قطاع الزراعة كما كل القطاعات الأخرى في هذا البلد الذي يعيش في محيط ملتهب بزمن الإنهيارات الإقتصادية والمالية، عانى خلال العام 2019 من الكثير، ولعلّ أبرز ما عانى منه هو مشكلة التواصل السياسي مع ​سوريا​ لحل مشكلة الضريبة على التصدير البري عبر أراضي البلد الشقيق.

ويشير رئيس تجمع مزارعي البقاع إبراهيم ترشيشي الى ان "وضع القطاع الزراعي قبل ثورة 17 تشرين الثاني يختلف عن الوضع الحالي، اي ما بعد الثورة. قبل 17 تشرين، كانت مشاكلنا تقليدية منها ما هو شبه دائم ومنها ما يمكن حلّه ، أي كان "الحال ماشي". أكبر مشكلة عانينا منها هذا العام كانت مشكلة الضريبة السورية على الصادرات اللبنانية عبر أراضيها وهي 1500 دولار، ما أدى الى أزمة كبيرة في تصدير بعض الأصناف أهمها الحمضيات. تراجع تصدير الحمضيات بدأ منذ العام 2014 وهو مستمر في التراجع لغاية اليوم".

وأضاف ترشيشي، في مقابلةٍ مع موقعنا: "أما بعد 17 تشرين، فالمشاكل باتت معقّدة أكثر، مع الإجراءات التي اتخذتها ​المصارف​، خاصّةً على صعيد الشيكات. المزارع اللبناني يعتمد كثيراً في تعاملاته على الشيكات"، مشيراً إلى ان "​المزارعين مثلاً لم يفتحوا​ بعد ​الاعتمادات​ المصرفية من اجل ​استيراد​ بذور ​البطاطا​ وما يلزم هذه ​الزراعة​ من اسمدة وادوية ، لإنتاج نحو 400 الف طن من البطاطا، يصدّر منها نحو 150 الف طن وتخلق حركة مالية بقيمة 150 مليون دولار، وذلك لأن المصارف تحتجز الأموال وتمنع تحويلها، مع العلم ان مثل هذه العملية واضحة وشفافة 100% ولا يمكن تهريب دولار واحد منها من اجل تحويله الى حسابات خارجية. وما قد يحصل في إنتاج البطاطا قد يتكرر مع منتجات اخرى، وبالتالي فاننا نخشى من تحوّل الاراضي الزراعية الخصبة الى بور".

وقال: " كيف سيحقّقون الإكتفاء الذاتي الذي يتحدّثون عنه إذا لم يسمحوا لنا باستيراد المواد التي نعتمد عليها في إنتاجنا؟ تحويلاتنا ضرورية."

وعمّا إذا تواصل المزارعون مع المسؤولين بخصوص هذا الموضوع، أكد ترشيشي أنه "تقدّمنا بكتاب لحاكم ​مصرف لبنان​، ​جمعية المصارف​، رئاسة الوزراء و​وزير الزراعة​، إلا أننا لم نلقَ أي تجاوب الا من الوزير حسن اللقيس الذي حاول أن يطلب لنا موعداً مع حاكم المركزي رياض سلامة، ولكن ذلك لم يحصل حتّى اليوم".

وأضاف: "مشكلة أخرى عانينا منها أيضاً هي قطع الطرقات. عندما تُقطع الطريق على المنتجات التي حصدها المزارع فإنها ستبقى لديه لليوم التالي وبذلك تفقد نضارتها ويرتفع سعرها في السوق لأنها لم تكن متوفرة، بالإضافة الى الكساد الذي سيحصل عند حصاد محصول اليوم التالي. كما أن هذا الموضوع يعرقل وصول العمال الى الحقل أو شراء ​المحروقات​. بالإضافة الى كل هذه الأمور، المزارع بحاجة الى الأمن والإستقرار ليتمكّن من الزراعة للموسم، لا يمكنه أن يبقى خائفاً من المشاكل التي قد تعترضه خلال الدورة الزراعية".

وتابع: "للمزارع مستحقات مالية كبيرة لدى الدولة، الأمر الذي يفقده القدرة المادية على التحضير للموسم الزراعي التالي. مثلاً، ​القمح​ الذي تم تسليمه لمصلحة الأبحاث الزراعية، المزارعون لم يتقاضوا ثمنه حتى اليوم. كما كان من المفترض أن تسدّد الدولة التعويضات عن القمح (مواسم ماضية)، لكن بعد 17 تشرين الأول تم تأجيل الموضوع. بالإضافة الى مستحقات المزارعين لدى مؤسسة "​إيدال​" منذ العام 2017".

وأوضح ترشيشي أن " المزارعون مع وضع عقبات وشروط صعبة أمام الإستيراد إن كان بكميات كبيرة أو صغيرة، ولكن ليس أمام استيراد المواد الأولية الضرورية، يمكن وضع العراقيل أمام استيراد التفاح أو الألبان والاجبان أو الملابس".

وعن ضرورة التفاهم مع سوريا حول تصريف انتاجنا، رأى ترشيشي أن "إيجاد السبل لزيادة صادراتنا من أولى الأولويات في القطاع الزراعي، وإيجاد حل لمشكلة الضريبة على التصدير البري عن طريق سوريا يجب أن أن يحصل، عبر زيارة وفد رسمي الى دمشق (وعلى رأس السطح) والبت بهذا الموضوع. الأمر بات لا يُحتمل، كانت صادراتنا تتجاوز الـ550 ألف طن واليوم تتراوح بين 200 و 250 الف طن".

وختم ترشيشي: "أما المشكلة الدائمة والتي سنبقى نطالب بها الى أبد الآبدين: منع التهريب. أربعة أطراف يجب أن تتم محاسبتهم في هذا الموضوع: صاحب الإنتاج المهرّب، الشاحنة التي تنقل هذا الإنتاج، التاجر الذي يستلم هذه البضاعة ومشتري هذه البضائع المهرّبة"، مشيراً إلى اهمية ان يتم التعامل مع هذا الموضوع بجدية أكبر، قائلاً: "لا يمكن فرض غرامة بمليون ليرة على شخص قد حقّق أرباحاً بثلاثة أو أربعة ملايين، هذا لن يحل الموضوع".

وأكد أن "الخسارة المستمرة والإهمال للمزارع سيدفع به الى الإنتقال للعيش في أحزمة البؤس في المدينة، وهذا أمر له تداعيات خطيرة على عدّة أصعدة".