أكد ​رئيس الجمهورية ميشال عون​، أن "لبنان يدفع ثمن تراكم 30 عاماً من سياسات إقتصادية ومالية خاطئة، إعتمدت على الإقتصاد الريعي والإستدانة على حساب الإنتاج، خصوصاً في ميدان الصناعة والزراعة، إضافة إلى فساد وهدر في الإدارة على مدى عقود".

وأضاف الرئيس عون، خلال إستقباله السلك الدبلوماسي ومدراء المنظمات الدولية: "عوامل عدة تضافرت، منها ما هو خارجي ومنها ما هو داخلي، لتنتج أسوأ أزمة إقتصادية ومالية وإجتماعية ضربت لبنان..!!".

وأوضح: "حروب الجوار حاصرت لبنان وأغلقت بوجهه مدّه الحيوي وأسواق التصدير، كما أفرزت أثقل أزمة على إقتصاده المنهك، وأعني أزمة النزوح التي أدخلت إليه ما يقارب نصف عدد سكانه الأصليين. وليكتمل المشهد جاء الحصار المالي، فحدّ من إنسياب الأموال من الخارج، وتسبب بأذى كبير للإقتصاد وللسوق المالية".

كما قال: "منذ بداية هذا العهد، شكل الوضع الإقتصادي الهم الأكبر، فكان إقرار مراسيم إستخراج النفط والغاز البند الأول في الجلسة الحكومية الأولى، وتم وضع خطة إقتصادية وطنية شاملة، وأُقرت مشاريع لتحديث البنى التحتية، تمويلها من الجهات المانحة في مؤتمر "سيدر"، إلا أن الخطط بقيت من دون تنفيذ".

وتابع الرئيس عون: "سعيت بقوة لعودة المالية العامة لكنف الدستور وقانون المحاسبة العمومية، فأُقرّت 3 موازنات بعد 12 عاماً على إنقطاعها، وعلى الصرف العشوائي المخالف للدستور".

وأردف: "بذلتُ جهوداً كبيرة للمعالجات الإقتصادية ولكنها لم تأتِ بكل النتائج المأمولة، لأن الوضع كان سيئاً والعراقيل كثيرة. وقد أدّى الضغط الإقتصادي المتزايد إلى نزول إلناس إلى الشارع بمطالب معيشية محقة، وبمطلب جامع لكل اللبنانيين وهو محاربة الفساد".

وذكر: "شكّلت التظاهرات وخصوصاً في بداياتها، فرصة حقيقية لتحقيق الإصلاح المنشود لأنها هزّت المحميات الطائفية والسياسية وقطعت الخطوط الحمر وباتت المحاسبة ممكنة، وأعطت دفعاً قوياً للقضاء فتحرك في أكثر من إتجاه، وأقرت الحكومة السابقة ورقة إصلاحات كان يستحيل إقرارها في السابق".

وأضاف: "إن محاولات إستغلال بعض الساسة للتحركات الشعبية أدت إلى تشتت بعضها، وأفقدتها وحدتها في المطالبة بالتغيير، كذلك نمط الشائعات المعتمد من بعض الإعلام وبعض المتظاهرين، حرف بعض الحراك عن تحديد الفساد بصورة صحيحة.. ولا زلت أعول على اللبنانيين الطيبين في الشوارع والمنازل لمحاربة الفساد".

وأشار الرئيس عون:  إلى "إنّ الوضع الحالي في لبنان فاقم الأزمة الإقتصادية كما إنعكس سلباً على الأمن، وقد أدى الى إرتفاع معدل الجريمة بجميع أنواعها، بعد أن كنّا حققنا تقدّما لافتاً في خفضه في العامين المنصرمين".

وإعتبر الرئيس عون، أن "المطلوب حكومة لديها برنامج محدد وسريع للتعامل مع الأزمة الإقتصادية والمالية الضاغطة، ومجابهة التحديات الكبيرة التي تواجه لبنان وكل المنطقة. وسنبقى نبذل كل الجهود الممكنة للتوصل إلى الحكومة الموعودة، مقدّمين المصلحة الوطنية العليا على أي إعتبار آخر".

وأوضح :"لا تزال أزمة النزوح تضغط على جميع الصعد، في وقت لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته لا في دعم العودة ولا في دعم لبنان للتخفيف من تأثيرها، فقدم بعض المساعدات للنازحين لم ينل لبنان منها إلا القليل، مع كلام الإطراء للدور الإنساني الذي يقوم به، وكلام سياسي عن ربط العودة بالحل السياسي".

وأضاف: "لقد تفهمنا أسباب النزوح وقدمنا كل ما يمكن من تعاون ومساعدة لسنوات، ولكننا اليوم لا نفهم المواقف الضاغطة لعرقلة العودة ويحق لنا رسم علامات إستفهام كبرى تجاه هذه اللامبالاة الدولية، خصوصاً بعدما حملت هذه الأزمة إلى جميع المنابر الدولية والعربية، شارحاً كل أعبائها وتداعياتها على لبنان".

ولفت إلى أنه "ثمة مؤشرات إيجابية مع بدء لبنان أعمال التنقيب عن ثرواته في مياهه الإقليمية، وهنا نجدد التأكيد على تمسكنا بحقنا بإستثمار كافة حقولنا النفطية، ورفضنا لأي محاولة إسرائيلية للإعتداء عليها، وتشديدنا على ضرورة تثبيت الحدود البرية وترسيم البحرية لما للأمر من فائدة على الاستقرار والهدوء".

وقال الرئيس عون: "إني لواثق أن الذكرى المئوية لـ"دولة لبنان الكبير" تشكل فرصة لإعادة إكتشاف دور لبنان ومكانته وأكثر: فرصة لتجديد الإلتزام من قبل جميع اللبنانيين بتحدي بناء وطن يليق بالإنسان وكرامته، ويرتقي إلى ما منحه الله من عطية لأرضنا كي تكون رسالة تتحقق بالفكر والعمل وإرادة أبناء هذا الوطن".