يؤكد كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث في "​بنك عودة​"، ​مروان بركات​ أنه "على الرغم من اﻻﺧﺘﻼﻻت اﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ الجسيمة اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺣﺎﻟﻴﺎً في ​لبنان​، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ اﻟﻘﻄﺎﻋﲔ اﳋﺎرﺟﻲ واﻟﻌﺎم فإن المخارج لازاﻟﺖ ﻣﺘﺎﺣﺔ وتحقيق ﺳﻴﻨﺎرﻳﻮ اﻟﻬﺒﻮط اﻵﻣﻦ ﻣﺎ زال ممكناً إذا ﰎﹼ اﺗﺨﺎذ ﺧﻴﺎرات وﺗﺪاﺑﻴﺮ ﺟﺬرﻳﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ واﺿﻌﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت".

ويضيف بركات لـ"الإقتصاد": "الأرقام ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻼﺣﺘﻮاء إذا ﺻﺪﻗﺖ اﻟﻨﻮاﻳﺎ، وﻓﻲ ﺣﺎل أﹸﻃﻠﻘﺖ ﻋﺠﻠﺔ اﻹﺻﻼﺣﺎت اﻟﻬﻴﻜﻠﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻼﺋﻢ، ﺑﺈﻣﻜﺎن ﻟﺒﻨﺎن أن ينتقل ﺗﺪرﻳﺠﻴﺎﹰ ﻣﻦ ﺣﻘﺒﺔ اﻟﻮﻫﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎدي إﻟﻰ ﺣﻘﺒﺔ اﻻﺣﺘﻮاء اﻟﺘﺪرﻳﺠﻲ ﻟﻠﻤﺨﺎﻃﺮ واﻟﺘﻬﺪﻳﺪات ﻛﺸﺮط أﺳﺎﺳﻲ ﻷي ﻧﻬﻮض اﻗﺘﺼﺎدي ﻣﻨﺸﻮد ﻓﻲ اﳌﺪى اﳌﺘﻮﺳﻂ إﻟﻰ اﻟﻄﻮﻳﻞ".

ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق، يشرح بركات كيفية مواجهة اﳊﻜﻮﻣﺔ اﳉﺪﻳﺪة للخمسة ﲢﺪﻳﺎت الﻣﺎﻛﺮو اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ رﺋﻴﺴﻴﺔ، في ما يلي:

ﺗﺼﺤﻴﺢ اﻻﺧﺘﻼﻻت اﳋﺎرﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺎﻗﻤﺖ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﺘﺮاﺟﻊ اﳌﻠﺤﻮظ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ اﻷﻣﻮال اﻟﻮاﻓﺪة ﻓﻲ ﻇﻞ ﺷﺒﻪ اﻟﻘﻴﻮد اﳌﻔﺮوﺿﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺮﺳﺎﻣﻴﻞ اﳋﺎرﺟﻴﺔ. إن اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺪاﻣﺔ اﻟﻌﺠﺰ اﻟﺘﺠﺎري اﳌﻠﺤﻮظ ﺑﺎﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ ﺗﺪﻓﻘﺎت اﻷﻣﻮال اﻟﻮاﻓﺪة ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻗﺎﺑﻼﹰ ﻟﻼﺳﺘﻤﺮار ﻧﻈﺮاﹰ إﻟﻰ اﻟﺘﺮاﺟﻊ اﳌﻠﺤﻮظ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺘﺪﻓﻘﺎت اﳌﺎﻟﻴﺔ. ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺈن اﻷوﻟﻮﻳﺔ ﺗﻜﻤﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﻲ إﻋﺎدة ﲢﻔﻴﺰ اﻟﺘﺪﻓﻘﺎت اﳌﺎﻟﻴﺔ اﻟﻮاﻓﺪة وﺧﻔﺾ اﻟﻮاردات وﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﺼﺎدرات.

ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ، ﻫﻨﺎك إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺗﻮازن ﻓﻲ ﻣﻴﺰان اﳌﺪﻓﻮﻋﺎت ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺨﻔﻴﺾ ﺣﺠﻢ اﻟﻮاردات ﺑﻨﺴﺒﺔ 40% وزﻳﺎدة اﻟﺼﺎدرات ﺑﻨﺴﺒﺔ 20% وذﻟﻚ رﻏﻢ ﻓﺮﺿﻴﺔ اﻟﺘﺮاﺟﻊ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ اﻷﻣﻮال اﻟﻮاﻓﺪة ﺑﻨﺴﺒﺔ ﺗﻘﺎرب 25% ﺧﻼل اﻟﻌﺎم اﳊﺎﻟﻲ.

