في خضمّ المشهد المؤلم على المستويَين الوطني والاجتماعي في لبنان، والمخيّب على المستويَين السياسي والحزبي، العاجزة أطرافه المتنازعة عن تأليف حكومة تُلبّي طموحات اللبنانيين وتجعل مصلحة بلدهم فوق كل اعتبار، يبقى المواطن وأسرته الحلقة الأضعف التي تدفع ثمن الغلاء وشحّ المال وخسارة الوظائف.

ولم ينجح أحد من المسؤولين اللبنانيين أو سلطة النقد المتمثلة بالمصرف المركزي، في لجم تدهور سعر العملة الوطنية التي استكملت ما يشبه انهيارها ببلوغ ​الدولار​ 2500 ليرة، مع غياب سيولة العملة الصعبة.

فماذا سيحمل الأسبوع الجديد للبنان على المستوى الاقتصادي والنقدي والمالي؟ وهل سنشهد الدولار بـ 3000 ليرة؟ وغيرها من الأسئلة أجابنا عليها في حديث خاص لـ "الاقتصاد" ​الخبير الاقتصادي​ وليد أبو سليمان:

الكتاب الذي أرسله حاكم ​مصرف لبنان​ إلى وزير المال؟ ما دلالاته وأسبابه؟

"يبدو من فحوى هذا الطلب، أنه يهدف لتأمين غطاء سياسي بحت، وتأمين حماية ل​حاكم مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​، من قبل المؤسسة التشريعية الأم المتمثّلة بالبرلمان اللبناني.

الخطاب الذي حصلنا عليه موجه إلى وزير المالية، وبعض المسؤولين، فيما المؤسسة القادرة على تشريع القوانين هي المجلس النيابي.

نعلم أن الإجراءات المتخذة في ​المصارف​ لا ينص عليها القانون، فالقيود على التحاويل والقيود على السحوبات ​مخالفة​ للقوانين، ويبدو أن سلامة يطلب نوعاً من الغطاء السياسي والغطاء القانوني، علماً أنه يمثل الهيئة الرقابية الناظمة على ​القطاع المصرفي​.

هناك إجتهادات واضحة جداً في مقدّمة الدّستور، وهي أن نظام ​الاقتصاد اللبناني​ هو "نظام ليبرالي حرّ"، وفي قانون النّقد والتسليف يلحظ تأمين حركة التحاويل بطريقة منتظمة، وحماية حركة تحاويل الأموال، وبالتالي هذه الإجراءات التي تجري المحاولة لقوننتها مخالفة وغير قانونية، وحاكم المصرف يطلب الدعم والسقف القانوني لذلك."

الدولار وصل إلى 2500 ليرة غير مبالية بتطمينات حاكم مصرف لبنان، كيف ترى هذا المسار؟

"بين الكلام والواقع، هناك فرق شاسع. اليوم التطبيق والواقع هو أن السعر الرسمي للعملة بات لدى الصرّافين، ولم يعد للسعر الرسمي المتداول لدى المصرف المركزي أي وجود، لأن الحصول على الدولارات من المصارف، بات من سابع المستحيلات، إن كان للتجار أو للمواطنين، وبالتالي السوق الموازي هو الطاغي اليوم."

الصرافون يراهنون على ارتفاع أكبر وأسرع للدولار، ولذلك يحاولون الاحتفاظ بما لديهم من العملة الخضراء لبيعها بسعر أعلى، لماذا لم يتحرك المصرف المركزي حتى الساعة بأي خطوة؟

"للأسف، المواطن ترك لمصيره ليواجه الأزمة منفرداً. المسؤولون لا يواجهون الأزمة، ولا يخاطبون ويصارحون المودع والمواطن، وبالتالي دخلنا إلى الفوضى.

في موضوع الصيرفة والعرض والطلب، كلّما تأخر أخذ الخطوات الملموسة ستواصل العملة الوطنية الفقدان من قيمتها وسعر صرفها، وبالتالي سيزيد الطلب على الدّولار.

وفي شق آخر، فإن المستورد لا يستطيع الحصول على الدّولار من المصارف، وبالتالي يتوجّه نحو الصرافين، وهنا نشهد "زيادة عرض الليرة مقابل الدّولار".

