تشير توقعات المؤسسات الاقتصادية الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي إلى أن معدل النمو العالمي انخفض من 3 في المئة العام 2018إلى 2.3 في المائة عام 2019، وسط تقديرات بأن تلك المعدلات ستقل عن ذلك كثيرا في 2020.

لكن تلك الصورة الإجمالية للاقتصاد الكلي على المستوى الكوني، تطرح تساؤلات حول ما هي أكثر القطاعات، التي يتوقع أن تتضرر خلال الفترة المقبلة.

ورغم تباين وجهات نظر الاقتصاديين بهذا الشأن، إلا أن هناك اتفاقا عاما بأن قطاع ​التجارة الدولية​ سيكون الأسوأ أداء خلال العام الحالي ، وربما يمتد الأداء السيء لأعوام مقبلة إذا ما استمرت الحرب التجارية بين واشنطن وبكين أو اتسع نطاقها.

في هذا السياق، تعتقد الدكتورة لورين راسال أستاذة التجارة الدولية في جامعة لندن، أن أكثر القطاعات، التي ستشهد تراجعا خلال العام 2020 سيكون ​قطاع النقل​ البحري.

صحيح ان هذه المعطيات تشمل قطاع ​النقل البحري​ بشكل عام ، ولكن ​مرفأ بيروت​ يحتل مركزا هاما على خريطة هذا النقل . وعدا عن كونه بوابة ​لبنان​ الرئيسية الى الخارج ، فهو مقياس رئيسي لتقييم للحركة التجارية التي تراجعت بشكل دراماتيكي كسائر القطاعات الخدماتية .

كيف بالامكان تقويم وضع حركة مرفأ بيروت للعام 2019 ؟

ما هو مدى تأثر حركة شحن البضائع بالقيود المصرفية المفروضة على سحب الدولار ، سيما وان ​استيراد​ لبنان يتجاوز قيمة ال 20 مليار دولار سنويا؟

وما هي توقعات العام 2020 ؟

زخور

النائب الاول لرئيس الاتحاد العربي لغرف ​الملاحة البحرية​ رئيس الغرفة الدولية للملاحة في بيروت ايلي زخور يقول " للاقتصاد " كنا نتغنى في التصريحات التي ندلي بها قبل اندلاع ​الحراك الشعبي​ في لبنان، أن قطاع النقل البحري اللبناني يغرد خارج السرب ويسير عكس التيار وفي أحسن أحواله، لأنه كان يحقق نشاطا متواصلا ونموا يفوق الـ 7 بالمئة سنويا، بينما كانت كافة القطاعات الاقتصادية والتجارية والعقارية ترفع صوتها معبّرة عن سخطها لتراجع أعمالها وايراداتها ، بسبب تفاقم الازمات السياسية في البلاد والاوضاع المتدهورة في المنطقة.

لكن هذه الاحوال انقلبت رأسا على عقب مع بداية هذا الحراك في 17 تشرين الاول المنصرم، لا سيما مع اضطرار ​المصارف​ الى إغلاق أبوابها لمدة اسبوعين متتاليين، وقطع الطرقات من قبل بعض المتظاهرين. وجاءت الضربة القاضية التي بدأت تشلّ قطاع النقل البحري مع اتخاذ تلك المصارف اجراءات تعسفية وجائرة فور إعادة فتح أبوابها ومعاودة نشاطها. فقد أوقفت ​تحويل الاموال​ الى الخارج وتمويل القطاعات التجارية والصناعية وتسهيل فتح الاعتمادات اللازمة لها. وقد أدت هذه الاجراءات القاسية وغير المسبوقة من قبل المصارف الى التأثير سلبا وبصورة كبيرة على قطاع النقل البحري اللبناني، فنشاط هذا القطاع يعتمد بصورة رئيسية على حركة الاستيراد، لأن لبنان هو بلد استيراد بامتياز، فهو يستورد بحوالي 20 مليار دولار سنويا ولا يصدر بأكثر من 3 مليارات دولار. وهذا الاستيراد بدا يصاب بالشلل شبه التام مع ايقاف المصارف فتح الاعتمادات للمستوردين من تجار وصناعيين، وسوف نشهد اعتبارا من الشهر الاول من العام 2020، تراجعا دراماتيكيا بحركة المرافئ اللبنانية لا سيما مرفأ بيروت، وسينسحب هذا التراجع أيضا على نشاط كافة العاملين والمتعاملين مع المرفأ، خصوصا محطة الحاويات في المرفأ التي تشكل حركتها أكثر من 70 بالمئة من الحركة الاجمالية لمرفأ بيروت، بالاضافة الى متعهدي الشحن والتفريغ والنقل من جهة، والوكلاء البحريين ومخلصي البضائع ووسطاء النقل من جهة أخرى...

