نشرت صحيفة الـ "​فايننشال تايمز​" البريطانية مقالاً تحدثت فيه، عن أساسية في ​علم​ الاقتصاد وهي "نظرية المزاحمة الاقتصادية".

وتقول الصحيفة: إن الفكرة الشائعة في سبعينيات القرن الـ 20، هي أن زيادة ال​استثمارات​ في ​القطاع العام​، وبالتالي الإقتراض، لها تأثير غير مرغوب إلى حد ما يؤدي إلى إبعاد الاقتراض والاستثمار المخطط لهما في ​القطاع الخاص​.

فمثلا، إذا قررت الحكومة تمويل سياسة "النطاق العريض للجميع" بقيمة عشرة مليارات دولار عن طريق سوق السندات، فإن أسعار الفائدة ربما ترتفع بسبب عجز مالي أكبر، وبالتالي تجعل بعض المشاريع التي يخطط لها القطاع الخاص أقل ربحية، بسبب ارتفاع تكلفة رأس المال، من ثم ربما لا يتم تنفيذ تلك المشاريع وفقا للخطط الموضوعة.

التأثير التراكمي، كما هو مفترض، يكمن في أن استثمارات القطاع الخاص، وبالتالي النمو والإنتاجية، ستكون في نهاية المطاف أقل، ما يؤدي إلى تقليص الإنتاج المستقبلي.

إلا أن هذه النظرية الاقتصادية، بحسب ما اتّضح، ربما لا تصمد.

وأبرز دليل على ذلك، ورقة العمل الجديدة التي أعدّها إنريكو موريتي، وجون فان رينن، وكلوديا شتاينويندر، من أقسام الاقتصاد في كل من "​جامعة كاليفورنيا​" في بركلي و"​معهد ماساتشوستس​ للتكنولوجيا" و"كلية أم آي تي سلون" للإدارة، والتي تستكشف قطاعا معينا من ​الإنفاق​ الفيدرالي الذي يعنى بالبحث والتطوير في مجال الدفاع، وتأثيراته في نفقات البحث والتطوير في القطاع الخاص.

وعلى عكس التوقعات، وجدتِ الورقةُ أن الإنفاقَ على البحث والتطويرِ في القطاع العام، سواء بشكلٍ مباشِر أو عن طريق الإعانات، يؤدي في الواقع إلى زيادةٍ في إنفاق القطاع الخاص في مجال البحث والتطوير. وهذا يسمى "أثر المزاحمة العكسي".

وهنا يكمن التساؤل: ما مقدار الزيادة؟

حسناً، التالي اقتباس من الورقة:

نسبةُ المرونة المرجّحة لدينا لمجموعة بيانات "​منظمة التعاون الاقتصادي​ والتنمية" هي 0.434 (...) ما يشير إلى أن زيادة 10 % من الدعم الحكومي في سنة معينة من المتوقع أن تؤدي إلى زيادة 4 % في أنشطة البحث والتطوير لدى القطاع الخاص في العام التالي. هذا يعني أن دولاراً واحداً من الأموال العامة الإضافية للبحث والتطوير، يفضي إلى خمسة دولارات من أنشطة بحث وتطوير إضافية ممولة من القطاع الخاص بالقيم المتوسطة لأنشطة البحث والتطوير في القطاعين العام والخاص.

استنتاجات المؤلفين، لن تكون مفاجأة كبيرة لكثير من الاقتصاديين، الذين كانوا ضمن حملات من أجل مشاركة حكومية أكبر في تمويل البحث والتطوير منذ ​الأزمة المالية​.

ويستشهد المؤلفون، بثلاثة أسباب، لشرح لماذا ربما يكون "أثر المزاحمة العكسي" هذا سيد الموقف.

* الأول، أن مشاريع التكنولوجيا الرائدة لها تكاليف ثابتة مرتفعة للغاية، سواء في شكل معدات أو يد ​عاملة​، وبالتالي السماح للقطاع العام بتمويل البحوث، هو ما يسمح للقطاع الخاص بتحقيق أرباح أعلى.

* الثاني، هو "الآثار غير المباشرة"، حيث تجد التكنولوجيات الحديثة ​تطبيقات​ مختلفة في القطاع الخاص. نظام الملاحة العالمي "GPS"، مثلا، تم تطويره لأول مرة لمساعدة الصواريخ في العثور على أهدافها. والآن يساعد صحيفة الـ "فايننشال تايمز".

خدمة تشتمل على أخبار وتعليقات تقدمها "فاينانشيال تايمز" إلى المختصين في أسواق المال في العثور على الغداء.

السبب الثالث والأخير، هو القيود الائتمانية على القطاع الخاص، حيث يصعب تمويل المشاريع دون دعم حكومي بسبب ​التراجع الاقتصادي​، مثلا.

حجةُ التكلفة الثابتة لعلها الأكثر أهمية. ​بيل​ غانواي، الذي كان يعمل سابقا لدى "واربورغ بينكوس" والآن لدى جامعة "​كامبريدج​"، جادل منذ فترة طويلة بأن الإنفاق على البحث والتطوير في القطاع العام لا يتعلق بمشاركة المخاطر فحسب، بل إضعافها.

متحدثا من تجربته بوصفه صاحب رأسمال مغامر، يجادل جانواي بأن معظم التكنولوجيا الرائدة، من وجهة نظر قابلية القياس الكمي، غير قابلة للاستثمار. منطقه بسيط: النتائج المحتملة من أنشطة البحث والتطوير القائمة على التكهن بطبيعتها غير معروفة، ما يجعل من المستحيل تبرير ​مشروع جديد​ تجاريا.

باختصار، القطاع العام وحده، أو قطاع خاص غائب عن انضباط السوق (في قبضة الهوس)، هو الذي سيمول مثل هذه المشاريع.

وبما أن القطاع الخاص ليس دائما في قبضة هوس التكهنات، يجب أن يظل القطاع العام هو الملاذ الأول لتمويل البحوث.

وجاء التالي في كتاب جانوي "ممارسة الرأسمالية":

لأن الكفاءة، على عكس العقيدة المركزية للاقتصاد الكلاسيكي الحديث، ليست من فضائل اقتصاد السوق الذي يعتبر نموه سببا للتدمير الخلّاق الذي عرفه جوزيف شومبيتر بأنه المحرك للتنمية الاقتصادية. الفضيلة الرئيسية هي القدرة على تحمل الهدر الذي لا مفر منه في تطور اقتصاد الابتكار. لذلك أصبحت الدولة أساسية لديناميكيات اقتصاد الابتكار، من أجل تمويل البحوث الأولية التي تولد الاكتشاف والاختراع، والحفاظ على الاستمرارية في اقتصاد السوق عندما تنفجر فقاعة التكهنات التي مولت انفجارات التحول.

مع كون موضوع الإنفاق الحكومي في مقدمة ومركز النقاش السياسي في كل من جانبي المحيط الأطلسي، فإن عمل موريتي وفان رينين وشتاينويندر جاء في الوقت المناسب.

لكن ما إذا كان العمل سيغير رأي أي شخص بشأن دور الحكومة في الأسواق أو لا، يتعين علينا أن ننتظر ونرى.