اصبح مؤكدا ان الاجراءات المصرفية الاخيرة المطبقة بعد اندلاع ثورة 17 ​تشرين الاول​ لم ولن يتم ابتلاعها من قبل المودعين، ولا سيما الصغار منهم الذين كانوا يعتمدون على ما يدخرونه في فروع ​المصارف​ للعيش بكرامة ولتلبية حاجاتهم اليومية .

ولا نعلم اذا سقطت مقولة "خبي قرشك الابيض ليومك الاسود " سيما وانه تعذّر الوصول الى هذا القرش الموجود في المصرف.

حتى تاريخه ما من احد يستطيع توصيف الواقع الاقتصادي الحالي بواقعية بعيدا عن المزايدات السياسية . هل هو انهيار ام ​افلاس​ ؟

سجل التاريخ المعاصر غياب أسلوب محدد تتبعه الدول لإدارة الخروج من الإفلاس. وتختلف المواقف والأساليب المعتمدة لمواجهة الإفلاس عندما يقع بين دولة وأخرى.

لكن الدول تتبع بعض الإجراءات المالية الطارئة الشائعة، مثل إغلاق المصارف مؤقتًا، وبدء مفاوضات مع الدائنين، مباشرة أو عبر راعٍ وسيط ، مثل ​نادي باريس​ أو ​صندوق النقد الدولي​.

اعتمدت ​المصارف اللبنانية​ القيود المعمول بها في أكثر من بلد يتعرّض قطاعه المصرفي لضغوط معينة، بينها إغلاق أبواب المصارف في وجه العملاء لأيام، وتحديد سقوف لعمليات السحب النقدي، لاسيما بالعملة الأجنبية، ​الدولار​، ووقف التحويلات إلى الخارج .

اللبنانيون لم يستوعبوا حتى الساعة كل هذه التدابير المصرفية، رغم بعض التطمينات خصوصا وان هناك معلومات عن اعتماد بعض المصارف الاستنسابية في عمليات السحب وحتى في التحاويل الى الخارج . ولكن هناك شبح آخر غير ال Capital Control يخشاه هؤلاه ويحضهم على الاستنفار الدائم تحسبا من ان يتم اللجوء اليه وهو اجراء ال Hair Cut .

وهنا المقصود به الخصم القسري للدين أي حسم قيمة الأصول المالية مثل ​سندات الخزينة​ ووحدة قياسها دائماً النسبة المئوية أو إعادة هيكلة ​الدين العام​ ، وأيضاً خصم الودائع الكبيرة الذي يطال فعلياً الزيادات الهائلة التي حققتها نتيجة الفوائد المرتفعة عليها في السنوات الماضية.

البلبلة المواكبة لتدابير المصارف عمقت انعدام ثقة المودعين بالقطاع . وساعد في ذلك ما جاء في الورقة الاقتصادية التي طرحتها حكومة الرئيس الحريري المستقيلة من بنود عن تنازلات ومساهمات للمصارف ، اضافة الى طلب حاكم ​مصرف لبنان​ من القطاع بزيادة رسملته بنسبة 20 في المئة، أي ما يوازي زهاء 4 مليار دولار، أو لجهة فتح مصرف لبنان المجال أمام المصارف للإستدانة و بفائدة 20 في المئة.

هل اجراء ال Hair Cut قابل للتنفيذ في لبنان ؟ وهل هو الكي بعد آخر ​دواء​ ؟

سروع:

الخبير المالي والمصرفي الدكتور جو سروع يؤكد ان موضوع ال HairCut معقد قانونيا

وعمليا اكثر فاكثر. وقبل الوصول الى هذا الاجراء البعيد جدا هناك خطوات باستطاعة ​القطاع المصرفي​ اتخاذها ومنها استعمال رأسماله ، اعادة هيكلة الدين حيث هناك دين له على الدولة وغيرها ...

ويقول" للاقتصاد " يجب ان نفهم اليوم ان الودائع في المصارف هي اموال الناس ولا يحق بالتالي لاحد الاقتراب منها .

سمعت احدهم انه يجب الهجوم على المصارف ومنعها من العمل الى جانب منع الناس من دفع اي مستحقات . وهذا أمر خطير ، ولايمكن الاستخفاف به.

في كل مفصل ، عندما يتم التهجم على المصارف فاننا نعرّض ودائع الناس للمخاطر.

ويتابع: لا يجب انتظار اي حل مفيد خارج نطاق خطة واضحة تعتمد على آليات تدقيق ، ومحاسبة وتكون نتائجها مضمونة . يجب ايجاد حكومة تعطي الثقة وترضي الناس ، قابلة للانتاج الوافر ، وتكون مهمتها فقط العمل بكل جدية ، دون الدخول او حتى نبش دفاتر ​الفساد​ في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة.

الا انه اليوم ما يتم التداول به عن حكومة جديدة لا يبشر بالخير وسط المواقف المعارضة والمشروطة . فالمسؤولون بواد والحراك في واد آخر ، والجميع ليس على ارض الواقع بل على كوكب آخر.

وانعدام الثقة اليوم لا يطال القطاع المصرفي فقط بل البلد باكمله. فالبلد مفلس وحجم دينه كبير . ولا ننسى بالتالي انه لا يوجد اي تدفق نقدي . صحيح ان بعض المصارف يعاني من مشكلة ادارية ، ولكن لايجب التلهي بالقشور وغض النظر عن الامور الاساسية .

