لم يكن عام 2019 العام المميز على ​القطاع المصرفي​ اللبناني، بحيث كبر حجم التحديات وتراكمت المخاطر، وزاد الطين بلة القيود التي شرعت بتطبيقها ​المصارف​ بعد ثورة 17 ​تشرين الاول​ عقب الكشف عن اغرب عملية سحب لاموال البعض من كبار المودعين الى الخارج من سياسيين وغيرهم وحتى من بعض المصرفيين.

ولا شك ان الطبقة السياسية نجحت في انشاء هوة بين المصارف والمودعين مع فقدان الثقة لدرجة اصبح البعض يتغنى بمقولة بوب هوب الشهيرة :" المصرف هو المكان الذي يقرضك المال اذا اثبت انك لست بحاجة اليه."

واليوم هناك رزمة تساؤلات اهمها : هل القطاع المصرفي قادر على امتصاص الأزمات؟

وبما أن تصنيف لبنان انخفض إلى درجة قريبة من درجة التخلّف عن السداد، فقد بات محتّماً على المصارف المراسلة وتبعاً لتطبيق المعيار المحاسبي IFRS9 أن تخفض سقف التسهيلات للمصرف اللبناني وأن تفرض عليه ضمانات مالية أكبر تجاه ​الاعتمادات​ المفتوحة لديه . كيف ستواجه ​المصارف اللبنانية​ هذه الاجراءات؟

هل العام 2020 سيشهد عمليات دمج مصرفية لاستيعاب الخضات في السوق ؟

وهل ستبقى المصارف قادرة على مد الدولة بالدين ؟

غبريل

كبير الإقتصاديين ورئيس مركز الأبحاث في "​بنك بيبلوس​"، د. ​نسيب غبريل يعتبر ان هناك مبالغة في التهويل القائم وفي بث ​الشائعات​ التي تطال القطاع المصرفي . ويقول " للاقتصاد" لا يمكننا اجراء المقارنة مع ما يحصل في ​الصومال​ .

والسؤال المطروح اليوم الى متى ستبقى الدولة تعتمد على ​مصرف لبنان​ و​المصارف التجارية​ لتغطية نفقاتها الجارية ، و لشراء ​سندات الخزينة​ بالليرة اللبنانية ، علما ان هذا يقع ضمن مسؤولية السلطة التنفيذية .

اذا السؤال لم يعد مرتبطا بقدرة المصارف بقدر ما هو مرتبط بقدرة الدولة على تخفيض حاجتها الى الاستدانة لتغطية نفقاتها من خلال سلسلة اجراءات واصلاحات ، وتخفيض العجز ، اعادة العمل بعجلة الاقتصاد ، بتخفيض نسبة الدين الى ​الناتج المحلي​ وتوسيع حجم الاقتصاد. نحن بحاجة الى اجراءات تؤدي الى تخفيض النفقات وليس زيادة الرسوم والضرائب التي افضت الى ​الانكماش الاقتصادي​ ، علما ان هناك ايرادات سائبة ، و حدود مفتوحة للتهريب الجمركي .

من المفترض التركيز على تخفيض كلفة خدمة ​الدين العام​. ويلفت الى ان ما يدفع من دعم على ​الكهرباء​ يشكل ما بين 8و 9% من مجموع النفقات الجارية . والمطلوب حصر كتلة النفقات على الاجور في القطاع العام وعلى المخصصات و​معاشات التقاعد​ التي تشكل 42% من النفقات العامة و57% من ايرادات الدولة . لا يجب اهمال هذه النسبة علما ان خدمة الدين العام تشكل 31% من النفقات العامة.

والى ذلك ، من الضروري تجنب اي زيادة ضريبية ، معالجة مشكلة مخالفات الاملاك البحرية والنهرية والكسارات، تخفيف عدد الوزراء ، والاكتفاء بعدد قليل يشكل فريق عمل متجانس ومنتج ، وليس 30 وزيرا كما في الحكومات السابقة لارضاء مسألة توزيع الحصص.

