مع اعلان الحكومة الجديدة، كل ​القطاعات الانتاجية​ والخدماتية تنتفض في لبنان اليوم بدون استثناء، تستصرخ ضمير المسؤولين المتمسكين بمراكزهم رغم فشلهم الذريع في معالجة القضايا الحياتية والمعيشية والامورالاقتصادية والمالية .

بين آخر نفس وآخر فرصة، وآخر صرخة، يترّصد الانهيار الكلي على مسافة قريبة من جميع القطاعات اللبنانية.

جرس المستشفيات

القطاع الصحي منذ اكثر من 3 أشهر قرع جرس الانذار ، بعدما حذرت المستشفيات من بدء فقدان مخزون ​الادوية​ والمستلزمات الطبية ، ونفاذ ​السيولة​ اللازمة التي تؤمن لها ​مشتريات​ها وتسديد رواتب العاملين لديها . وابعد من ذلك ، وتجاه لامبالاة المعنيين، اعلن نقيب الستشفيات في لبنان المهندس سليمان هارون عن الاتجاه الى تسليم مفاتيح القطاع الى الدولة .

لم تعد أزمة القطاع الاستشفائي محصورة بتأخر المؤسسات الضامنة الرسمية سداد مستحقات المستشفيات، المتراكمة منذ سنوات، والبالغة أكثر من 2000 مليار ليرة (نحو 1.3 مليار دولار). فالأزمة تتّسع وتتعمّق أكثر فأكثر، حتى بات تأمين المستشفيات للأدوية والمستلزمات الطبية الاساسية ودفع رواتب موظفيها من المسائل الاكثر تعقيدا وخطورة .

الجدير بالذكر ، ان المستشفيات الخاصة تشكّل أكثر من 80% من القطاع الصحي في لبنان، وهي تواجه ارتفاعاً في أسعار المستلزمات الطبية، لا سيما بعد تخلّف غالبية ​المصارف​ عن الالتزام بتعميم ​مصرف لبنان​، لجهة تأمين 50% من احتياجات القطاع بالعملة الصعبة لل​استيراد​. الأمر الذي دفع بالمستوردين إلى اعتماد أحد خيارين: إما تقليص حجم الاستيراد أو رفع أسعار المستلزمات الطبية على المستشفيات. وهو ما وضع الأخيرة في مواجهة مع أزمة جديدة.

وهنا ، يرى هارون أن لا حل للأزمة المرتبطة بالدولار سوى بحل شامل على مستوى البلد، لا سيما لجهة استحالة رفع أسعار الخدمات الاستشفائية أو حتى البحث بها ، علماً أن الموردين يقدمون فواتيرهم بالعملة الأجنبية، ويُلزمون المستشفيات بسدادها بالعملة الأجنبية. كما أن بعضهم يطلب السداد نقداً بالدولار قبل تسليم البضائع .

وتشمل الأزمة التي تواجه القطاع الاستشفائي أيضاً ارتفاع تكلفة مشتريات المواد الاستهلاكية والغذائية بنحو 30 في المئة. الأمر الذي يزيد الضغوط عليها ويعرّضها إلى تقليص خدماتها أكثر فأكثر..

وهنا يمكن ايجاز مشاكل القطاع الاستشفائي بالتالي :

1- التأخر في تسديد مستحقات المستشفيات حيث تعادل الجداول الخاضعة للتدقيق والموجودة في وزارة المالية والجاهزة لأن تدفع، حوالى خمسمئة مليار ليرة. وفيما تستبعد المستشفيات صرف كامل المستحقات الجاهزة في "المالية"، تأمل بصرف جزء يسير منها لتيسير أمور المُستشفيات.

2- في الجهات الضامنة يتم تسعير المعدات والمستلزمات الطبية على أساس 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد. وهذا يعني عدم قدرة المستشفيات على الإستحصال على هذه المعدات والمستلزمات بالسعر الرسمي، خصوصًا أن وكلاء هذه المستلزمات يصرون على المستشفيات بتسديد ثمنها نقدًا عند التسليم، في وقت أن المستشفيات تنتظر سنوات للحصول على مستحقاتها.

3- عجز المستشفيات عن تأمين المعدات والمستلزمات اللازمة للقيام ببعض العمليات ، على غرار عمليات العظام وتمييل شرايين القلب والجراحة العامة.

ومن المعلوم ، ان هذه المشكلة لا تشمل فقط المستفيدين من تقديمات وزارة الصحة بل هي تشمل المستفيدين من كل الصناديق الضامنة.

صرخة الصناعة

ايضا ، للقطاع الصناعي صرخة مدّوية . اذ منعا لاقفال المؤسسات الصناعية وحماية لليد العاملة اللبنانية، اطلقت ​جمعية الصناعيين اللبنانيين​ صرخة واكبه تحرك صناعي حاشد تحت عنوان: "آخر صرخة آخر فرصة"، بمشاركة حوالى 5000 صناعي وعاملين في القطاع من كل المناطق اللبنانية في مجمع البيال.

