ساعات قليلة تفصلنا عن حلول ​عيد الميلاد​، وبعد أيام معدودة، سنودع عام 2019، بتجاربه الفاشلة ووعوده الفارغة، لنعوّل على العام الجديد 2020، وما يمكن أن يحمله من حلول ومخارج. وبهذه المناسبة، لا بد من توجيه أكبر التحيات الى الشعب ال​لبنان​ي الصامد، ورفع القبعة، أمام إصراره اللامتناهي، روحه الجميلة، حبّه للفرح، وإرادته الصلبة في الحياة!

هذا الشعب الأكثر من رائع، مصر دائما على الفرح، متمسك بالأمل، وحريص على التحلي بالروح الإيجابية، مهما اشتدت الصعاب، وكثرت الضغوط. فهو لن يسمح لأحد بأن يسرق منه فرح الأعياد، ولو بالحدّ الأدنى منه...

فرغم الحالة النفسية الصعبة التي تخيم على البلاد، والتخوف الذي يعيشه الجميع – من أفقر الفقراء الى أغنى الأغنياء – شهدت الطرقات المؤدية الى المراكز والأسواق ​التجار​ية، حركة كثيفة و​زحمة سير​ خانقة، في عطلة نهاية الأسبوع الماضية، وحتى خلال يومي الاثنين والثلاثاء. فقد توافد اللبنانيون لشراء متطلبات ​العيد​، من مأكولات و​شوكولا​ وهدايا وملابس و​ألعاب​، ولو بكميات أو مبالغ أقل من السنوات السابقة، لتبدو بذلك المتاجر مكتظة بالزبائن، عشية العيد. وهنا يكمن السؤال البديهي: "هل أن ازدحام تلك الأسواق مؤشر على حركة تجارية جيدة رغم الضائقة المعيشية التي تخيم على البلد؟ أم أن ما نشهده هو مجرد حركة "تغيير جو" و"window shopping"، أي "التسوق عبر النوافذ"؟".

زحلة

ومن هنا، أوضح رئيس جمعية تجار زحلة، زياد سعادة، في حديث خاص لـ"الاقتصاد"، أن الوضع الراهن يتسم بالحرج والحسم، ولقد أصبحنا في لبنان بحاجة الى أعجوبة، لافتا الى أن حركة الشراء ضعيفة، وهناك خشية وتخوف من انهيار كامل للاقتصاد، بعد انقضاء فترة الأعياد.

كما أكد أن القدرة الشرائية شبه معدومة، وقد تضاءلت بشكل واضح وصريح، بسبب أزمة ​المصارف​، وغياب ​السيولة​ من الأسواق، مؤكدا أن المؤسسات التجارية كافة، تبيع بأسعار مغرية وتشجيعية ولكن بنسب ضئيلة، وذلك لأن المواطنين يهتمون أكثر بشراء بالمواد الغذائية الأساسية، رغم الارتفاع الملحوظ في أسعارها.

وقال سعادة، أنه بحسب إحصاءات جمعية التجار، ستقفل العديد من المؤسسات أبوابها، في حال استمرار الأوضاع على ما هي عليه.

متطلبات ميلادية أم مستلزمات حياتية؟

طغت المتطلبات الحياتية على بهجة العيد هذا العام، حيث يجمع معظم اللبنانيين على أنه تم "تضييق" عمليات الشراء، لتشمل بعض مستلزمات العيد. فالميزانيات تقلصت الى حد كبير، كما تراجعت كميات الهدايا، بالمقارنة مع العام الماضي. فمن يمتلك الأموال - وخاصة النقدية منها - يفضل ادخارها ليومه الأسود، خاصة في ظل الضبابية التي تسيطر على الأوضاع المستقبلية، والتي تدفع بالجميع للتفكير بالغد الآتي، وما قد يحمله معه من مفاجآت!

فالتساؤل سيد الموقف حول ما ينتظر لبنان من تطورات على الساحة السياسية، الاقتصادية – المعيشية، والاجتماعية، خلال العام الجديد، بعد أن زادت نسبة الفقر الى مستويات خطيرة، كما اقتربت الطبقة المتوسطة من الزوال، أكثر فأكثر...

مظاهر العيد: الزينة متواضعة و​التقشف​ مسيطر!

اكتفت بعض البلديات، في مختلف المناطق اللبنانية، بوضع زينة متواضعة، في حين، لم تبادر أخرى الى التزيين حتى!

ومن جهة أخرى، نلاحظ أن التنزيلات هي سيدة الموقف، كما أن مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد، تترافق مع ​حسومات​ وتخفيضات، وحتى تصفيات، في جميع الأسواق، وذلك من أجل تشجيع الناس على الشراء؛ علّ الجمود الاقتصادي الحاصل، ينكسر نوعاً ما. وعلى الرغم من أننا اعتدنا على رؤية هذه الظاهرة الغريبة وغير المألوفة في شهر كانون الأول، خلال السنوات الأخيرة الماضية، لكن حدّتها قد ازدادت هذا العام، حيث وصلت العروضات أحيانا الى حدود الـ80%.