ويتمنى غبريل على الجميع عدم اللجوء الى الشائعات والتهويل ، لأن موضوع الانقاذ يتطلب اعطاء الاولوية لتعزيز الثقة . فهناك 49 مصرفا ولكل واحد وضعه الخاص لناحية ​السيولة​.

وعما اذا كانت سنة 2020 ستكون سنة الدمج بين المصارف يقول غبريل انه لاشك ان الازمة الحالية التي نعيش فيها ستسفر عن عمليات دمج وتملّك بين اكثر من قطاع ،وليس فقط في القطاع المصرفي .

في العام 2002، طلب مصرف لبنان من المصارف الدمج ، ولكن الضغوطات في السوق لم تسمح بذلك. والفرق بين قطاع المصارف والتأمين من جهة وغيرهما من جهة اخرى انهما يخضعا لسلطة اشراف وهيئات رقابية .

ونذكر انه في التسعينات، حصلت عملية دمج بطريقة هادئة ولم يخسر اي من المودعين اي شيء من امواله. وقد مارس مصرف لبنان دوره بكل شفافية .

وعن قدرة المصارف على تطبيق التعميم 532 الذي أصدره ​حاكم مصرف لبنان رياض سلامة​ فارضاً على المصارف ضخّ مقدمات نقدية بالدولار في رساميلها بنسبة 20% من قيمة رساميلها، منها 10% قبل نهاية السنة الجارية، و10% قبل نهاية حزيران 2020 ، يقول هناك البعض منها قد التزم بالتعميم وبالتواريخ وانجز ما هو مطلوب منه .

وفي المقابل، هناك مصارف لا تحبّذ رفع رساميلها ومن الممكن ان يؤدي ضغط السوق الى الدمج .

ويرى غبريل ان مصرف لبنان يقوم باكثر مما هو مطلوب منه ، انطلاقا من دعم للقروض السكنية، تمويل الدولة في النفقات الجارية ، دعم اقتصاد المعرفة الى جانب تقديم سلات تحفيزية للاقتصاد . وهو في ذلك يتبنى مسؤوليات ليست مطلوبة منه بل هي للسلطة السياسية.

ويعتبر اننا بامس الحاجة اليوم الى صدمة ايجابية لكي تتم استعادة الثقة لدى المقيم والمغترب فتعود السيولة بانتظام الى ​الاسواق المالية​ والتجارية . فاليوم، كل التحاويل الخارجية تتم من خارج القطاع المصرفي بينما مع عودة الثقة سيطمأن المودع في لبنان وفي الخارج والمغترب وكذلك المؤسسات الدولية ستطلق بدورها تصنيفات مطمئنة .

تسهيلات لجنة المال

بالامس ، أعلن رئيس لجنة المال و​الموازنة​ النيابية النائب إبراهيم كنعان، بعد جلسة للّجنة، "انه جرى اقرار رفع الضمان على الودائع من 5 مليون إلى 75 مليون ليرة ما يؤثّر إيجابًا على صغار المودعين ويحميهم" .

وكشف كنعان أن "حالة القلق أدت إلى سحب 6 مليارات دولار من المصارف"، معلنًا " تأليف لجنة للتواصل مع مصرف لبنان وهيئة التحقيق لمتابعة مسألة ​التحويلات​ إلى الخارج".

ولفت إلى أن "لجنة المال أوصت بضرورة تسهيل التحويلات المصرفية إلى الخارج للطلاب الذين يدرسون في الخارج لتسديد أقساطهم ومستلزماتهم"، مشيرًا إلى " أننا عرضنا لمسألة السحوبات المصرفية ولم نقتنع بأجوبة القطاع المصرفي وسنتابع المسألة بما يحترم حقوق الناس في الحصول على رواتبهم." .

السلطة السياسية التي هدمت جسر الثقة بين المصارف والمودعين تحاول الترميم ولكن المسألة معقدة وبحاجة الى اكثر من تدبير جدي . فهل ياتي الانفراج في 2020 ام الامور ذاهبة الى الانفجار؟