ارتفاع نسبة ​البطالة

ويتخوّف زخور من أن تؤدي هذه الاوضاع السيئة جدا التي يمر بها قطاع النقل البحري اللبناني، الى رفع نسبة البطالة حيث ستضطر مؤسسات عدة الى تخفيض عدد العاملين لديها أو المباشرة بحسم نسب مئوية من رواتب موظفيها والآتي أعظم!

منع تحويل أجور الشحن الى الخارج

ويقول : مما زاد الطين بلّة هو قيام المصارف بمنع الوكالات البحرية العاملة في لبنان من تحويل الى الخارج أجور الشحن البحري التي تستوفيها من المستوردين لصالح شركات الملاحة العالمية التي تمثلها في لبنان.

ويضيف : لما كانت الغرفة الدولية للملاحة في بيروت تضم العدد الاكبر من ممثلي الوكالات البحرية وتعنى بقطاع النقل البحري اللبناني، سارعت الى التحرك لمعالجة هذا الموضوع الخطير الذي يهدد هذا القطاع بأوخم العواقب، فوجهت كتبا الى كل من ​جمعية المصارف​ و​حاكم مصرف لبنان رياض سلامه​، أوضحت فيها أن منع تحويل هذه الاجور الى الخارج وفتح الاعتمادات للتجار والمستوردين بدأ يؤثر سلبا وبشكل كبير على عمليات الشحن والاستيراد والتصدير، وسيؤدي حتما الى شلّ حركة الملاحة في المرافئ اللبنانية والعجلة الاقتصادية في البلاد . وبالتالي، الى نقص في المواد الاولية والبضائع . وطالبت بإعطاء التعليمات العاجلة للمصارف من أجل تمكين الوكالات البحرية من تحويل هذه الاجور حفاظا على استقرار قطاع الملاحة في لبنان الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد اللبناني. كما أكدت الغرفة في كتبها بأن إصرار الجمعية على موقفها السلبي سوف يضطرها الى اللجوء الى القضاء تأكيدا لمشروعية وصوابية مطلبها.

من ناحية أخرى، تابعت الغرفة أوضاع مرفأ بيروت خلال هذا الحراك مع كافة المسؤولين المعنيين في المرفأ و​الجمارك​ ومحطتي الحاويات وإرشاد السفن والاجهزة الامنية والعسكرية المتواجدة في المرفأ من جهة، وتزويد أعضائها بآخر التطورات المتعلقة بعمليات تلبيص وتشغيل البواخر وتخليص البضائع من جهة أخرى.

ويقول زخور : استطاعت ادارتا مرفأ بيروت ومحطة الحاويات من الاستمرار في تشغيل المرفأ بالتعاون مع ادارة الجمارك ومحطة إرشاد السفن خلال الحراك الشعبي المتواصل الذي يشهده لبنان منذ 17 تشرين الاول المنصرم، فاستطاعت البواخر التي أمّت المرفأ من الرسو على أرصفة المرفأ ومحطة الحاويات وتفريغ حمولاتها من الحاويات والبضائع والسيارات، كما تمكن التجار والمستوردون من إنجاز المعاملات الجمركية واستلام بضائعهم، وبالتالي تزويد الاسواق بالسلع والمواد على مختلف أنواعها.

تراجع الحركة في 2018 - 2019

أما عن نتائج حركة مرفأ بيروت خلال الاشهر الأحد عشر الاولى من العام 2019، فإنها جاءت أدنى مما كانت عليه في الفترة ذاتها من العام 2018. ويعود هذا التراجع الى الازمات السياسية والاقتصادية التي ما تزال تعاني منها البلاد، بالاضافة الى ما قلناه آنفا الى الاوضاع المتدهورة في المنطقة.

فقد بلغ مجموع البواخر 1625 باخرة مقابل 1728 باخرة، أي بتراجع قدره 103 باخرة ونسبته 6 بالمئة.

كما انخفض الوزن الاجمالي للبضائع المستوردة والمصدرة الى 6.184 ملايين طن مقابل 7.303 ملايين طن، أي بانخفاض قدره 1.119 مليون طن ونسبته 15 بالمئة.

وتراجع أيضا مجموع ​السيارات المستوردة​ والمعاد تصديرها بحرا الى 56.015 سيارة مقابل 62.959 سيارة، أي بتراجع قدره 6.944 سيارة ونسبته 11 بالمئة.

وانخفض مجموع الحاويات الى 1.157 مليون حاوية نمطية مقابل 1.202 مليون حاوية ، أي بانخفاض قدره 45 ألف حاوية نمطية ونسبته 4 بالمئة.

