لا تقل أبدا: "فات الوقت"، أو "لم أعد أستطيع تحقيق أحلامي وتنفيذ طموحاتي". فالنجاح لا يحتاج للتردد، بل الى المخاطرة والإقدام.

ورغم أن البعض يصل الى عمر معين، ويعتبره بداية لانحسار مرحلة التعلّم والإنجاز، هناك في المقابل، من يعرف كيف ينطلق مجددا من الصفر، وكيف يبدأ حياته من جديد، ويتطور ويحقق النجاحات، متسلحا بالشغف والإصرار والمهارة!

والشيف مايا معلوف كنعان، هي خير مثال على ذلك، حيث أثبتت أن تحقيق النجاح لا يرتبط بسن معين، والإنسان قادر على الوصول الى أحلامه كافة، في أي وقت كان، وفي أي مرحلة عمرية... سواء بعمر المراهقة، أو الشباب، أو النضج، أو حتى خلال مرحلة منتصف العمر، والشيخوخة. فكل ما يحتاجه هو اتخاذ المواقف والقرارات الصحيحة.

كان لـ"الاقتصاد" لقاء خاص مع مؤسسة متجر "M De Noir" للشوكولا، مايا معلوف كنعان، عقب فوزها للمرة الثانية، بجائزة خلال معرض "Salon du Chocolat" في ​باريس​، بعد أن كانت عام 2014، أول صانع للشوكولا من ​الشرق الأوسط​، يحصد جائزة "Espoir Etranger"، من "Club des Croqueurs du Chocolat’s".

كيف قررت تأسيس "M De Noir"؟

أنا قادمة من خلفية أكاديمية مختلفة بالكامل، اذ حصلت على ماجستير في التسويق، من جامعة "Golden Gate"، في ​الولايات المتحدة​، كما حاضرت في "الجامعة ال​لبنان​ية الأميركية"، "LAU"، لمدة 12 عاما.

لكنني أحب المطبخ و​الحلويات​، منذ الطفولة، ولسوء الحظ، لم أتمكن من العمل في هذا المجال، منذ بداية مسيرتي.

وذات يوم، فكرت أنه لم يفت الأوان، لكي أقوم بما أحبه، ومن هنا، تركت كل شيء، وتوجهت الى ​فرنسا​ حيث خضعت لتدريبات عدة. وعام 2010، أسست متجر "M De Noir"، الموجود اليوم في منطقة قرنة شهوان.

معنويا، ماذا يعني لك اختيارك مؤخرا، بين أفضل 25 صانع للشوكولا في العالم، خلال معرض "Salon du Chocolat" في باريس، خاصة أنها الجائزة الثانية التي تفوزين بها خلال هذا الحدث العالمي؟

عام 2014، حصلت على جائزة "L’espoir Etranger"، من "Salon du Chocolat"، الأمر الذي شكّل سابقة في الشرق الأوسط، حيث لم يسبق لأحد أن فاز بهذه الجائزة في المنطقة؛ وخاصة النساء!

ف​الشوكولا​ هو بالعادة عالم الرجل، لأن أشهر الصناع هم من الرجال، وانطلاقا من هذا الواقع، كان فوزي بمثابة صدمة جميلة وإيجابية بالنسبة لي، خاصة أنني كنت قد افتتحت متجري منذ فترة قصيرة.

أما هذه المرة، فقد تفاجأت أيضا عندما علمت بفوزي، لأنني لم أكن أتوقع ذلك على الإطلاق؛ فأنا لا أثابر في عملي، من أجل نيل التقدير والاهتمام، بالدرجة الأولى، كما لا أضع هذه الأهداف ضمن خططي، بل أعمل دائما بشغف وحب، وأقدم كامل طاقاتي، وأعطي من قلبي!

وبالاضافة الى ذلك، أستخدم أفضل المكونات، ولا أعمد أبدا الى التخفيض من نوعية منتجاتي.

وبالتالي، أشكر الله في كل لحظة، لأن ما أقدمه ينال إعجاب الجمهور؛ وهنا تكمن النقطة الأهم بالنسبة لي. فمن خلال "M De Noir"، أصبحت قادرة على نقل صورة جميلة عن بلدي لبنان، حيث لا أمثل نفسي في الأحداث العالمية، بل أقدم مثالا عن وطني. ومن هنا، أنا فخورة جدا، لأنني رفعت اسم لبنان في الخارج.

ما هي المميزات التي تتيح لـ"M De Noir" المنافسة محليا وعالميا؟

أولا، المواد والمكونات المستخدمة، هي ذات جودة عالية جدا؛ وهذه النقطة أساسية للغاية، من أجل التقدم والتوسع في العمل.

ثانيا، الإبداع؛ فأنا أحب دائما ابتكار الأفكار الجديدة، ولا أتوقف أبدا عند النكهات المعتادة لدى الناس، ولهذا السبب، اخترعت نكهات لم يكن أحد يتوقع تذوقها في الشوكولا، مثل المنقوشة، الفستق الحلبي مع الملح، ​الأرز​ – وهو الشوكولا الوحيد في العالم بنكهة الأرز، ونحن نحضره حصريا للقصر الجمهوري، ولا نبيعه في المتجر.

فأنا أستوحي دائما من طريقة تناولنا للطعام في لبنان، لأنني أسعى من خلال منتجاتي، الى نشر الثقافة والتراث اللبناني، لكي يتعرف الأجانب الى وطننا، عبر نكهات الشوكولا المختلفة.

