كل المعطيات المتوافرة لغاية تاريخه، تشيرالى انه لا يمكن ل​لبنان​ الخروج من ​الازمة المالية​ الحالية وابعاد شبح الافلاس دون اللجوء الى المساعدة الخارجية ، سيما وان كل السياسات الداخلية التي اتبعت في المراحل السابقة أغرقته في بحر من ​الديون​، وقضت على جميع ​القطاعات الانتاجية​ . وكانت نتيجتها ابعد من ذلك، تثبيت مركز لبنان على خارطة ​الفقر​ العالمي ، مطلقة العنان للفساد والسرقة .

لبنان بحاجة الى لفتة دولية بكل تأكيد ، دون ان يكون اسير قروض جديدة غير مدعومة؛ فالهيكل الاقتصادي انهار مسددا فاتورة غياب الرؤية من جهة ، والصراعات الاقليمية والدولية من جهة اخرى .

ولكن، اذا كان لبنان ينشد اي مساعدة خارجية ، فهل هناك من مستجيب ؟

الموقف الفرنسي ينبع دائما من التعاطف المحبب الذي تكنّه ​فرنسا​ الأم الحنون للبنان. وقد أكد ​الرئيس الفرنسي​ إيمانويل ماكرون الاسبوع الفائت خلال تواجده في ​القدس​ "أن فرنسا ستفعل كل شيء" لمساعدة لبنان على الخروج من الأزمة العميقة التي تعصف به. "

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية أنييس فون دير مول في بيان، إن "الوضع الصعب الذي يشهده لبنان يتطلب أن تكون أولوية الحكومة الجديدة اتخاذ الاجراءات العاجلة لإعادة الثقة".

وأضافت: "لقد آن الأوان لكل المسؤولين اللبنانيين أن يتحركوا بشكل جماعي بما فيه المصلحة المشتركة لكل اللبنانيين".

وذكرت أنه "كما أكد شركاء لبنان خلال مؤتمر مجموعة الدعم الدولية في ​باريس​ في 11 كانون الاول 2019 ، فإن إصلاحات عميقة وطموحة ستكون ضرورية لا سيما في مجال شفافية الاقتصاد والاستدامة الاقتصادية والمالية و​مكافحة الفساد​ واستقلالية القضاء".

من جهته ، اكد سفير ​بريطانيا​ كريس رامبلينغ: "إن تأليف حكومة جديدة هو خطوة مهمة بالنسبة إلى البنان، وبريطانيا كانت ثابتة في دعوتها إلى تأليف سريع لحكومة فعالة وشفافة تعكس تطلعات الشعب اللبناني".

أضاف: "إن بريطانيا، إلى جانب دول أعضاء في المجموعة الدولية، مستعدة لدعم لبنان، لكننا نتطلع إلى أن تظهر هذه الحكومة التزامها بالاصلاحات التي يحتاجها لبنان بشدة."

اما الموقف الاميركي فقد نقله مُساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شنكر، الذي اشار الى ان ​الولايات المتحدة​ ستتابع عن كثب إن كانت الحكومة الجديدة ملتزمة بمحاربة الفساد وإخراج لبنان من أزمته المالية.

مؤخرا افاد تقرير ل​معهد التمويل الدولي​ أن على الحكومة الجديدة أن تقرر سريعاً في مسألة طلب المساعدة من ​صندوق النقد الدولي​ لتخفيف وطأة أزمتها المالية.

من المعروف أن هكذا خطوة تمنح صندوق النقد حق التدخل في ​السياسة المالية​ والاقتصادية. ومن المرجح أن يتطلب أي برنامج مساعدة يقره الصندوق موافقة لبنان على خطوات وقرارات صعبة مثل زيادة الضرائب ومحاربة الفساد.

بعد ولادة الحكومة الجديدة ، ينصب الاهتما م على مواقف الدول منها من جهة، وعلى ما يمكن ان تقدمه من مساعدات من جهة اخرى .

هل النوايا الدولية جدية في مد يد العون الى لبنان؟ ماذا عن الصمت الخليجي والعربي بعد نثر معلومات عن احتمال عودة بعض الودائع ؟

منذ مدة ، قام رئيس تجمع رجال وسيدات الاعمال اللبنانيين في العالم الدكتور فؤاد ​زمكحل​ بجولات على بعض الدول ، وبينها فرنسا . كما التقى المسؤولين في ​البنك الدولي​ . هل لمس جدية فعلية في التعاطي مع هذه الحكومة وفي تقديم المساعدة اللازمة للنهوض الاقتصادي ؟

زمكحل

يعتبر الدكتور فؤاد زمكحل ان وجود حكومة هو افضل بكثير من عدم وجودها ؛ فالبلد لا يدار بدون سلطة تنفيذية ايا كان رئيسها ، فلبنان بلد ديموقراطي يطبق الدستور.