إن اﳌﻄﻠﻮب ﻫﻨﺎ أوﻻﹰ ﻗﻮﻧﻨﺔ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺮﺳﺎﻣﻴﻞ اﳋﺎرﺟﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم 2020، ﻋﻠﻰ أن ﻳﺘﻢ ﲢﺮﻳﺮﻫﺎ ﺗﺪرﻳﺠﻴﺎﹰ ﺑﺪءاﹰ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم اﳌﻘﺒﻞ إذا ﲢﺴﻦ ﻋﺎﻣﻞ اﻟﺜﻘﺔ. ﻟﺬﻟﻚ ﻣﻦ اﳌﻬﻢ إﺻﺪار ﻗﺎﻧﻮن ﺗﺸﺮﻳﻌﻲ ﻳﻀﺒﻂ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺮﺳﺎﻣﻴﻞ وﻳﺘﻀﻤﻦ وﺿﻊ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﺎﻟﺘﺤﻮﻳﻼت اﻟﻄﺎرﺋﺔ ﻣﻊ ﲢﺪﻳﺪ ﺳﻘﻮف ﻋﻠﻴﻬﺎ. ﻓﺮض ﻗﻴﻮد ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻴﺮاد اﻟﺴﻠﻊ اﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﺑﺪاﺋﻞ ﻣﺤﻠﻴﺔ اﻟﺼﻨﻊ، ﺗﺴﻬﻴﻞ ﲤﻮﻳﻞ اﺳﺘﻴﺮاد اﳌﻮاد اﻷوﻟﻴﺔ ﻟﻺﻧﺘﺎج اﶈﻠﻲ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻓﺮض ﻗﻴﻮد ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﻮﻳﻼت اﳋﺎرﺟﻴﺔ ﻟﻠﻌﻤﺎل اﻷﺟﺎﻧﺐ اﻟﻌﺎﻣﻠﲔ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن.

ﻓﻲ ﻣﻮازاة ذﻟﻚ، ﻣﻦ اﻟﻀﺮوري اﺗﺨﺎذ ﺗﺪاﺑﻴﺮ ﻟﺘﻌﺰﻳﺰ اﻹﻧﺘﺎج اﶈﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻟﻮاردات ﻣﻦ ﺧﻼل ﲢﻔﻴﺰ اﻟﺴﻠﻊ اﳌﻮﺟﻬﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﺘﺼﺪﻳﺮ واﻟﺴﻠﻊ اﻟﺒﺪﻳﻠﺔ ﻟﻼﺳﺘﻴﺮاد ﻟﻠﺤﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺰ اﻟﺘﺠﺎري اﻟﻘﺎﺋﻢ. ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﺎق، ﻣﻦ اﳌﻬﻢ ﲢﺴﲔ وﺗﻮﺳﻴﻊ ﻧﻄﺎق اﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻟﺪﻋﻢ اﻟﺼﺎدرات واﺳﺘﺤﺪاث ﺑﺮاﻣﺞ ﲢﻔﻴﺰﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺗﺘﻮﺟﻪ ﻧﺤﻮ اﻟﻘﻄﺎﻋﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻨﺴﺐ ﻣﺘﺪﻧﻴﺔ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر إﻟﻰ اﻟﻘﻴﻤﺔ اﳌﻀﺎﻓﺔ اﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻋﻨﻪ. ﻛﻤﺎ وأن ﺗﺸﺠﻴﻊ اﻹﻧﺘﺎج اﶈﻠﻲ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻨﻄﻮي ﻋﻠﻰ رﻓﻊ ﻟﻠﺮﺳﻮم اﳉﻤﺮﻛﻴﺔ ﳊﻤﺎﻳﺔ اﳌﻨﺘﺠﺎت اﶈﻠﻴﺔ، ﺗـﺄﻣﲔ ﺣﻮاﻓﺰ ﺿﺮﻳﺒﻴﺔ ﻟﻠﻤﻨﺘﺠﲔ اﶈﻠﻴﲔ، دﻋﻢ أﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﳑﻜﻦ ﻣن ﻋﻤﻠﻴﺔ اﺳﺘﻴﺮاد اﳌﻮاد اﻷوﻟﻴﺔ، بالإضافة الى ﺗﺮوﻳﺞ اﻹﻧﺘﺎج اﶈﻠﻲ ﻓﻲ اﳋﺎرج ﻣﻊ اﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ اﳌﻨﺘﺠﺎت ذات اﻟﻘﻴﻤﺔ اﳌﻀﺎﻓﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ.