وما هي الخطوات الواجب اتخاذها ؟

"حاكمية مصرف لبنان هي المسؤولة عن النّقد، وسياسياً عبر السنوات، شملت جميع مقدمات والبيانات الوزارية، تشديداً للحفاظ على ثبات سعر الصرف.

إذا أراد مصرف لبنان إعتماد تثبيت سعر صرف الليرة أمام الدّولار، عليه أن يتدخل في سوق القطع ويضخ الأموال، ليبيع الدولارات ويشتري الليرة، ما يساهم في رفع سعر صرف الليرة.

لكن يبدو اليوم أن الأولوية، ليست لتثبيت سعر صرف الليرة والدفاع عن العملة الوطنية، ويبدو أن الأولوية هي للأمن الغذائي والإجتماعي، عبر تغطية ​استيراد​ ​المحروقات​ و​الأدوية​ و​القمح​ والمستلزمات الطبية، ولدفع المستحقات على ​الدولة اللبنانية​ والتي تتمثل في الـ "يوروبوندز"."

ثبات سعر الصرف حاجة وطنية لأن معظم مداخيل اللبنانيين بالليرة، لماذا لا يتم ترك هامش معين بين 1500 و1800 ليرة، يعطي حيّزاً للصرافين وتتحدد من خلالها العرض والطلب في الأسواق؟

"هذا يتطلّب أيضاً، تدخلا من مصرف لبنان، ليقوم بضخ الدّولار في الأسواق وشراء الليرة، ليؤمن هذا الهامش بين 1500 و1800 ليرة للدولار. وهذه الآلية شبيهة بتثبيت سعر الصرف ولكن الهامش أوسع، والمطلوب هو التدخل، وإذا لم يحصل تدخلاً من المصرف المركزي، سيبقى السّوق خاضعاً للعرض والطّلب، واليوم الطلب على الدولار أكثر من العرض، بسبب فقدان الثقة بالعملة الوطنية، وحاجة المستوردين للعملة الخضراء للإستيراد."

إعلان حاكم المصرف رياض سلامة أن ​المصارف اللبنانية​ "غير مجبرة على إعطاء الدولارات للزبائن، وإنما فقط الليرة"، كيف تقرأه وهل يخالف القانون؟

"على هذا الصّعيد، هناك اجتهادات كثيرة، والموضوع أن العقد الذي ينظم العلاقة بين المصرف والمودع، هو المرجع، والمسوّغ القانوني، الذي تحكم فيه المحاكم في هذه القضية.

نحن اليوم، أمام عدم دفع المصارف بالدّولار، ونعود هنا إلى تعاميم المصرف المركزي، والتعميم الصادر في 5 كانون الأول 2019، والذي تضمن إجراءً جديداً، يتمثل في دفع الفوائد نصفها بالليرة اللبنانية، والنّصف الآخر بالدّولار، وهذا كان تمهيداً، حيث أحيطت المصارف علماً بهذه الخطوة عبر تعميم صادر عن الهيئة الرقابية، التي أعطت البنوك المظلة لإعطاء الأموال بالليرة اللبنانية للمودعين."

سلامة يقول أن الدولة اللبنانية لم تُجرِ مفاوضات مع ​صندوق النقد الدولي​ لمعرفة الشروط التي سيضعها.. هل هو تمهيد لهذه الخطوة يعني؟

"لبنان يحتاج اليوم إلى مساعدة، مالية أو تقنية فهو بحاجة ماسّة للمساعدة للخروج من الأزمة. ولكن في ظل وجود فراغ حكومي، لا توجد أي جهة رسمية، تستطيع أن تتفاوض أو تتواصل مع المؤسسات الدّاعمة أو المانحة.

بالطبع هناك شروطاً موجعة ليستطيع لبنان العودة إلى السكة الصحيحة، ومن الوهم أن لبنان سيكون قادراً على الخروج من أزمته دون إجراءات موجعة."

تعقيدات المشهد الإقليمي بعد التطور الخطير بين ​إيران​ و​أميركا​، هل تحمل شظايا جديدة للبنان ؟

"كل تعقيد واضطراب جيوسياسي، يؤثر مباشرة على لبنان.

بلدنا مستورد للنفط، والمنطقة التي تشهد النزاع نفطية، وهذا يؤشر إلى زيادة في أسعار برميل الخام، وهو ما سيحمل تداعيات سلبية على لبنان."