لكن مع كل المغريات المطروحة، تبقى استمرارية التجار مهددة، في ظل غياب السيولة، وعدم تجاوب المصارف مع طلبات المودعين، وتقييد وادئعهم، وبالتالي قدرتهم الشرائية.

اذ يجمع المعنيين كافة، على التراجع الملحوظ في القدرة الشرائية بشكل عام، ويتفقون على تحميل المصارف، مسؤولية ضعف هذه القدرة وتراجع الحركة في الأسواق، بالاضافة طبعا الى حالات الصرف الجماعي، ودفع نصف الراتب، وإجبار الموظفين بالحصول على عطلة غير مدفوعة.

صور

أشار رئيس جمعية صور، ديب بدوي، لموقع "الاقتصاد"، الى أن التراجع كبير جدا، ومظاهر العيد شبه مفقودة؛ فقبل الانتفاضة الشعبية، كان الانخفاض في الحركة التجارية موجودا، بسبب الحالة الاقتصادية الصعبة في البلاد، لكن هذه الحركة انحدرت الى حدود خطيرة جدا، بعد 17 تشرين الأول.

وأوضح أن السيولة غائبة، والقيمة النقدية متدنية، وبالتالي، فإن المؤسسات باتت غير قادرة على العمل وتحقيق الأرباح، كما أن المصارف لا تعطي المودعين أموالهم؛ وهذه العوامل تؤدي حتما الى تضاؤل الحركة في الأسواق.

كما لفت بدوي، الى أن مدينة صور هي نموذج مهم في المنطقة، لأنها تجمع المسلمين والمسيحيين، وقال: "العيد للجميع، ولهذا السبب نشهد على بعض الحركة الخجولة، لكنها لا تشبه الوضع الطبيعي والاعتيادي خلال الأعياد". ولفت الى أن عام 2019 هو الأسوأ، منذ عام 2007، والى حد اليوم؛ حيث أن هناك العديد من المتاجر التي أقفلت أبوابها، ومن المتوقع أن نشهد على المزيد من الإقفالات في حال عدم التوصل الى حلول جذرية.

وأضاف: "نلاحظ حصول بعض الصدامات بين صاحب العمل والعامل؛ فهذا الأخير بحاجة الى راتبه كاملا، في حين أن الشركة أو المؤسسة، غير قادرة على تأمين هذه الأموال".

​​​​​​​

البترون

بدوره، لفت رئيس جمعية تجار البترون، فارس بولس، الى أن حركة شراء المأكولات والمشروبات، تسجل ما بين 8/10 و9/10، في حين، تترواح باقي السلع ما بين 5/10 و6/10.

وأوضح أن لجنة التجار في المدينة، عملت على توزيع المنشورات ونشر ​الإعلانات​، لتشجيع الناس على الشراء من متاجرها، وقال: "شعارنا هو: "فكّر محلّي اشتري من محلّي"، بهدف دعم الاقتصاد المحلي".

وتابع قائلا: "لقد عمدنا الى إضفاء بعض الأجواء الميلادية في الأسواق، لحثّ الناس على زيارتنا، بدلا من البقاء في المنزل والشعور بالإحباط". وأضاف: "لست متفائلا ولا متشائما، اذ نلاحظ على الأرض أن الناس يشترون ​السلع الغذائية​، كما أن المحلات التجارية تعمل بنسبة 50% - مع العلم أن معدل نشاطها يصل بالعادة الى 100%، في هذه الفترة من السنة. فسوقنا شعبي، وبإمكان معظم الميزانيات الحصول على السلع من متاجرنا".

وحول الإقفالات، أوضح بولس أن "أسواق البترون لم تشهد على إقفالات، الى حد الآن، ولكن اذا استمرت الأمور على ما هي عليه، سنرى للأسف العديد من المؤسسات التي ستفضل الإغلاق، ولهذا السبب، نترقب ما سيحصل بعد عيدي الميلاد ورأس السنة".

زغرتا الزاوية

من جهته، أشار رئيس جمعية تجار زغرتا الزاوية جود صوطو، في حديث خاص لموقعنا، الى أن زغرتا هي مدينة موجودة في لبنان، وبالتالي فإن وضعها مشابه للمناطق اللبنانية كافة، مؤكدا أنه لا يمكن وصف الحركة الاقتصادية والتجارية، بالجيدة أو حتى بالسيئة.

وقال: "نسعى دائما للحفاظ على التفاؤل، اذ من المتوقع أن نشهد على قدوم المتغربين خلال هذه العطلة".​​​​​​​

ولفت صوطو الى أن الظروف المعيشية أدت الى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، بشكل ملحوظ جدا، كما أن المشاكل بين المصارف والتجار والمودعين، ترتد بشكل سيء على حركة الأسواق، مؤكدا أن الزحمة موجودة، والجميع يريد أن يشعر بأجواء العيد، ولكن كل بحسب قدرته.​​​​​​​

​​​​​​​

وذكر أن التراجع في الحركة يلامس حدود الـ60% و70%، موضحا أن البترون تعاني منذ حوالي سبعة أشهر من صعوبات عدة، وهناك بعض المؤسسات التي استسلمت وأقفلت أبوابها. كما أوضح أنه في حال استمرار هذه الظروف القائمة، فالمستقبل سيكون وخيما.