ﺗﺼﺤﻴﺢ اﻻﺧﺘﻼﻻت اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ اﳌﺎﻟﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﻋﻨﺼﺮ اﻟﻬﺸﺎﺷﺔ اﻷﺑﺮز ﺣﺎﻟﻴﺎﹰ ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻮﻃﻨﻲ.

إن ﺗﺼﺤﻴﺢ اﺧﺘﻼﻻت اﳌﺎﻟﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ أﻣﺮاﹰ ﻣﻠﺤﺎﹰ ﺟﺪاﹰ. إذ ﻻ ﳝﻜﻦ ﻟﻠﺒﻨﺎن أن ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻘﺮاره اﻟﻨﻘﺪي واﳌﺎﻟﻲ ﻣﻊ ﻣﺪﻳﻮﻧﻴﺔ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ 153% ﻣﻦ اﻟﻨﺎﰋ وﻫﻲ ﺛﺎﻟﺚ أﻋﻠﻰ ﻧﺴﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ، وﻣﻊ ﻧﺴﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺠﺰ اﳌﺎﻟﻲ اﻟﻌﺎم ﺗﻨﺎﻫﺰ 8% ﻣﻦ الناتج وهي بين العشر الأول في العالم، ﺧﺼﻮﺻﺎﹰ وأن اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻘﺎﺋﻢ ﺣﻮل ﲤﻮﻳﻞ اﻟﻌﺠﺰ اﳌﺎﻟﻲ اﻟﻌﺎم ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﳕﻮ اﻟﻮداﺋﻊ ﻏﻴﺮ قابل للاستدامة ﻣﻊ اﻧﺨﻔﺎض ﺻﺎف ﻓﻲ اﻟﻮداﺋﻊ اﳌﺼﺮﻓﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم اﳌﻨﺼﺮم. ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻟﻴﺲ أﻣﺎم اﻟﺪوﻟﺔ ﺧﻴﺎر ﺳﻮى ﺗﺨﻔﻴﺾ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻬﺎ اﻟﺘﻤﻮﻳﻠﻴﺔ ﻓﻲ اﳌﺪى اﳌﻨﻈﻮر.

ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈن اﻟﺘﺼﺤﻴﺢ اﳌﺮﺟﻮ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ اﳌﺎﻟﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺘﺄﺗﻰ ﻋﻦ ﻋﺪد ﻣﻦ التدابير التي تتمحور بشكل ﺧﺎص ﺣﻮل ﺗﻘﺸﻒ ﻓﻲ اﻹﻧﻔﺎق اﻟﻌﺎم، ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺗﻌﺒﺌﺔ اﳌﻮارد، ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ اﻟﺘﻬﺮب اﻟﻀﺮﻳﺒﻲ، إﺻﻼح قطاع ​الكهرباء​ وتحقيق بعض اﻟﻮﻓﻮرات ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻌﺎم. إن اﳌﻄﻠﻮب ﻫﻨﺎ اﻟﺒﺪء ﺑﺘﻘﺸﻒ ﺟﺬري ﻓﻲ اﻹﻧﻔﺎق اﻟﻌﺎم ﻣﻦ خلال تجميد الرواتب وتخفيض النفقات غير الثابتة (أي ﺧﺎرج اﻷﺟﻮر واﻟﺮواﺗﺐ وﺧﺪﻣﺔ اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺘﺤﻮﻳﻼت ﳌﺆﺳﺴﺔ ﻛﻬﺮﺑﺎء ﻟﺒﻨﺎن) بنسبة لا تقل عن 20%. هذا بالإضافة الى إصلاح ﻗﻄﺎع اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﻋﺒﺮ ﺑﻨﺎء ﻣﺤﻄﺎت اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻼزﻣﺔ، وﺿﻤﺎن اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺪار 24 ﺳﺎﻋﺔ ورفع رسوم الكهرباء بنسبة 45% وﺗﻘﻠﻴﺺ اﳋﺴﺎﺋﺮ اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ وﻏﻴﺮ اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ، ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﺄن ﻫﺬه اﻟﻌﻮاﻣﻞ ﻣﺠﺘﻤﻌﺔ أن تساهم في تحقيق توازن في مالية مؤسسة ﻛﻬﺮﺑﺎء ﻟﺒﻨﺎن ﺧﻼل ﻓﺘﺮة زﻣﻨﻴﺔ ﻻ ﺗﺘﻌﺪى اﻟﺜﻼث ﺳﻨﻮات. وﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﺘﺮاﻓﻖ ذلك ﻣﻊ ﺧﻔﺾ ﻓﻲ ﻧﺴﺐ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم 2020، ﻓﻲ ﺣﲔ ﻳﹸﻌﺎود ﻣﺼﺮف ﻟﺒﻨﺎن اﻛﺘﺘﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﻣﺤﻔﻈﺔ ﺳﻨﺪات اﳋﺰﻳﻨﺔ ﺑﻔﺎﺋﺪة 1% ﻓﻲ اﻟﻌﺎم 2020.

أﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ اﻹﻳﺮادات، ﻓﺈن اﳌﻄﻠﻮب ﻫﻨﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺗﻌﺒﺌﺔ اﳌﻮارد، اﺗﺨﺎذ ﺗﺪاﺑﻴﺮ ﺻﺎرﻣﺔ

ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﳊﻜﻮﻣﺔ اﳉﺪﻳﺪة ﳌﻜﺎﻓﺤﺔ اﻟﻔﺴﺎد ﻟﻜﻲ ﻳﺘﻢ ﺗﻘﺒﻞ أي اﻗﺘﻄﺎع ﺿﺮﻳﺒﻲ إﺿﺎﻓﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﲔ. ﲟﻮازاة ذﻟﻚ، ﻫﻨﺎك ﺣﺎﺟﺔ ﺿﺮورﻳﺔ ﻟﺴﺪ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻘﻞ ﻋﻦ ﻧﺼﻒ ﻓﺠﻮة اﻟﺘﻬﺮب اﻟﻀﺮﻳﺒﻲ ﺑﲔ اﻷﻋﻮام 2021 و 2024 (أي 1% ﻣﻦ اﻟﻨﺎﰋ اﶈﻠﻲ اﻹﺟﻤﺎﻟﻲ سنوياً).

ﺗﺼﺤﻴﺢ اﻟﻮﺿﻊ اﻟﻨﻘﺪي ﻣﻊ اﻟﺘﺮاﺟﻊ اﳌﺘﻮﻗﻊ ﻓﻲ اﺣﺘﻴﺎﻃﻴﺎت ﻣﺼﺮف ﻟﺒﻨﺎن ﻓﻲ ﻇﻞ اﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت اﻟﺘﻤﻮﻳﻠﻴﺔ اﳌﻠﺤﻮﻇﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤﻼت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ.

