لن تكون مهمة الحكومة الجديدة سهلة على وقع التدهور الاقتصادي، وحركة الاحتجاجات الشعبية المستمرة، في وقت تواجه تحدياً آخر في إرضاء ​المجتمع الدولي​ الذي يربط تقديمه دعماً مالياً للبنان بتشكيل حكومة إصلاحية.

وتعد ​الأزمة الاقتصادية​ الراهنة وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية، وعلى وقع الشارع الملتهب، يناقش ​مجلس النواب​ ​موازنة​ العام 2020، فيما الحكومة منكبّة على إعداد بيان وزاري، ستحدد ملامحه طريقة تعاطي الوزراء الجدد، مع الملفات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والنقدية.

وكان لـ "الاقتصاد" مقابلة خاصة مع الخبير الاقتصادي  زياد ناصر الدين للاستيضاح حول الوضع الحالي وتوقعات المرحلة المقبلة:

إعادة هيكلة ​الدين العام​.. هل هي تعني بلغة الأسواق إعلان إفلاس الدولة؟

"هذا ليس مطروحاً اليوم، ولا يمكننا أن نقرر أي شيء قبل رؤية البيان الوزاري للدّولة اللبنانية، المشكلة في هذا الموضوع أن استباقه، يشير إلى المشاركة في واقع سلبي تجاه لبنان.

ولكن يجب التّذكير، أن دين الدولة اليوم يعادل 88 مليار دولار، والدولة دفعت 89.6 مليار دولار كفوائد، وبالتالي يجب على المودعين أن يخففون من الفوائد، حتى لا تنهار مالية الدولة.

ومنذ البداية هذا يسمّى استغلالاً لمال الدّولة، وهي سياسة خاطئة، وهذه السياسة شجعت العرب والأجانب أن يحضروا أموالهم إلى لبنان، وأن توضع في ​المصارف​ بفوائد عالية، وكل دين تدفعه الدّولة وكل فائدة تقوم بسدادها، هي عبارة عن ضريبة على المواطن، لأن الدولة تأتي بالأموال عبر الضرائب المباشرة وغير المباشرة على المواطنين، نتيجة غياب الإنتاج.

لهذا السبب لا المواطن يستطيع تحمل أية ضرائب إضافية، وإيرادات الدّولة ستتراجع. وبالتالي، سيكون على الدّولة مصارحة المودعين، بأنه يجب إعادة هيكلة الدين العام.

وهذا ليس خطأ، لأن لبنان دفع 40 % زيادة فوائد عن المعدّلات الطبيعية التي كان يجب أن يدفعها، وهذا ذكر في تقرير لـ "البنك الدّولي".

ما الخيارات الإيجابية أمام لبنان؟

"إذا قامت الدّولة بالإصلاحات وعالجت العجز، فإنها تنال ثقة أكبر، وبالتالي فإن أي قرار ستتخذه الدّولة في موضوع الفوائد والدّين، فذلك سيكون مفيداً.

المطلوب اليوم انتظار البيان الوزاري وخطة الدّولة في هذا المسار."

هل خيار الإصلاحات والحد من العجز.. ممكن في الواقع اللبناني؟

"بالتّأكيد، وهذا يرتبط بنوعية ​الموازنة​ التي سيتم إصدارها، وهذه الموازنة الجديدة، تحدد وتشير إلى رؤية الحكومة المستقبلية.

وإذا سارت الحكومة في الإتجاهات الإصلاحية، فإنها تكون تساعد نفسها والمواطنين، أما إذا سارت في اتجاهات مختلفة، فإنها تؤذي نفسها والمواطنين، وبالتالي كما سقطت الحكومة السابقة التي كان لها بعداً سياسياً وشعبياً كبيراً، فإن الحكومة الجديد ستسقط."

أنت تشجع الحلول الداخلية؟ أم التوجه سريعاً لطلب مساعدة "​صندوق النقد الدولي​ "؟

"أنا مع البدء بالحلول الدّاخلية، وضد التفاوض مع "صندوق النّقد الدّولي"، وهناك جهات أخرى يمكن الاستدانة منها، وأي استدانة تحصل من الآن وصاعداً، يجب أن يعرف المواطن كل ليرة أين تصرف، وكيف تصرف، وما مردودها على الداخل الإقتصادي والمالي، والدورة المالية في لبنان، وعلى تحسين وضع ​السيولة​ والمودعين، وتحسين الواقع الاجتماعي.