وأظهر مجموع الحاويات التي تداولها مرفأ بيروت ، أن حركة الحاويات المستوردة برسم الاستهلاك المحلي انخفضت الى 327.447 حاوية نمطية مقابل 385.444 حاوية ، أي بتراجع قدره 57.997 حاوية نمطية ونسبته 15 بالمئة.

بينما حققت حركة الحاويات برسم المسافنة ارتفاعا فبلغ مجموعها 461.115 حاوية نمطية مقابل 397.051 حاوية، أي بزيادة قدرها 64.064 حاوية نمطية ونسبتها 16 بالمئة.

وهذا النمو بحركة الحاويات برسم المسافنة عوّض عن قسم كبير من الانخفاض بحركة الحاويات المستوردة برسم الاستهلاك المحلي.

كما أفادت الاحصاءات أن حركة الحاويات المصدرة ملأى ببضائع لبنانية سجلت تراجعا أيضا فبلغ مجموعها 69.611 حاوية نمطية مقابل 76.930 حاوية، أي بانخفاض قدره 7.319 حاوية نمطية ونسبته 10 بالمئة.

انخفاض مجموع ​الواردات​ المرفئية

وقد انعكس تراجع الحركة الاجمالية في مرفأ بيروت خلال الاشهر الاحد عشر الاولى من العام الحالي سلبا على مجموع الواردات المرفئية التي انخفضت الى 184.559 مليون دولار مقابل 214.442 مليون دولار للفترة نفسها من العام الماضي، أي بانخفاض قدره 29.883 مليون دولار ونسبته 14 بالمئة.

توقع التراجع الأسوأ في العام 2020؟

وعن توقعاته للعام المقبل 2020، حذر زخور من أن تشهد حركة قطاع النقل البحري تراجعا أكبر مما كانت عليه في العام 2019، وربما تكون الاسوأ حتى تاريخه باستثناء فترة إقفال المرفأ وشل نشاطه خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت من العام 1975 الى 1990، مضيفا ربما تمكن مرفأ بيروت من أن يعوّض قسما من النقص الذي سيشهده بالحركة المستوردة برسم الاستهلاك المحلي، وذلك عبر تشجيع شركات الملاحة العالمية على زيادة اعتمادها على محطة الحاويات كمركز لحركة المسافنة نحو مرافئ البلدان المجاورة، علما أن هذه الحركة سجلت نموا جيدا في الاشهر الاحد عشر الاولى من العام 2019، فاقت الـ 26 بالمئة عن الفترة عينها من العام 2018.

ودعا زخور أخيرا المسؤولين وزعماء الحراك الشعبي وأصحاب الحل والربط في البلاد الى مضاعفة جهودهم للوصول في أسرع وقت ممكن الى اتفاق لتأليف حكومة تضم شخصيات نزيهة مشهودا لها بكفاءتها ونظافة كفها لإنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي المحدق بها قبل فوات الآوان.

صحيح ان حركة المسافنة انقذت في مرحلة الوضع في مرفأ بيروت ، ولكن بالتأكيد ، لا يمكن الاعتماد عليها فقط لانه بدورها قد تسجل تراجعا.

منذ مدة ، أفادت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني بأن "عوامل تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي والتوترات التجارية والمخاطر الجيوسياسية، تؤدي إلى تراجع نمو الطلب في مجال الشحن العالمي خلال 2020"، مشيرةً إلى ان "النظرة المستقبلية للقطاع ما تزال سلبية"، لافتةً إلى أن "​التجارة العالمية​ الحرة أمر حيوي للشحن، كونه يجري نقل حوالي 80 بالمئة من البضائع بواسطة صناعة النقل البحري الدولية".

ولفتت إلى أنه "يتمثل الخطر الرئيس للقطاع، في أن التدابير الحمائية قد تتحول إلى حرب تجارية طويلة الأمد، وتضر بآفاق التجارة العالمية و​نمو الناتج المحلي الإجمالي​"، موضحةً أن "قطاع الشحن العالمي، قد يصعد جزئيا في حال تراجعت وتيرة التوترات التجارية بين ​الولايات المتحدة و​الصين​ ​" .

وليكون مرفأ بيروت على مستوى اي تطور يبّشر بعودة النمو الى قطاع النقل البحري ،لا بد من منحه سلة اجراءات تحفيزية تساعد في الاعتماد عليه كوجهة تجارية مفيدة للاستيراد، والتصدير واعادة التصدير ، فيستعيد بالتالي دوره كبوابة للشرق وللغرب .