وضع القطاع المصرفي دقيق وغير مريح . ومن الصعب معالجته بشكل سريع كما هو مرجو . لذا يتوّجب على بعض المصارف اجراء التغييرات اللازمة والضرورية على مستوى الادارة.

الا انه رغم ذلك ، فالمشكلة الحقيقية اكبر بكثير من ذلك.

والحل هو بارساء الاستقرار الفعلي وبتسليم السلطة لافراد ذات مصداقية ، وبمواصفات بسيطة ، يتمتعون بالمنطق والامانة.

من المؤسف جدا ان الديموقراطية في اي بلد بدون العلم والثقافة لا معنى لها . وعندما تهدد هذه الديموقراطية الامن القومي والاجتماعي تفرّغ من معناها ومضمونها.

لا يمكن استعمال هذه الديموقراطية بشكل مباح وبدون وعي. من هنا، علينا التساؤل عن الحالة التي سيكون فيها وضع البلد المفلس اصلا ،في حال تمت الدعوة الى العصيان ؟ فاذا بقى اي بصيص أمل سيزول بالتأكيد بفعل هذا المنطق .

ويرى الدكتور سروع ان المؤسسة العسكرية اي الجيش هي الوحيدة التي مازالت تتمتع بالمصداقية. لبنان ليس ​الجزائر​ ولا ​اليمن​ ولا ​العراق​ . انه بلد صغير كل شيء فيه واضح .

76 هيئة في الحراك احتلت مخيلة العالم بخطاب اعضائها الذي تميّز بالحكمة ،عندما تحدثوا عن لقمة العيش ، ولكن بدأت الامور تأخذ للأسف منحا اخرا عندما انتقل البعض منهم الى التحدث عن الايديوليجيات السياسية.

وعن اللجوء الى مساعدة صندوق النقد الدولي يلفت سروع الى ان تدخّله يتم في حالات معينة. ومن المعلوم انه يركز على رزمة اصلاحات ضرورية يطلبها من البلد الذي ينشد المسا عدة . ويشدد على تنفيذها وتبيان نتائجها . ويقول الدكتور سروع : لبنان ليس غواتيمالا ، ولا ​الارجنتين​ .

ولبنان لا يستطيع تحمل هذه التعقيدات على مدى 5سنوات. وفي الواقع، لا يوجد حل مخصص لكل بلد حسب واقعه . وانما هو نموذج اقتصادي موّحد لدى صندوق النقد لكل الدول.

ونحن اصبحنا على دراية بهذه الوصفة من الاصلاحات التي تتلخص بزيادة الضرائب، علما اننا نعاني من ​انكماش​ كبير في الاقتصاد ، ومن ارتفاع كبير في حجم الاستيراد بغياب اي تصدير ، فكيف نستطيع فرض هذه الضرائب ؟

لدى كل من صندوق النقد و​البنك الدولي​ نفس الوصفة من الاجراءات . وبالتالي، لن يحصل لبنان على قرش دعم قبل الالتزام وتنفيذ الاصلاحات.

نحن بحاجة الى حل على قياس الواقع اللبناني، بعيدا عن اي ضرائب في المرحلة الحاضرة وبدون مد اليد الى اموال المودعين.

صحيح، ان المشكلة الاساسية في لبنان تتعلق بانعدام الثقة بين المسؤولين والشعب بعدما وصلت البلاد الى ماهي عليه من الفساد المستشري . ولكن هذا الفساد قاد بدوره الى امتصاص ​السيولة النقدية​ لصالح فئات على حساب فئات تتحسر على جنى عمرها ، واهتزت معه هالة القطاع المصرفي الذي كان يؤمن الملاذ الآمن . والسؤال اليوم كيف يستطيع الاقتصاد الوطني النهوض بدون قطاع مصرفي اصابته السهام رغم الصلابة والحصانة التي حققهما حتى خلال ​الازمة المالية​ العالمية ؟

الاغتراب يدعم المصارف:

في الاسبوع الماضي ، نقلت المعلومات ان وفدا من منظمة اغترابية تضم رجال اعمال ومستثمرين من اللبنانيين في المهجر سيزور لبنان مطلع العام المقبل للبحث مع المسؤولين في سبل مساهمة المغتربين في دعم الاقتصاد وخصوصا القطاع المصرفي.

ويرى البعض أن القطاع المصرفي هو عامود اساس لاي عملية انقاذ للوضع المالي في لبنان. والضغوط على هذا القطاع اما تنم عن جهل مطلق او هي ممارسة تخريبية مقصود بها القضاء على مدخرات اللبنانيين. القطاع المصرفي بخير، لكنه يعاني من مشاكل السياسيين ومن غياب الحكومة ومن هلع المودعين التي تسبب بها مغرضون باشاعاتهم.

صحيح ، المستقبل كفيل بتقييم نتائج السياسات النقدية المتبعة طيلة المرحلة السابقة وبتحديد المسؤوليات ولكن اليوم الجميع على متن نفس السفينة ومهمة الانقاذ ضرورية وبحاجة لتضافر جهود الجميع.