يجب أن نتخلص من القرارات العشوائية!

هذا الواقع لم يعد موجوداً وسياسات نظام العام 1992 يجب أن تتوقف."

الحكومة تنتظر اتخاذ قرارات صعبة؟ ما الأهم والأسرع الواجب اتخاذه برأيك؟

"القرارات الصعبة اتخذت عندما تم جمع ثروات على حساب الشعب اللبناني، والمطلوب اليوم القرارات المفيدة، وهناك فرق بين القرارات المفيدة والقرارات الصّعبة.

القرارات الصعبة اتخذت، عندما لم يتم معالجة ملف الكهرباء، ومعالجة ملف ​النفايات​ ودفعت الدّولة سعراً للطن قدّر بـ 150 دولاراً، مقابل سعر عالمي لا يتخطى الـ 40 دولاراً للطن.

القرارات الصعبة اتخذت، عندما لم تنشأ سكة حديد، ولم نطور المرافق الحيوية، وتم السماح للدّولار بالارتفاع.

أما القرارات المفيدة، فهي أن نقوم بخطوات معاكسة لهذه القرارات، وأن تهتم بالواقع الاجتماعي، وأن تتوقف سياسة الإهتمام بالمودعين الكبار و "​سوليدير​"، حتى وصلنا إلى مرحلة أن 12 % من المودعين يمتلكون 87 % من الودائع الموجودة في لبنان."

هل تتوقع انفراجاً في الأسواق المالية، أو على صعيد الإجراءات المصرفية.. بعدما ولدت الحكومة؟

"كل ذلك يرتبط بحسب الإجراءات التي ستتخذها الحكومة، ولليوم لا يوجد أي قرار اتُخذ وما نسمعه، هو كلام استباقي.

الانفراجة ترتبط مباشرة بالبيان الوزاري، وشكل البيان الوزاري، والتوجهات النقدية والإجتماعية الاقتصادية، وما هي الإصلاحات، وأي ملفات سيتم البدء فيها."

ما هي أهم التحديات الأساسية برأيك أمام الحكومة؟

"بداية الإبتعاد عن سياسة الاستدانة وتسديد الفوائد، وكيفية التعامل مع ملف الكهرباء، وملف ​الجمارك​ والأملاك البحرية وإيرادات الدّولة وملف التسهيلات النقدية.

ومن التحديات أيضاً، طريقة تعامل ​مصرف لبنان​، وتغطية الدّولار، وتأمين أموال المودعين، وسؤال المصارف أين أموال المودعين، وتغيير نوعية الـ Capital Control المعتمدة في الدّاخل اللبناني، وكيف ستزيد المصارف رؤوس أموالها، وكيف ستذجب عملات من الخارج، وكيف سيتم تشجيع الصّناعة الداخلية، كل هذه النقاط وأكثر."

هل هناك ثقة بلبنان اليوم من قبل الدول العربية أو الأجنبية ؟

"الثّقة تأتي بعمل الحكومة، والواقع الحالي اليوم مرتبط بعمل الأشخاص، والأشخاص في الحكومة اليوم على مستوى ​الفساد​ لا غبار عليهم، وبالتالي يجب أن يكون ذلك عاملاً مساعداً لوضع خطة اقتصادية لأول مرة منذ عام 1992 إلى اليوم، لأن كل الحكومات السابقة لم تضع خططاً اقتصادية.

المسؤولية اليوم على الحكومة والوزراء الجدد، وضع خطّة تكسبهم ثقة الناس، من خلال عملهم وليس الثقة السياسية المرتبطة بالواقع السياسي الموجود في لبنان.

كل إنجاز سينال رضا النّاس، وأي إجراء سلبي سيهاجمه المواطن، ولأول مرة اليوم هناك حكومة في لبنان يوجد في مقابلها شارع ملتهب ووضعه الإجتماعي صعب للغاية، وبالتالي كل قرار ستتخذه الحكومة، يجب أن تعرف تأثيراته الإيجابية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والمالي والنقدي، وهذا ما يساعد على إعطاء ثقة داخلية وثقة خارجية."