ويقول " للاقتصاد " : لن نكون متفائلين الى حد كبير . ونحن كتجمع لرجال وسيدات الاعمال اللبنانيين في العالم ناقشنا موضوع الحكومة الحالية من حيث الشكل والمضمون.

في ما خص الشكل ، لسنا مع التركيبة التي تجسدت في توزيع الوزارات ، والتي كانت نتيجة التجاذبات السياسية والتشنّجات التي سبقتها. بدون شك ذكرتنا بالحكومات السابقة ،اي حكومات ​المحاصصة​ . لم نجد اي تغيير اوتقدم عن الحكومات الأخرى رغم الوعي الشعبي الذي تجلى في 17 ​تشرين الاول​ .

لقد رأينا وصول نفس الاشخاص الذين كانوا في الحكومات السابقة.

في ما يتعلق بالمضمون ، هناك اسماء مهمة وهناك اصحاب قدرات ، ولكن رغم ذلك يرافق الحذر تفاؤلنا. ونخشى ان يكون هؤلاء الوزراء ضحية التجاذب . الا ا ن الامر يكون مختلفا في حال عملوا باستقلالية بعيدا عن السياسة.

اليوم ، الحكومة امام امتحان هام. وهناك احتمال في تحويل المعركة الى ​مجلس النواب​، خصوصا وان اعضاءها يمثلون وجوه سياسية سابقة اي ما معناه انتقال الخلاف من الحكومة الى مجلس النواب.

من المهم ان تتمتع هذه الحكومة بصلاحيات تسهّل عملها خصوصا وان ثمة علامات استفهام تتعلق بالآلية التي ستعتمدها لاعادة ضخ ​السيولة​ في البلد.

وبالتأكيد، فان نظرة الدول المانحة والبنك الدولي لا تختلف عن موقفنا . لقد راقبت هذه الجهات الآداء السياسي في لبنان ، على مراحل ، ولمست عدم قدرة السلطات السياسية على تنفيذ الاصلاحات اللازمة التي فرضتها خلال المؤتمرات التي عقدت من اجل مساعدة لبنان وآخرها كان مؤتمر" سيدر" .

بالطبع ، لا يمكن للبنان الخروج لوحده من هذه الازمة الكارثية الاقتصادية ، المالية ، النقدية والاجتماعية.

لقد نظم ​المجتمع الدولي​ 4 مؤتمرات من اجل لبنان.

وكانت الاولية لحل الازمة الاجتماعية والاقتصادية حيث أقرت ​المساعدات​ المشروطة باصلاحات ، على لبنان الالتزام بها وتنفيذها.

اليوم نخشى ان تكون هذه الحكومة غير قادرة على تنفيذ الاصلاحات وان تتحوّل الى مجلس نواب مصغّر . فالحكومة الحالية هي بدون شك امام امتحان وفرصة لاحداث التغيير المطلوب . ومن واجبنا مد يد العون ومنحها الفرصة .

وسيمنح المجتمع الدولي الحكومة الثقة بناء للاصلاحات التي ستقوم بها ، وسيراقب اداءها في الاشهر الاولى القادمة . ليس امامنا الكثير من الوقت . فالوضع الاقتصادي مذري ، مسلسل اقفال المؤسسات والشركات مستمر بشكل دراماتيكي ، كما ان ارتفاع معدل البطال وصل الى الخطوط الحمراء .

المشكلة الاساسية مرتبطة بمسألة الثقة: اولا : استعادة ثقة الشعب بالدولة . ثانيا: استعادة ثقة المغترب بالدولة. فالتحويلات التي كان يرسلها هؤلاء تقدر قيمتها ب6 مليارات دولار سنويا . واليوم ، تلقت الضربة الاقتصادية .

ثالثا: استعادة ثقة المجتمع الدولي بالدولة اللبنانية . لقد خصص لبنان بسلسلة مؤتمرات بدءا من مؤتمرات باريس 1- 2و 3 وقد م القروض للمشاريع. واليوم لبنان يرزح تحت دين يناهز 87 مليار دولار ونسبته 170 % من ​الناتج المحلي​ .

بالتأكيد ، المجتمع الدولي والاغترابي سيمنح هذه الحكومة الفرصة ، ويخضعها للامتحان مراقبا اداءها بحذر .

شروط المساعدة

وعن شروط طلب مساعدة صندوق النقد الدولي وجهوزيته ، يعتبر الدكتور زمكحل انه لا يجب التغاضي عن ان صندوق النقد ليس ​كاريتاس​ ، لا بل يعلن جهوزيته للمساعدة ضمن اطار شروط يفرضها على الدولة . انه الخيار الوحيد والاخير . وهو بالتأكيد سيخضع الانفاق في الدولة للرقابة. وضخ السيولة يكون طبقا لآلية يحددها .

