خاص ــ الاقتصاد

لم تبق الخلافات المالية التي نشأت بين رجلي أعمال في الخارج، متوقفة على النزاع المادي، بل ترجمت بعملية خطف في بيروت وحجز حرية، وإجبار المخطوف على توقيع إقرار بحق الخاطفين بمبلغ 145 مليار دولار، لكن شعبة المعلومات في قوى ال​أمن​ الداخلي، تمكنت من تحرير المخطوف وتوقيف خاطفيه وإحالتهم على القضاء.

تفاصيل هذه العملية تكشّفت، مع الدعوى التي تقدّمت بها زوجة المدعي "بشور. س" (وهو رجل أعمال سوري)، بادعاء أمام مخفر بعبدا في الثامن من تشرين الثاني الماضي، أفادت فيه عن اختفاء زوجها منذ عصر اليوم السابق، وطلبت كشف مصيره، فأحيل الادعاء على شعبة المعلومات في ​قوى الأمن الداخلي​، حيث باشرت بدراسات فنية وتحليلية معمّقة، وتبين بنتيجتها أن المدعى عليه "جمال. ع" (وهو رجل أعمال سوري أيضاً)، كلّف صديقه المدعى عليه "كامل. س" باختطاف "بشور" نتيجة خلافات مالية ضخمة وقعت بينهما في وقت سابق خارج الأراضي اللبنانية.

لم يتردد المدعى عليه "كامل. س" في تنفيذ ما طلب منه، فعمد إلى تكليف المدعي عليه "زاهر. ش. م" بمراقبة رجل الأعمال "بشور. س"، بعدما أرشده الى مكان منزله في منطقة الحازمية وعلى سيارته، وذلك بناء على اتفاق مسبق مع رجل الأعمال "جمال. ع"، ولهذه الغاية استعان "كامل. س" وهو رتيب متقاعد في مخابرات الجيش، بالمدعى عليه "بسام. ش"، ليكلفه بتنفيذ عملية الخطف مقابل مبلغ 20.000 دولار أميركي.

بناء على هذا الاتفاق بدأ "بسام. ش" إجراءات التنفيذ، واستعار سيارة رباعية الدفع من صديقه "ذو الفقار. ص"، بذريعة أنه يحتاجها لأمور عائلية ليوم واحد، ثم مدد الاستعارة لعدة أيام، واستبدل لوحات السيارة بأخرى مزورة في الضاحية الجنوبية، كما عمد بعدها إلى وضع حاجب للرؤية على الزجاج، وانطلق برفقة كل من "أحمد. ش" و"علي. ع"، وبعد محاولات عدّة من قبل المدعى عليهم "بسام. ش" و"أحمد. ش" و"علي. ع" لتعقب رجل الأعمال باءت بالفشل، الّا أنهم تمكنوا في السابع من تشرين الثاني الماضي، من اعتراض طريقه قرب منزله في الحازمية، وترجلوا من السيارة وشهروا ​أسلحة​ حربية بوجهه، منتحلين صفة عناصر من جهاز أمن الدولة، وعمدوا إلى ضربه على رأسه وخاصرته واصعدوه بالقوة على متن سيارة الجيب، ونقلوه معصوب العينين إلى مكتب المدعى عليه "كامل. س" قرب طريق المطار.

ما إن أوصل الخاطفون المخطوف إلأى طريق المطار، حتى أعطوه ​دواء​ أفقده وعيه، عندئذٍ وضعوه داخل صندوق بيك آب أسود اللون، نقلوه إلى بلدة ياطر الجنوبية، حيث تسلمه هناك المدعى عليه "عباس. ب" ونقله إلى منزل "أيمن. س" شقيق زوجة "كامل. س" الذي كان بحوزته سلاحاً حربياً من نوع كلاشنكوف، وقد تناوب "عباس. ب" و"أيمن. س" على حراسة "بشور. س"، وبعد أربعة أيام جرى نقله الى منزل "مازن. س"، وفي ذلك اليوم سافر المدعى عليه "كامل. س" إلى ​تركيا​ لمقابلة رجل "جمال. ع" ولاستلام مبلغ الـ 20.000 دولار الذي وعده به مقابل عملية الخطف.

بعد خمسة أيام على خطفه وأسره، أجبر المخطوف على إرسال تسجيل صوتي موجه إلى زوجته بواسطة ​هاتف​ يستعمل للمرة الأولى ومن رقم يملكه "كامل. س"، وبعد تسجيل الصوت أرسله الأخير الى هاتف "جمال. ع" الذي أرسله بدوره إلى زوجة "بشور" عبر تطبيق "واتساب"، وفي التسجيل طلب رجل الأعمال من زوجته حلّ الخلاف المالي مع "جمال. ع"، وفي اليوم التالي أجبر المخطوف أيضاً على توقيع تعهدات تفيد بأن للمدعى عليه "جمال. ع" في ذمته 145 مليون دولار، أرسلت إلى زوجته، وقد طلب "جمال" من الزوجة سحب هذه المبالغ من مصرف في لبنان أو في الخارج، بالتعاون مع شقيق زوجها الموجود في أوكرانيا، لكن الزوجة تذرعت بأن ​المصارف اللبنانية​ مقفلة بسبب الثورة، واستمهلته اسبوعاً واحداً لتلبية طلبه.

صباح يوم 18 تشرين الثاني الماضي، وبعد 11 يوماً من عملية الخطف، تمكنت شعبة المعلومات في قوى الأمن من تحرير المخطوف من المنزل المحتجز به في ياطر، وعثرت عليه في الطابق السفلي مكبّل اليدين ومعصوب العينين، ولدى عرضه على الطبيب الشرعي تبين أن المخطوف تعرض إلى إصابات في جسده، ناتجة عن عنف واعتداء جسدي ووضع لاصق على العيدين والأصفاد في اليدين، وقد أفاد "بشور. س" خلال الاستماع إلى إفادته أمام مكتب التحقيق في المعلومات، بأنه يسقط حقه عن جميع المدعى عليهم الذين اشتركوا في خطفه، باستثناء "جمال. ع" كون الخلاف حاصل حصراً بينهما، أما الآخرون فهم مجرد أشخاص ورطهم جمال في عملية خطفه.

قاضي التحقيق في جبل لبنان الذي أجرى تحقيقاته الاستنطاقية في هذه الدعوى، اعتبر في قرار ظني أن المدعى عليهم انتحلوا صفة عناصر أمن، وأقدموا على خطف المدعي "بشور. س" وحجز حريته وتعذيبه جسدياً ومعنوياً واستعمال كرهينة من أجل ابتزازه مالياً، وإرغامه على توقيع اقرارات ومستندات بوجود أموال مترتبة بذمته للمدعى عليه "جمال. ع" قدرها 145 مليون دولار، وأن أفعالهم تنطبق على جرائم جنائية تصل عقوباتها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، وأحالهم على ​محكمة​ الجنايات في جبل لبنان لمحاكمتهم.