على الصعيد الشخصي، ما هي الصفات التي تتيح لك التقدم في مسيرتك؟

أولا، خلفيتي الأكاديمية والمهنية في مجال التسويق والإعلان، ساعدتني على التقدم في مسيرتي.

ثانيا، شغفي في صناعة الشوكولا؛ فأنا لم أبدأ هذه المسيرة عن عمر صغير، ولم يكن الهدف منها، تحقيق الربح المادي، لأن كل ما أقوم به، مرتبط بالشغف، بالدرجة الأولى.

ولهذا السبب، لطالما نصحت أولادي، وطلابي أيضا، بالحفاظ على عامل الشغف، في كل ما يقومون به، من أصغر الأمور حتى أكبرها، لأن النجاح غير قابل للتحقيق بدونه!

ثالثا، الإبداع في الأفكار، والالتزام بتقديم أفضل المنتجات، بأحسن نوعية ممكنة.

كيف تنجحين في التنسيق بين العمل والحياة الخاصة؟

أحاول قدر الإمكان، تحقيق التوازن في حياتي، رغم انشغالاتي الكثيرة. فالمرأة اللبنانية ذكية، وقادرة تماما على التنسيق بين حياتها وعملها، رغم أنها تقوم بذلك، على حساب راحتها وصحتها.

ومن هنا، أشعر أحيانا، أن بعض الرجال غير قادرين على القيام بمهمات المرأة المتنوعة، بل يركزون على أمر واحد فحسب.

ولا بد من الاشارة، الى أنني موجودة طوال الوقت مع أولادي، وأحاول دائما عدم التقصير تجاههم، وفي الوقت ذاته، أسعى لتثبيت وترسيخ متجر "M De Noir"، لكي يتمتع بحياة طويلة الأجل؛ فأنا أم لابنتين، وأتمنى أن تستلما هذا المشروع من بعدي، لكنني لا أجبر أحدا على أي شيء... ولا أحد يعلم ما يخبئه له المستقبل، اذ انطلاقا من تجربتي الخاصة، فقد تخصصت وعملت لمدة طويلة في مجال معين، قبل أن أقرر ملاحقة شغفي، في وقت لاحق.

ما هي مشاريعك؟

نعمل في الوقت الحاضر، على التوسع نحو الولايات المتحدة و​كندا​، ونتمنى تحقيق هذه الخطوة في أقرب وقت ممكن.

هل تأثرت حركة المبيعات الى حد كبير، بسبب الأحداث الأخيرة الحاصلة على الساحة المحلية؟

لقد تأثرنا بشكل هائل، والأحداث الأخيرة شكلت ضربة موجعة جدا بالنسبة لنا، ومن هنا، لا أعلم ما اذا كان بإمكاني مواصلة عملي في السنة المقبلة. فعيد الميلاد هو بالعادة الموسم المنتظر، الذي من شأنه أن يغطي حوالي أربعة أشهر من نفقاتنا في السنة الجديدة، لكن التراجع وصل للأسف الى حدود الـ98%؛ فنحن نتكل بالدرجة الأولى، على هدايا الشركات (corporate gifts)، التي نلاحظ أنها غائبة بالكامل هذا العام.

وانطلاقا من هذا الواقع، يبقى مصير ​الشركات الصغيرة​، مثل "M De Noir"، مجهول. ولكنني لن أهاجر أبدا بسبب العمل، فأولويتي هي لعائلتي، واذا وجدت نفسي غير قادرة على تأمين حياة كريمة لها في لبنان، فسوف أغادر، وسأطلق مشروعي الخاص في أي بلد أتوجه اليه، ومن المؤكد أنه سيلاقي النجاح المرجو، لأن الجمهور العربي والأجنبي يحب منتجاتي كثيرا.

ولا بد من القول، أنه منذ انطلاقة "M De Noir"، عانيت من صعوبات عدة، وذلك لأن مشروعي ليس صناعيا، وذات رأسمال ضخم، كما لم أتلق المساعدة من أي جهة، وحتى أن ​الدولة اللبنانية​ لم تمد لي يوما يد العون؛ مع العلم أنني أول من يحصل على هذه الجائزة من "Salon du Chocolat"، في الشرق الأوسط.

نصيحة أخيرة الى المرأة.

أنصح الجميع، من رجال ونساء، شبان وشابات، أن لا يفقدوا الأمل، لأن الأوان لا يفوت أبدا!

حتى لو تخطى الانسان عمر الستين، فليستمر بالسعي الى تحقيق أحلامه، أهدافه، وطموحاته... وليحافظ على الشغف في حياته، وخاصة في مسيرته العملية، وذلك لكي يستيقظ كل صباح، بنشاط وفرح وارتياح.

ولكن هناك، للأسف، اعتقاد سائد، في المجتمع اللبناني، بأنه لا يجوز على الانسان تغيير اختصاصه بعد فترة، بسبب الأحكام المسبقة، التي تعتبر هذه الخطوة بمثابة فشل... فاذا أراد الشخص التخصص في الهندسة، على سبيل المثال، وبعد سنتين، لم يجد نفسه في هذا المجال، سيكمل به، خوفا من ردة فعل مجتمعه ومحيطه، في حين أن الواقع مختلف تماما عن ذلك.

فحتى لو انخرط الانسان في أي مجال كان، لعشر سنوات أو أكثر، واكتشف بعدها شغفه في مجال آخر، عليه أن يترك كل شيء، ويتوجه نحو شغفه؛ فالسنوات القادمة أهم بكثير من تلك التي انقضت!

لا يفوت الأوان أبدا، على القيام بما نحب... فالشغف هو العامل الذي يحدث الفرق في مسيرة أي إنسان ناجح.