وطالب رئيس جمعية الصناعيين الدكتور ​فادي الجميل​ بضرورة تأمين ​الحوالات​ المصرفية لاستيراد المواد الأولية التي تحتاجها الصناعة الوطنية بقيمة 3 مليارات دولار في السنة، مشدداً على ضرورة ضخ 300 مليون دولار فورا لاستيراد مواد أولية صناعية والا ستدخل الصناعة في حال من التدهور الخطر.

ويصف الجميل تعاطي المسؤولين بالاستخفاف والاستهتار بمصير آلاف المصانع ومصير 195 ألف موظف وعامل. انه خراب ​البصرة​ ، سيما بعد العراقيل وقيود المصارف وحرمان اصحاب المصانع من استيراد المواد الأولية التي هي أساس الانتاج وبدونها لا سلع ولا صناعة وطنية.

وفق المعادلة العلمية الاقتصادية ، الصناعة تصدر منتجات الى الخارج بقيمة 2،7 مليار دولار، أي إنها وسيلة فضلى لضخ ​العملات الاجنبية​ الى لبنان . الصناعة الوطنية تمد السوق المحلية بمنتجات تقدر قيمتها بـ 10 مليارات دولار، أي انها تلبي حاجات اللبنانيين بالكثير من السلع خصوصا في ظل عدم القدرة على الاستيراد من الخارج.

اما المطالب الصناعية فيلخصها الجميل بالآتي:

السماح للصناعيين بتحويل أموالهم من المصارف الى الخارج لاستيراد مواد أولية صناعية بـ3 مليارات دولار في السنة، وهي توازي قيمة الصادرات اللبنانية، ما يعني ان القطاع الصناعي قد أمن حاجاته من العملات الاجنبية من الخارج واللازمة لاستيراد المواد الأولية دون المسّ بالاحتياطات اللبنانية، علما ان هذه القيمة كافية لاستمرار حركة الصادرات بنحو 3 مليارات دولار، وكذلك بمد الاسواق اللبنانية بمنتجات تصل قيمتها الى 10 مليارات دولار. و مقابل تحويل 3 مليارات دولار لاستيراد المواد الاولية، سيكون هناك انتاج صناعي بقيمة 13 مليار دولار.

وهنا يطالب حاكم مصرف لبنان: أ- بمعالجة موضوع المواد الأولية لكل الصناعة اسوة بما تم للمواد الأولية لمصانع ​الأدوية​. فإن ​الأمن الغذائي​ والأمن الاستهلاكي لا يقلان شأنا عن الأمن الصحي . وبكل تأكيد فإن المحافظة على عمل المصانع يؤمن الأمن الاجتماعي.

ب- معالجة ازدواجيه سعر صرف الليرة لما له من انعكاسات سلبية على التبادل التجاري وعلى الاستهلاك.

2- تأمين الحماية للقطاع اسوة بما تقدمه بلدان عديدة لصناعييها، وتطبيق مبدأ التعامل بالمثل بما يضمن تكافؤ الفرص.

3- تخفيض الاكلاف الاضافية التي تعاني منها قطاعات صناعية اساسية محددة للسماح لها بالمنافسة ، ومعالجة اكلاف ​الطاقة​ المكثفة وهي تناهز 35 مليون دولار سنوياً ، سيما وانها تعود بالخير على 7 آلاف عائلة فضلا عن دورها في الحركة الاقتصادية.

4- منع التهريب والاغراق فعليا وعمليا لأنه لا يمكن الاستمرار بمنظومة الاستيراد المفرطة التي يتبعها لبنان، لا سيما الاستيراد من دول بمئات ملايين دولار والتصدير اليها ببضعة ملايين.

واذ يذّكر الجميل بأهمية الصناعة في الاقتصاد يلفت الى ان كل وظيفة في القطاع الصناعي تخلق 2.2 وظيفة اضافية في القطاعات الأخرى. ويؤكد انه من مصلحة الجميع الحفاظ على هذا المدماك الاساسي الذي يتطلب اليوم ضخ مبلغ 300 مليون دولار من ​التحويلات​ فوراً.

وفي مطلق الاحوال ، فان اقفال المصانع يعني عدم القدرة على سداد التزاماتها للمصارف وهي مشكلة أخرى.

واقع قطاعات اخرى سياحية وتجارية ليس بالأفضل ، خصوصا بعد اقفال الكثير من المؤسسات ورفع حجم البطالة في لبنان ، وهذا يعني ان الحكومة الجديدة ستكون في مواجهة هذه التحديات المعقدة على وتيرة " اول دخولو شمعة طولو". ورئيسها ابدى استعداده لتحمل المسؤليات .

فهل على قدر العزم ستأتي العزائم.؟

باختصار ، القطاعات الصحية والصناعية تلاقي الحكومة الجديدة ب "وصلنا الى آخر نفس." وبعد الصرخة هل للانقاذ من فرصة ؟