ما قيمة الدولة إن كانت لا تبحث في تفاصيل الواقع الإجتماعي لمواطنيها وأسبابها وتعمل على إيجاد حلول لها؟ ما قيمة الدولة إن خاف مواطنوها من بطش وفساد أزلامها؟ ما قيمة الدولة إن لم يكن العدل أساس حكمها؟

في ​لبنان​، نعيش ومنذ عقود في ظل دولة لا تعلم واجباتها أو غائبة عن مهمتها وتعمل بطريقة اعتباطية، وتقول لنا: "دبروا حالكن". أما اليوم وفي عزّ الإنهيار استيقظت هذه الدولة فقط لتبلغنا وعلى لسان فخامة الرئيس بأن إجراءات قاسية وموجعة سيتمّ اتّخاذها في سياق المعالجة. ويضيف الرئيس ​ميشال عون​ "أنّ الأزمة الإقتصادية - المالية تبقى الأخطر، حيث لا الإنتاج ولا المال متوفران، بعد إعتماد لبنان لسنوات خلت على الإقتصاد الريعي"، ولكن أسئلة بسيطة تطرح نفسها هنا: "من المسؤول عن استنزاف المال والإنتاج؟ ما هو ذنب المواطن أنكم اخترتم كـ"دولة" اعتماد الإقتصاد الريعي لسنوات طويلة، مع العلم أنه كان أكثر المتضررين من القضاء على قطاعي الصناعة والزراعة الإنتاجيين؟"

وهل يحسب المسؤولون في هذه الدولة أن الإجراءات القاسية لم تبدأ بعد؟ ألا تصلهم أخبار ارتفاع الأسعار منذ 17 تشرين الثَّاني 2019 حتى اليوم بنسبةٍ أَقلُّها 40%، وأن عدداً كبيراً من اللبنانيين يتقاضون نصف راتب، ذلك إن لم يُصرفوا من عملهم أصلاً؟ ألَم يروا ​صور​ طوابير الذلّ في المصارف؟ عن أي إجراءات موجعة يتحدّثون؟!

اليوم في موقع "الإقتصاد"، نجري مقابلتنا عن الوجع الذي يشعر به المواطن منذ أشهر عند تبضّعه للسلع الأساسية لعائلته نتيجة ارتفاع الأسعار، ودور جمعية حماية ​المستهلك​ في هذا الموضوع مع رئيسها د. زهير برو:

بدايةً د. برّو، هل الإرتفاع الحاصل في أسعار السلع مبرّر فعلاً، نتيجة سعر ​الدولار​، أم ان الإحتكار يلعب دوره في هذه الفترة أيضاً؟

قبل بدء الأزمة الحالية، كانت الأسعار في لبنان أعلى بنسبة 30% من الأسعار في المنطقة، هل كان لذلك مبرّرات؟ طبيعة النظام اللبناني قائمة على الإحتكارات والمنافع، هذا البلد للتجّار، الذين استفادوا على مدى عقود من الزمن، بالإضافة الى المصرفيين طبعاً.

لبنان يستورد 85% من احتياجاته، ما يشير الى أن الجميع يعمل ب​التجار​ة.

من الذي أدّى الى ارتفاع ​سعر الدولار​ مقابل الليرة؟ هم أنفسهم المصرفيين والتجار والصّيارفة.

الفارق في الأسعار قد يصل في بعض الحالات الى 10 آلاف ليرة بين سوبرماركت وأخرى، في هذا النظام الإقتصادي. وهنا، نريد الإشارة الى أهمية تسوّق المستهلك اللبناني بذكاء عبر المقارنة بين الأسعار والنوعيات، ودور ذلك في مواجهة التجار.

هل ترى جدّية في التعاطي مع تقاريركم، من ناحية محاضر الضبط التي تسطّرها الوزارة؟

كان هناك تنسيق مع الوزير السابق منصور بطيش منذ 17 تشرين الثاني، قبل ذلك لم يكن هناك أي تعاطي معه، و​استقالة الحكومة​ أوقفت هذا التعاون.

التقينا معه في العديد من المواقف ان كان لناحية موضوع ​الخبز​، الهندسات المالية، وغيرها،....

نلقى تجاوب دائم من قِبل المستهلكين، في أية حملة نطلقها. في حملة "كبيس اللفت" مثلاً، اضطرت كافّة المحلّات الى إعادة البضاعة للتجار لأن الناس رفضت شراؤها.

ارتفاع الأسعار موضوع اقتصادي مهم جدًّا والعمل عليه اليوم لا يقتصر على وزارة الإقتصاد بل يجب أن يشمل الحكومة مجتمعةً والمجلس النيابي. علينا مراجعة الطريقة المدمّرة التي تم تسيير لبنان بها، والتي أودت بالوضع الى ما هو عليه اليوم.

برأيك، هل الغرامات التي يتمّ فرضها على المخالفين وخاصّة السوبر والهايبرماركت عادلة، أم أنها منخفضة نسبةً للأرباح التي تحقّقها؟

القانون في لبنان لا يطبّق، الفاسدون حاربوا كافة القوانين التي عملنا عليها من قانون حماية المستهلك الى قانون ​سلامة الغذاء​ وقانون منع ​التدخين​. هذا بلد لعصابات ومافيات يقدّمونه قرباناً لله تعالى.

لا أسس قانونية واضحة، ولا قضاء مستقل. هي حالات قليلة التي نرى فيها قرارات قضائية جريئة.

كان الوزير السابق منصور بطيش قد أودع الأمانة العامة لمجلس الوزراء مشروع قانون يرمي الى تنظيم المنافسة بعد تحديثه، هل تتوقّع إقراره قريباً وهل سنشهد نتائج سريعة لتنفيذه؟

سيماطلون في إقراره، بانتظار موافقة التجّار عليه. أغلب المسؤولون في لبنان تجّار، كيف سيتم تمرير القانون؟

ألا تعتقد أن المرحلة تستدعي تشكيل لجنة طوارىء اقتصادية؟

ننتظر هكذا لجنة منذ ثلاثة أشهر. في أي دولة في العالم، إن حصل فيها ما حصل في لبنان كنّا سنرى خليّات عمل تحاول ليلاً نهاراً ايجاد الحلول. أما في لبنان، استقالت الحكومة و​ذهب​ كل وزير الى منزله، طبعاً مع استمراره بتقاضي الراتب الشهري.

وزير الإقتصاد الجديد راوول نعمة، هو مصرفي بالأصل، ما هي توقعاتكم لأدائه في الوزارة؟

لا توقعات لدينا. سنزور الوزير الجديد بالتأكيد وسنطلعه على كافة تطلّعاتنا ورؤيتنا للمواضيع، وسنرى...!

بشكلٍ عام، نحن كجمعية نطالب منذ العام 2008 بفصل حماية المستهلك عن وزارة التجارة، وذلك لتضارب المصالح بين التجّار والمستهلكين. كيف سنحمي التاجر والمستهلك بالوزارة نفسها؟