ﺛﺎﻟﺜﺎﹰ، إن دﻋﻢ اﻟﻮﺿﻊ اﻟﻨﻘﺪي ﻳﻌﺪ ﺿﺮورﻳﺎﹰ ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻘﺮار اﳌﻨﺸﻮد، ﻫﻨﺎك ﺣﺎﺟﺔ ﻣﻠﺤﺔ ﻻﺣﺘﻮاء ﺗﺮاﺟﻊ اﺣﺘﻴﺎﻃﻴﺎت ﻣﺼﺮف ﻟﺒﻨﺎن اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﺑﺎﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ اﻟﺪﻋﻢ اﳋﺎرﺟﻲ. ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ، ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ ﻣﺼﺮف ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺘﻤﻮﻳﻞ ﺑﺎﻟﻌﻤﻼت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻟﻮاردات ﻟﺒﻨﺎن ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺢ واﻷدوﻳﺔ واﻟﺒﻨﺰﻳﻦ ودﻓﻊ اﻟﻔﻮاﺋﺪ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﺪات اﻟﻴﻮروﺑﻮﻧﺪز، إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﲤﻮﻳﻞ ﺷﺮاء اﳌﺸﺘﻘﺎت اﻟﻨﻔﻄﻴﺔ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﻛﻬﺮﺑﺎء ﻟﺒﻨﺎن، ﻣﺎ ﻳﺸﻜﻞ اﺣﺘﻴﺎﺟﺎت ﲤﻮﻳﻠﻴﺔ ﺳﻨﻮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤﻼت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﲟﺎ ﻳﻘﺎرب 10 ﻣﻠﻴﺎر دوﻻر، وذﻟﻚ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻓﺮﺿﻴﺔ ﻣﺒﺎدﻟﺔ ﺳﻨﺪات اﻟﻴﻮروﺑﻮﻧﺪز اﳌﺴﺘﺤﻘﺔ ﺧﻼل اﻟﻌﺎم ﺑﺴﻨﺪات أﻃﻮل أﺟﻼﹰ. وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ، ﻣﻦ أﺟﻞ ﺳﺪ ﻫﺬه اﻟﻔﺠﻮة ﳊﲔ اﺳﺘﻌﺎدة اﻟﺜﻘﺔ، ﻳﺤﺘﺎج ﻟﺒﻨﺎن إﻟﻰ اﻟﻠﺠﻮء ﻟﻠﺪﻋﻢ اﳋﺎرﺟﻲ. واﳌﻄﻠﻮب ﻫﻨﺎ ﺗﺄﻣﲔ اﻟﺘﻤﻮﻳﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺻﻨﺪوق اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﻟﻲ ﲟﺎ ﻳﻘﺎرب ﻋﺸﺮة أﺿﻌﺎف ﺣﺼﺔ ﻟﺒﻨﺎن ﻟﺪى اﻟﺼﻨﺪوق واﻟﺒﺎﻟﻐﺔ 880 ﻣﻠﻴﻮن دوﻻر (أي 8.8 ﻣﻠﻴﺎر دوﻻر) واﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ دﻓﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻓﺼﻠﻲ ﺑﺪءاﹰ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم 2021. أﹶﺿﻒ إﻟﻴﻪ ﻣﺎ ﳝﻜﻦ أن ﻳﺘﺒﻊ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﺪﻓﻖ ﻹﻳﺪاﻋﺎت ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﻟﺪى ﻣﺼﺮف ﻟﺒﻨﺎن. ﻓﻲ ﻇﻞ ﻫﺬا اﻟﺴﻴﻨﺎرﻳﻮ، ﻓﺈن اﺣﺘﻴﺎﻃﻴﺎت ﻣﺼﺮف ﻟﺒﻨﺎن اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻗﺪ ﺗﺘﻘﻠﺺ ﺑﺸﻜﻞ ﻻﻓﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم 2020 ﻧﺘﻴﺠﺔ ﲤﻮﻳﻞ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺰ اﻟﻌﺎم وواردات ﻟﺒﻨﺎن ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻊ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ، وﻟﻜﻦ ﻣﻦ اﳌﻤﻜﻦ أن ﺗﻌﺎود ﻧﻬﻮﺿﻬﺎ ﺑﺪءاﹰ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم 2021.

ﺗﺼﺤﻴﺢ اﻷوﺿﺎع اﳌﺼﺮﻓﻴﺔ ﻣﻊ ﺿﺮورة ﺗﻮﺣﻴﺪ اﻹﺟﺮاءات اﳌﺼﺮﻓﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﺮاﻓﻖ ﻣﻊ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺨﻔﻴﺾ ﻓﻲ ﻣﻌﺪﻻت اﻟﻔﻮاﺋﺪ.

راﺑﻌﺎﹰ، ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ اﻟﻘﻄﺎع اﳌﺼﺮﻓﻲ، إن ﺗﻮﺣﻴﺪ المعاﻳﻴﺮ واﻹﺟﺮاءات اﳌﺼﺮﻓﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﺼﺮف ﻟﺒﻨﺎن ﻫﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ الملاﺋﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ اﻟﺴﻠﻄﺎت المرجعية لحماية ﻛﻞ ﻣﻦ اﳌﻮدﻋين و​المصارف​ ﻣﻌﺎﹰ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﻈﺮوف اﻟﺘﺸﻐﻴﻠﻴﺔ اﻟﺼﻌﺒﺔ ﺣﺎﻟﻴﺎﹰ.

إن ﻫﻜﺬا ﺧﻄﻮة ﺗﻀﻤﻦ اﻹﻧﺼﺎف واﳌﺴﺎواة ﻓﻲ اﳊﻘﻮق ﺑﲔ اﳌﻮدﻋﲔ وﺗﺆﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻏﻄﺎء ﺗﺸﺮﻳﻌﻴﺎﹰ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎﹰ ﻟﻠﻤﺼﺎرف اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ، ﻣﺎ ﻳﹸﻔﺘﺮض أن ﻳﺴﺎﻋﺪ اﻟﻘﻄﺎع اﳌﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻷوﺿﺎع اﻟﺸﺎﺋﻜﺔ اﻟﺮاﻫﻨﺔ، ﺑﺎﻧﺘﻈﺎر ﲢﻘﻴﻖ ﺧﺮق ﺳﻴﺎﺳﻲ واﻗﺘﺼﺎدي ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﲢﺴﲔ ﻋﺎﻣﻞ اﻟﺜﻘﺔ ﺗﺪرﻳﺠﻴﺎﹰ وﺿﻤﺎن اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ المسار اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ. ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ، إن الحاجة الملحّة اﻟﻴﻮم ﻫﻲ ﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﲔ المؤﺳﺴﺎت المصرﻓﻴﺔ وﻗﺎﻋﺪة زﺑﺎﺋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻣﻨﺎخ ﻏﻴﺮ ﳕﻄﻲ.

