يواجه العالم فيروس كورونا، في حين أن لبنان يعاني من تفشي وباء "السياسيين"، الذين طالبناهم باسترداد ثرواتهم المنهوبة من جيوبنا، فعمدوا الى سلبنا جنى عمرنا!

وبعد تسريب مسودة مشروع البيان الوزاري لحكومة الرئيس ​حسان دياب​، التي تضمنت عناوين مقتضبة، قد لا تتناسب مع حدة الأزمة التي وصلنا اليها، ومواصلة سياسة "عدم المصارحة"، يبقى التساؤل سيد الموقف، خلال رحلة اللبناني الى المجهول.

وبين الرفض وإعطاء الفرص بانتظار الأفعال، وبين الواقع والوهم في الأرقام التي يتم التداول بها، وبين الدعم والانتقاد في الشارع... لم يعد بإمكاننا سوى الانتظار والترقب.

فهل أن التطمينات التي تضمنتها المسودة عن حماية صغار المودعين هي مجرد إبرة مورفين بانتظار "الخطوات القاسية والمؤلمة" التي يحكى عنها ولا يعرف مضمونها؟ هل أن هذا البيان سيقدم المزيد من الدعم للمصارف على حساب المودعين؟ هل هناك بعض النقاط الإيجابية التي تدعو الى التفاؤل؟... تساؤلات كثيرة تلوح في الأفق، في حين تسطير الضبابية على الأجواء.

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع عضو هيئة مكتب ​المجلس الاقتصادي​ والاجتماعي والأستاذ الجامعي، د. أنيس بو دياب، للوقوف الى أهم بنود هذه المسودة:

- كيف تقيم مسودة البيان الوزاري بشكل عام؟ هل أن الحلول المطروحة لمعالجة الأزمة تعتبر عادلة بالنسبة الى المواطنين؟

المسودة فضفاضة الى حد ما، وتضم عناوين واسعة جدا، فهل ستستطيع الحكومة، بطبيعتها، وبطبيعة تشكيلها، أن تنفذ، ولو 20% من هذا البيان؟ لا أحد يعلم، وتبقى العبرة في التنفيذ!

لقد تضمن البيان عناوين براقة وجذابة، وخاصة عندما تطرق الى الحلول الاقتصادية، ومنها الحلول المالية والنقدية، وصولا الى إعادة النظر في هيكلية ​الاقتصاد اللبناني​، وتحويله من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج، خلال فترة زمنية معينة (من 100 يوما الى 3 سنوات)؛ وهذا أمر جيد. لكن هل ستبقى هذه الحكومة لسنوات؟ وهل ستستطيع أساسا أن تصل الى مرحلة الحصول على الثقة؟

- جاءت معظم ردود الفعل على هذا البيان سلبية، بسبب فقدان الناس للثقة بالطبقة الحاكمة، ولكن هل تضمنت المسودة بعض النقاط الإيجابية التي تدعو الى بعض التفاؤل؟

في مقدمة البيان الوزاري، تعترف الحكومة بأن الناس فقدوا الثقة بالسلطة السياسية، وبالتالي عليها العمل على إعادة تكوين هذه الثقة، واكتسابها من جديد. وبرأيي، إن الثقة تكتسب ولا تخلق من العدم، كما أنها بحاجة الى فترة زمنية طويلة، وأداء جيد من الأطراف كافة؛ وبالتالي فإن اكتساب الثقة مرتبط حتما بالأداء الحكومي المنتظر.

لكن هذه الحكومة انطلقت "عرجاء"، وبالتالي، عليها القيام بمجهود إضافي لإثبات العكس، ما يتطلب خطوات فعلية وملموسة. فهل ستستطيع القيام بها بمعزل عن أي ردة فعل عربية إيجابية، وفي ظل عدم ظهور أي خطوات فعلية على الأرض، تؤكد دعم الأوروبيين، والفرنسيين تحديدا، بعد أن أعطوها فترة سماح؟

المسودة لا تتضمن خطوات عملية، كما لا توضح للناس، مدى صعوبة ​الأزمة المالية​ والنقدية التي نعيشها. وهناك تضارب غريب وعجيب في الأرقام لدى ​الدولة اللبنانية​، وبين الناس أيضا.

وبالاضافة الى ذلك، لم نلحظ في البيان أي مصارحة حقيقية؛ فعندما تعيش البلاد أزمات مستعصية، على المسؤول أن يصارح شعبه، ويشرح له حيثيات الأزمة، ويقدم له أيضا طريقة الخلاص.

لكننا وصلنا الى مرحلة "عدم اليقين"، وهذا يعتبر من أخطر الأمور التي من الممكن أن تصيب الاقتصاديات، لأنها تدفع المستثمر لإيقاف استثماراته، وتدفع المودع الى سحب أمواله، وتدفع الناس للعزول عن الاستهلاك والادخار؛ وهذه المرحلة بالتحديد، بحاجة الى المصارحة.