فعلى سبيل المثال، عندما ساعد صندوق النقد ​اليونان​ فرض قيودا قاسية منها الاستغناء عن نسبة 50% من موظفي القطاع العام، الى جانب حسم نسبة 50% من رواتب موظفي القطاع نفسه. وقد استغرق خروج اليونان من ​الازمة الاقتصادية​ فترة 7 سنوات. اما في لبنان ، فهناك عجز في اعادة هيكلية الدولة ، طالما ان الطبقة السياسية المسؤولة عن ادارة البلاد هي نفسها .

كل الحلول موجودة ، ولكن الفريق الذي يدير شؤون الدولة هو نفسه.

​​​​​​​

ويقول الدكتور زمكحل: لا بد من الاستعانة بصندوق النقد ويجب انتظار التضحيات في عدة قطاعات ومنها المصرفية ، وكذلك في الخزينة ، الى جانب المزيد من الضرائب . فصندوق النقد يفرض ولا يفاوض.

اما بالنسبة للصمت العربي تجاه لبنان واحتمال اعادة استقطاب الودائع الخليجية ، فيعتبر انه من المفترض نسيان موضوع دخول اي ودائع جديدة الى لبنان في المرحلة الراهنة ، في ظل التدابير والقيود المصرفية المطبقة .

ويقول : لقد لاحظنا كيف ان جولات رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على بعض ​الدول العربية​ قبل اندلاع الثورة لم تأت بالنتائج المرجوة . واقتصر الامر على قرار دولة الامارات العربية برفع حظر مجيء رعاياها الى لبنان.

يرتبط التراجع العربي بالاهتمام بلبنان بعدة امور منها سياسية ، امنية وحتى اقتصادية سيما وانه مع تراجع اسعار ​النفط​ في ​دول الخليج​ ، شرعت السعودية في تطبيق اعادة هيكلية داخلية ، وخلق قطاع خاص غير مرتبط وغير مدعوم من النفط.

وبرأيي من الصعب انتظار اي مساعدة عربية للبنان ، علما ان بعض الدول العربية هي احدى الدول المانحة في مؤتمر سيدر .

وعن موقف الاغتراب اللبناني وامكانية تقديم مساعدته الى لبنان يلفت زمكحل الى الاسباب الجوهرية وراء ​هجرة​ المغترب وتركه لبنان واهمها غياب فرص العمل، فقدان لقمة العيش، انعدام الثقة بالسلطة السياسية الى جانب مطالب اخرى رفعتها الثورة . وهذا ما دفعه الى التضامن مع كل الثوار واللجوء الى السفارات للتعبير عن موقفه ، آملا ان يأتي التغيير بعد فقدان الثقة بالسلطة السياسية الحاكمة.

اليوم ، بالتأكيد المغترب ليس عنده اي ثقة لتحويل الاموال الى لبنان ، فهو يعتبر نفسه رهينة مشكلة اساسية خصوصا المغترب في ​افريقيا​ الذي كان يعتمد على تشغيل امواله في المصارف اللبنانية ، على ان يحوّل منها الى الخارج ، مكان اقامته لادارة وتمويل اعماله وشراء المواد الاولية .

تمويل لبنان !

وفق معهد التمويل الدولي لبنان بحاجة ل‍تمويل خارجي يقدّر بنحو 24 مليار دولار، أو 42% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، خلال الفترة من عام 2020 إلى 2024 لتفادي المزيد من التراجع في الاحتياطي النقدي الرسمي للبلاد.

وفي فترة لا تتجاوز مطلع آذار المقبل، فان الحاجة ستكون الى مبلغ يقدّر بما بين 5 او 6 مليار دولار، بما يسمح بعودة الامور الى نصابها .

ولكن مقابل اي مساعدة ثمة اجراءات لايمكن التنصّل منها وتدخل في ​صلب​ اي اتفاق يعقد لهذه الغاية ، وقد لفت اليها صندوق النقد في اكثر من مرة وابرزها ، محاربة الفساد ، الإسراع بزيادة الإيرادات عن طريق رفع ضريبة القيمة المضافة، إلغاء الاستثناءات ، و إلغاء دعم الكهرباء، وهو أهم المجالات التي يقول صندوق النقد إنها ستحقق أكبر الوفورات المحتملة.

اخيرا ، لابد من القول ان فرص الانقاذ محددة اليوم في لبنان . و اذا لم تواكبها خطوات لاستعادة الاموال المنهوبة فستكون حتما مهددة ، لأن الصناديق الدولية تعاظمت اعباءها ، وبالتالي ، اي دولة تدخل الى نادي طالبي المساعدة دون خضوعها لمعايير الرضوخ للشروط لن تجد التجاوب المنشود.