ﻓﻲ المقاﺑﻞ، ﻟﻘﺪ ﺑﺎت ﻣﻄﻠﻮﺑﺎﹰ اﻟﻴﻮم ﺗﺨﻔﻴﺾ ﻣﻌﺪﻻت اﻟﻔﻮاﺋﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻮداﺋﻊ اﳌﺼﺮﻓﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﻌﺎم، ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﻘﻴﻮد اﳌﻔﺮوﺿﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺮﺳﺎﻣﻴﻞ اﳋﺎرﺟﻴﺔ، وذﻟﻚ ﲟﺎ ﻻ ﻳﻘﻞ ﻋﻦ 3% ﻋﻠﻰ اﻟﻮداﺋﻊ ﺑﺎﻟﻠﻴﺮة اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ وﻋﻠﻰ اﻟﻮداﺋﻊ ﺑﺎﻟﻌﻤﻼت اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ، ﻳﺮاﻓﻘﻬﺎ ﺗﺨﻔﻴﺾ ﻣﻌﺪﻻت اﻟﻔﻮاﺋﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺮوض اﳌﺼﺮﻓﻴﺔ ﺑﻨﺴﺐ مماﺛﻠﺔ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ.

إﻋﺎدة اﻟﻨﻤﻮ اإﻗﺘﺼﺎدي وﺧﻠﻖ اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ، ﺑﻌﺪ اﻧﺘﻘﺎل اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻮﻃﻨﻲ ﺣﺎﻟﻴﺎﹰ ﻣﻦ ﺣﻠﻘﺔ اﻟﻨﻤﻮ اﳌﻨﺨﻔﺾ إﻟﻰ وﺿﻌﻴﺔ اﻟﺮﻛﻮد اﻟﺘﻲ ﺗﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﻗﻄﺎﻋﺎت اﻟﻨﺸﺎط اﻻﻗﺘﺼﺎدي.

خامساً، يعد تعزيز ​النمو الاقتصادي​ وخلق الوظائف أمراً جوهرياً لملاقاة المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية في ضوء التظاهرات الشعبية التي اندلعت منذ منتصف شهر تشرين الأول. فقد بلغ معدل النمو الاقتصادي 0.2% في العام 2019 ومن المتوقع أن يكون سلبياً في العام 2020 .إننا نتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي -2% هذا العام، إلا أن هناك إمكانية لأن يرتفع تدريجياً مع تحقيق سيناريو الهبوط الآمن في غضون خمس سنوات شرط استعادة ثقة القطاع الخاص. إن تحليل دقيق لمتطلبات القطاع الحقيقي والقطاع المالي يشير إلى أن تعزيز نسب النمو الاقتصادي ممكن تقنياً في المدى المنظور، غير أنه يتطلب مناخاً سياسياً داعماً وإطلاق عجلة الإصلاحات الهيكلية المرجوة لتحفيز الطلب على السلع والخدمات، وتعزيز ​التنافسية​ للاقتصاد اللبناني إلى جانب تحسين عامل الثقة بشكل عام. من هنا، فإن المفتاح الأساس يكمن في تحفيز الطلب الخاص لاسيما وأن الطلب العام عرضة للانكماش في سياق متطلبات التصحيح المرجو على صعيد المالية العامة.

إن التحدي المحوري في سبيل تحفيز النمو الخاص يكمن في تحفيز ​الاستثمارات​ الخاصة، مع الإشارة إلى أن الاستثمار له التأثير الأكبر على النمو الاقتصادي الكلي من خلال مفعول مضاعف الاستثمار بشكل عام. فلبنان بحاجة إلى رفع نسبة الاستثمار الخاص إلى ​الناتج المحلي​ الإجمالي بحوالي 2.5% سنوياً خلال السنوات القادمة وذلك من أدنى مستوياتها خلال عشرين عام والبالغة أقل من 20% اليوم.