذ اكد على موقفه بانه يجب ان يتم تسديد استحقاقات آذار رأى انه على المصارف ابقاء اموالها في لبنان. وهنا مسؤولية مصرف لبنان.

لبنان و​الاكوادور

ويلفت الدكتور بدارو الى ان ازمة ​السيولة​ بالدولار بدأت مع تشديد ​العقوبات الاميركية​ . وكان من الافضل في 21 تشرين الاول الذي هو محطة مفصلية ،ان يضخ مصرف لبنان كما والمصارف المزيد من الدولارات في السوق ، ولكنه للأسف لم يقم بذلك ، لا بل سحبت الدولارات من آلات الدفع الالكتروني .

ويشير الى ان الوضع في لبنان لا يشبه ما هو عليه في ​الارجنتين​ ، و​فنزويلا​ ولا حتى في روسيا. قد يكون شبيها بحجم مشاكله بوضع الاكوادور.

ونسأل اليوم هل عندنا مصلحة في عدم الدفع ؟ اذا تبنّينا هذا القرار فليكن هذا بالاتفاق مع صندوق النقد.

فتدخل الصندوق مطمئن للاسواق بعد لعبه دور الوسيط . كما يعطي الضمانة للمرحلة الحاضرة والمقبلة.

نحن بحاجة الى استثمارات خارجية مباشرة في المعلوماتية، في الصناعة، الزراعة واقتصاد المعرفة لتحريك النمو والنهوض بالاقتصاد.

فالاعتماد على الضرائب اليوم لا يحل المشكلة . لقد دخلنا في دوامة صعبة ومن الضروري اتباع نموذج اقتصادي جديد.

ولا اعتقد اننا نستطيع الخروج من هذه الدوامة بدون المزج بين توفير الاطمئنان و​الاستثمارات​ و​السياحة​ والانفتاح على الاسواق.. .

في مطلق الاحوال ، سيشكّل تعامل حكومة الرئيس حسان دياب مع هذا الحدث المالي مؤشراً هاماً إلى كيفية التعامل مع المجتمع الدولي في المستقبل ،كما تقول جمعية المصارف في لبنان . واي سيناريو آخر سيعد تعثرا في نظر ​الاسواق المالية​ .

واذ انه يصعب اليوم الجزم عما اذا كان ​القطاع المصرفي​ ما زال مهتما في مد الدين للدولة ، سيما وانها اكثر حاجة الى السيولة والتدفق النقدي ، يبقى الترّقب سيّد الموقف لما سيرسمه وفد صندوق النقد القادم الى لبنان نهاية الشهر الجاري بغطاء دولي محدد من هندسات مالية واصلاحية.