تواصل ​المصارف​ اللبنانية ممارسة الإجراءات التعسفية، التي قرّرت اعتمادها منذ أكثر من شهرين. وعلى الرغم من حالات التوتر الكثيرة التي نراها يومياً في فروع المصارف بكافة المناطق، إلا أن أيًّا من أركان هذه "الدولة" (الحسّاسة تجاه تعرّض الناشطين الى هيبتها) اتّخذ ولو نصف خطوة للحد من ظلم صغار المودعين.

وفي حين شدّد نقيب المحامين في بيروت ملحم خلف على أن "النظام الاقتصادي في لبنان ليبرالي حرّ قائم على حرية التداول وحرية التحاويل وحرية القطع"، مؤكدًا أن "هذه المبادئ مكفولة في مقدمة الدستور وفي القوانين اللبنانية المرعية الإجراء"، لازالت ​جمعية المصارف​ مصرّة على لعب دور المشرّع، عبر تحديد سقف للسحوبات المالية أو الإمتناع عن إجراء ​التحويلات​ الخارجية للعملاء وغيرها الكثير...وكل ذلك طبعاً "بشكل إستنسابي".

إلى متى ستستمر هذه الطوابير أمام ابواب المصارف؟ ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها؟ وهل يمكن لحكومة جديدة، بأية معايير، إنقاذ البلد من المأزق الحالي؟ لمعرفة المزيد حول هذه المواضيع، كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع الخبير الإقتصادي د. سامي نادر:

إلى متى ستبقى الأوضاع في المصارف كما هي اليوم؟

بغياب الحل السياسي مع هذا الضغط الكبير، سيبقى الوضع كما هو في المصارف. أزمة السيولة غير قابلة للحل الا على المستوى السياسي.

مسألة لماذا وصلنا الى هنا؟ ماذا كان دورهم في المرحلة السابقة؟ لماذا قدّموا التمويل لنظام مهترئ؟ هذا موضوع آخر. اليوم علينا إصلاح النظام، وهذه ليست من مسؤولياتهم.

الحل يبدأ بتشكيل حكومة مع خطّة لإنقاذ ​الوضع المالي​ والمصرفي وإلا فإننا متجهون الى الخراب قريباً، لا أعلم ان كنّا سنصمد حتى نهاية شباط.

نحن أمام استحقاقات مهمّة في شهر آذار، من ​فاتورة الكهرباء​ إلى استحقاق اليوروبوند، والأموال لهذه الإستحقاقات غير موجودة.

هل تعتبر أن الإجراءات المالية الأخيرة كان من الضروري اتخاذها في هذه الأزمة؟

في الأزمات هناك تدابير يجب اتخاذها للمحافظة على النظام العام، وتنفيذها يجب أن يستوفي ثلاثة شروط، بدايةً أن يجري بطريقة عادلة، ثانياً، أن يتخذ إطاراً قانونياً وثالثاً وهو الأهم أن يجري بإشراف جهة موثوقة.

تطبيق إجراء الكابيتال كونترول على أصحاب الودائع الصغيرة هو مثال على فشل تنفيذ الشرط الأول، الإجراء بحد ذاته ليس قانونياً (حتى ولو أسميناه إدارة سيولة يبقى كابيتال كونترول) ما يعني فشل تنفيذ الشرط الأول، أما بخصوص الجهة الموثوقة فأنا أشك بأن اللبنانيون يثقون بالسلطات في هذا البلد.

شخصياً لم أكن يوماً من المتحمّسين لـ"​صندوق النقد الدولي​"، ولكن مع هكذا مسؤولين ليس أمامنا سوى "صندوق النقد الدولي" فهو بالتأكيد محلّ ثقة أكثر منهم.

وفي الوقت نفسه، أنا لست مع الإعتداء على المصارف لأنها قد تُتّخذ كحجة للإقفال ونحن بحاجة لها لاستمرار الحركة التجارية عبر إتمام المعاملات التجارية المتعلقة بالإستيراد والتصدير.

ما هو رأيك بحملة "مش دافعين"؟

أدعو للتروّي من هذه الناحية، أنا مع خيار عدم دفع الضرائب للدولة. أما للمصارف، فأنا مع وضد.

إن لم تتقاضى المصارف الأموال، لن تدفعها، وهناك من يحتاج لهذه الأموال.

وفي الوقت نفسه، يجب الضغط على المصارف. كيف؟ قد يكون ذلك عبر إجراءات قانونية نظراً للإنتقائية التي تمّ التعامل بها وفيما جرى على صعيد التحويلات للخارج، الأمر غير المقبول بتاتاً.

د. نادر: لتوزيع الخسائر بعدل وليس بالتساوي

لطالما سمعنا تأكيد ​حاكم مصرف لبنان رياض سلامه​ في بداية الأزمة على استحالة تطبيق الـCapital Control والـHaircut في لبنان، الا أننا نعيش اليوم مع اجراءات الـ Capital Control من دون أن يواجهها المركزي. هل هذا يؤشر الى إمكانية تطبيق الـHaircut على كبار المودعين كجزء من الحل؟

الـHaircut بدأ تنفيذها أصلاً ولكن على الجميع بالتساوي، عندما لا يتمكّن المودع من سحب أمواله من المصرف، هذا Haircut، ولكن غير معترف به.

وشخصياً، أنا مع تطبيق الإجراء على كبار المودعين فقط، طبعاً بالترافق مع إصلاحات تهدف الى سد العجز.

البنوك لا يمكنها الإستمرار بهذه الحالة، نحتاج الى إعادة رسملتها، الأمر الذي يمكن أن يحصل عبر اقتطاع جزء من الودائع التي تتخطى المئة مليون دولار مثلاُ، مقابل أسهم في المصرف لصاحب هذه الوديعة.

هناك العديد من الإستراتيجيات التي تؤمن الخروج من المأزق ولكن علينا اختيار الإستراتيجية الأقل تكلفة. علينا توزيع الخسائر بشكلٍ عادل وليس بالتساوي.

هل ترى أن حكومة محاصصة اعتيادية يمكنها نشل لبنان من الأزمة التي أوقعته فيها هذه المنظومة؟

تشكيل حكومة محاصصة اعتيادية سيقضي على البلد وبوقت أقصر ممّا نتخيّل.