من جهة أخرى، النقطة الإيجابية الذي أتمنى أن تتمكن الحكومة من تطبيقها، تكمن في الإيرادات، المتعلقة بالتهرب الضريبي والجمركي، من المعابر الشرعية وغير الشرعية، وفي فرض ​الرسوم الجمركية​ لحماية الصناعة الوطنية. وهنا يكمن التحدي الكبير؛ فهل ستستطيع الحكومة - كما الحكومات السابقة التي كانت تتحدث دائما عن هذا الموضوع – أن تحقق هذه الخطوة؟

مع العلم أن فرض الرسوم الجمركية، في ظل استمرار عمليات التهريب، يؤدي حتما الى ضرب الاقتصاد وضرب الصناعة الوطنية؛ حيث يقدر الاقتصاد غير الشرعي أو غير المسجل، بنسبة 40% في لبنان. وبالتالي، اذا رفعت الرسوم الجمركية، ستشمل 60% من الاقتصاد، ما يعني أن هذه النسبة فقط، هي خاضعة للمنافسة الشرعية وغير الشرعية مع الاقتصاد غير الشرعي.

كما أتمنى أيضا، تطبيق الضريبة التصاعدية على الدخل، ووزير المالية غازي وزني، حريص جدا على هذا الأمر، ولقد طرحه في أحاديث سابقة معه. لكنني أشك فعلا بالقدرة على تحقيقه، في ظل غياب المؤسسات والنظام العام في لبنان.

- كيف يمكن اليوم تطبيق خطوة إعادة رسملة ​المصارف​ على الأرض؟

لا شك في أن إعادة رسملة المصارف ودمجها وإعادة هيكلة القطاع، هو أمر مطلوب، وقد تطرقت اليه الحكومة الماضية في 24 تشرين الأول، في الورقة الإصلاحية التي أعدت، وتوافق عليها ​مجلس الوزراء​ قبل استقالته.

لكن السؤال يبقى في إعادة الرسملة التي طلبها الحاكم، والتي تطبق جزء منها؛ كونها على مرحلتين: الأولى في نهاية عام 2019، والثانية في حزيران 2020.

- هل بإمكان الشعب اللبناني تحمل الخطة الإنقاذية الطارئة، التي حكي عنها، والتي ضم خطوات مؤلمة وقاسية؟

هل عرفنا ما هي هذه الإجراءات المؤلمة التي يحكى عنها؟ هل هي سر من الأسرار؟

اذا كان المواطن هو من سيتحملها، فليخبرونا عنها لكي نتعرف الى طبيعتها. فالإصلاح يبدأ من القطاعات، وأولها ​الكهرباء​، مرورا بالقضاء؛ ما لا يمكن تحقيقه، الا من خلال قضاء عادل وفاعل.

وفي البيان الوزاري، تم التطرق أيضا الى الأموال المنهوبة، ولكن متى؟ كيف؟ في أي إطار؟ ضمن أي قانون؟ من سينفذها؟ ما هي الإجراءات؟

لا بد من مصارحة الناس بالحقيقة والواقع الفعلي على الأرض. فكل الدول تمر بأزمات، ولبنان ليس الأول ولا الأخير. كما أن كل الدول التي دخلت في أزمات، تمكنت من الخروج منها، ولكن كيف؟ الإجابة سهلة: وقف المسؤولون، واعترفوا أنهم في أزمة، وطرحوا خطوات واضحة للخروج منها.

وبالتالي، أكانت الخطوات مؤلمة أم غير مؤلمة، علينا التعرف اليها، لكي نجد السبل لتحملها. ففي نهاية المطاف، على الجميع تحمل التداعيات. وعندما تقع الخسارة، ستقع على الجميع، لكن توزيع هذه الخسائر، يتم بطرق مختلفة ونسبية. ومن هنا، يجب أن تقع المسؤولية الأكبر، على الأشخاص الذين حصدوا أرباحا وافرة، خلال الانتظام العام الذي حصل في السنوات الثلاثين الماضية. ويجب تحمل الخسارة بشكل نسبي، تماما، كما كانت الأرباح نسبية؛ لهذا، أشجع إضافة ضريبة على ​الثروات​، ولو لمرة واحدة.

- برأيك، من الأفضل اللجوء للمؤسسات الدولية من أجل الوصول الى حلّ الأزمة، أم علينا حصر الحل بالأطراف الداخلية والمحلية، أي بين الدولة ودائنيها؟ ما هو الخيار الأقل ضررا على المواطنين؟

حتى اليوم، لم نستنتج بعد الحلول الداخلية، ولكن يجب عدم "شيطنة" المؤسسات الدولية، مع العلم أنه لا يمكن التوجه اليها، في ظل عدم الوصول الى توافق داخلي. فهناك أطراف داخلية لا تزال غير راغبة في الذهاب الى المنظمات الدولية، لأنها تعتبر هذه الخطوة بمثابة تدخل في السيادة.

ولكن، عندما نستنتج الحلول الداخلية غير المستعصية من خلال التوافق الداخلي والقرار السياسي، لحل مشكلة الكهرباء ووقف التهرب الجمركي والضريبي عبر المرافئ الشرعية وغير الشرعية، ووقف الهدر و​الفساد​، وتطبيق القوانين التي أقرت، وتحديدا قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الذي أقر في 8 أيلول 2017، سنبدأ حينها بالخروج من الأزمة دون الحاجة الى الخارج، لأن هذا الأخير، سيثق بنا، وبالتالي سيبدأ في الاستثمار معنا.

هناك دول عدة لجأت الى ​صندوق النقد الدولي​، ومنها ​مصر​، المرشحة في 2020 لتكون من أفضل الاقتصاديات في ​الشرق الأوسط​، وذلك بناء على مساعدات الصندوق.

وبالتالي، يجب عدم شيطنة الصندوق، في ظل عدم قدرتنا على تحقيق شيء لأنفسنا، ولكن في الوقت ذاته، يجب عدم الاستعجال في اللجوء اليه، قبل وضع الخطط المناسبة.