بالاضافة الى ذلك، أكد صوطو أن الزينة الموجودة في المدينة هذه السنة، تناسب إمكانياتنا المتواضعة، لكنها لا تشبه بالطبع كل عام، لافتا الى أنه لم يتم تنظيم برامج ترفيهية وجوائز، كما اقتضت العادة.

الزلقا وعمارة شلهوب

من جهته، أوضح رئيس جمعية التجار في الزلقا وعمارة شلهوب فيليب السمراني، في حديثه لـ"الاقتصاد"، الى أن الوضع سيء للغاية، والحركة الاقتصادية في تراجع مستمر. فالناس لا يحصلون على أموالهم من المصارف، كما أن التجار يعيشون واقعا مبكيا، والمتاجر ذات ​الإيجارات​ المرتفعة تغلق أبوابها.

وأضاف: "شهر العيد مأساوي، ولم نشهد له أي مثيل في السابق. فأنا على رأس جمعية التجار، منذ حوالي 30 عاما، وهذه هي المرة الأولى التي نعيش فيها هذا الوضع خلال فترة الأعياد".

وأوضح سمراني، أن "أزمة ​الدولار​ الحاصلة بين المصارف والصرافين، أدت الى تغيير أسعار السلع من قبل التجار، ليتم الصرف على سعر 2000 ليرة وأكثر، وبذلك اختربت أسواقنا وضعفت، وبات الوضع محزنا للغاية؛ فالتاجر غير قادر على بيع بضائعه، والحصول على الدولارات من البنك. وتابع: "نتمنى أن تتحسن الأوضاع، عند تشكيل الحكومة الجديدة".

أزمات متراكمة...

عقود من الزمن انتهت، ولبنان في تحسن بطيء – إن وجد - والطبقة السياسية تأكل الأخضر واليابس، وبعد أن تأكدت من نفاذ الخزان، جاءت تتمسكن، وترفض اتهامها بالسرقة، واعدة بالإصلاحات. سنوات مرت وقطاعاتنا تصارع الموت، وشبابا يرضخون للمعيشة البائسة أو يجبرون على الهجرة. أيام طويلة ارتفعت فيها الأصوات المطالبة، و"لا حياة لمن تنادي".

​​​​​​​

ويبقى المواطن، الضحية الوحيدة للعبة السياسيين من جهة، ولجشع بعض الشركات والتجار، الذين يبادرون الى رفع الأسعار بشكل غير مبرر وغير منطقي.

عاليه

في عاليه، الوضع للأسف مأساوي ومحزن، اذ لفت رئيس جمعية التجار في المنطقة سمير شهيب، الى أن التراجع سيد الموقف، بسبب غياب القدرة الشرائية، وشح الدولار والليرة أيضا، فالمواطن ينتظر لساعات طويلة في طوابير المصارف، من أجل الحصول على بعض الأموال لشراء الضروريات من السلع الغذائية، وبالتالي لم يعد يوجد ما يسمى بالكماليات.

وقال: "لا نشعر بجو العيد إطلاقا هذا العام، وهناك العديد من المؤسسات التجارية التي أقفلت أبوابها، وأخرى ستقفل بعد انقضاء فترة الأعياد، ومع حلول العام الجديد"، مشيرا الى أن البعض يشتري بكميات خجولة جدا، الملابس والألعاب للأطفال، في حين أن العرب والخليجيين، من أصحاب ​المنازل​ و​العقارات​، ما زالوا غائبين، وبالتالي، قد يصل التراجع في الحركة التجارية، الى حدود الـ90%، بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.

وتابع: "لدينا زينة جاهزة للعيد، لكننا لم نبادر حتى الى التزيين، وهذه المرة الاولى التي يخيم علينا التشاؤم الى هذا الحد".

المعنى الحقيقي للعيد

تقاليد الاحتفال بعيد الميلاد تخطت المسيحيين، وتحوّلت من طقوس دينية إلى عادات إجتماعية يمارسها المسلمون أيضاً، بفرح كبير. ومن هنا، اعتاد العالم، على مرّ السنوات، على اعتبار هذا العيد بالتحديد، مناسبة للإفراط في الانفاق والأكل، ومن أكثر الاحتفالات العالمية شيوعا من حيث التبذير والمتاجرة.

فمعظم المسيحيين سينجحون حتما في سرد أحداث ولادة المسيح،‏ ولكن كم واحدا منهم يتذكر المعنى الفعلي للعيد، ويسعى لتطبيقه في حياته؟‏

فلنتخطى الزينة والهدايا والسفرات، ولنركز أكثر على الاحتفال بولادة المسيح المخلّص، ولنمدّ يد العون والمساعدة الى الأشخاص الأقل حظا؛ فعيد ميلاد يسوع، هو عيد المساعدة والتعاون... علّ هذه الضائقة المادية التي حلت بالجميع هذا العام، أن تعلّم الناس فرحة الميلاد الحقيقية، وتجعلهم يقدرون الأمور غير الحسية، لكي يخرجوا قليلا من خانة الماديات...!​​​​​​​