وكأن قدر لبنان ان يبقى واقفاً على ابواب الدول ينتظر دعماً من هنا وقرضاً من هناك دون الاكتراث لأي اصلاحات حقيقية او خطوات جدية قد تعيد الثقة مجدداً الى ​الاقتصاد اللبناني​ الذي يغرق يوماً بعد يوم في ظلّ المناكفات السياسية التي لم تتوقف يوماً.

الجميع بات يدرك ان المرحلة التي وصل اليها الاقتصاد اللبناني لم تكن وليدة الساعة انما هي نتيجة تراكمات سنوات طويلة بدأت مفاعيلها تظهر منذ أكثر سنة، وقد حث ​المجتمع الدولي​ لبنان مراراً وتكراراً على ضرورة وضع خطة حقيقية لانقاذ ​الوضع الاقتصادي​ وقد تعهد المجتمع الدولي في مؤتمر "سيدر" بدعم لبنان مالياً واقتصادياً ولكن بشروط، الا ان هذه الشروط لم تنفذ لذلك لم يأتي الدعم.

اليوم وبعد ان استفحلت الأزمة على الصعد كافة عاد لبنان يبحث مجدداً عن طريق للخروج من هذا النفق المظلم، وقد بدأ يلوح في الأفق خيار طلب مساعدة ​صندوق النقد الدولي​ كحل جديّ لهذه المرحلة، ولكن يبقى السؤال هل يستطيع لبنان الالتزام بالشروط التي يضعها الصندوق؟

لقد عبّر صندوق النقد الدولي مراراً عن قلقه على الوضعين المالي والإقتصادي في لبنان في تقاريره، وأوصى بعددٍ من الإصلاحات آخرها ما سُمّي بشروط مؤتمر "سيدر" التي لم يتم تنفيذ إلا قسم من الشق التشريعي المُتعلّق بها، وبالتالي أصبح وضع المالية العامة في حال يُرثى لها مع غياب الإصلاحات الفعلية وبروز ظاهرة الأوراق الإصلاحية التي أُقرّ الكثير منها ولكن دون أي تطبيق فعلي.

وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال كميل ابو سليمان كان من آوائل الأشخاص الذين نادوا بضرورة اللجوء الى صندوق النقد الدولي للبحث معه في امكانية مساهمته في وضع حلول للأزمة المالية التي يمر بها لبنان، مشيراً الى ان ضياع الوقت اليوم ينعكس سلباً على لبنان وعلى اقتصاده المأزوم وبالتالي نتكبد مزيداً من الخسائر، ويقول لـ "الاقتصاد": " من واجب الحكومة الحالية (تصريف الأعمال) ان تبحث عن كل الحلول الموجودة لانقاذ الوضع الحالي، ومن بين هذه الحلول اللجوء الى صندوق النقد الدولي، خصوصاً وانه عام 2007 اي بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان لجأت الحكومة اللبنانية في مؤتمر ​باريس​ 3 الى صندوق النقد الدولي وتعاونت معه ببرنامج خاص سمي انذاك "برنامج صندوق النقد الدولي لما بعد الكوراث و​الحروب​" وقد أخذ لبنان اموالاً قدرت بنحو بـ 75 مليون دولار، وقد التزم حينها ببعض الشروط التي وضعها الصندوق كتخفيض ​عجز الموازنة​ وغيرها، الا انه لم يلتزم بشروط اخرى، وبالتالي لا أدري لماذا التهويل اليوم على هذه الخطوة؟".

يضيف : " الجميع يعلم ان لبنان بحاجة الى ​السيولة​، ولا يوجد جهة قادرة على توفير هذه السيولة سوى ​صندوق النقد الدولي​، وبالتالي على ​الدولة اللبنانية​ التواصل بطريقة مباشرة مع الصندوق أو مع اي جهة أخرى يمكن ان تدعم لبنان، والاطلاع منهم على الشروط التي يمكن ان يضعوها، ولكن يجب التوقف عن الحكم المسبق على شروط الصندوق فالمرحلة اليوم كما ذكرت سابقاً دقيقة وبالتالي الإنتظار ليس من مصلحة أحد خصوصاً وان الشركات بدأت تقفل ابوابها وتسرح موظفيها واذا استمرينا بهذا النهج في التفكير وفي التعاطي مع الوضعين المالي والاقتصادي ستكون الإنعكاسات كارثية على صعد كافة بما في ذلك احتياطي المصرف المركزي الذي سرعان ما سينفذ".

ينفي ابو سليمان علمه بالشروط التي قد يحددها الصندوق متسائلاً لماذا نستبق الأمور؟ ويتابع لا أحد حتى اليوم يعلم بالشروط التي قد يضعها الصندوق ولكن من البديهي ان يطلب اصلاحات بنيوية ولكن ليس بالضرورة ان تكون هذه الاصلاحات من خلال اللجوء الى تخفيض سعر العملة بالنسبة للدولار، ولكن لا بد ان نؤكد ان مصداقية لبنان اصبحت منخفضة جداً خصوصاً وان الطبقة السياسية الحاكمة اليوم اثبتت عدم قدرتها على الالتزام بالاصلاحات التي وعدت بها الأسرة الدولية اوحتى المجتمع اللبناني وبالتالي كل هذا دفع بالمواطن اللبناني الى سحب الثقة من الحكام".

يختم ابو سليمان حديثه بالقول: " بات من الضروري وجود حكومة جديدة بأشخاص وبتفكير جديد وان تكون قادرة على اتخاذ قرارت جريئة لانقاذ الوضع الراهن،ولكن الى حين تشكيل هذه الحكومة ونيلها الثقة من المجلس النيابي، يجب على الحكومة الحالية البحث جدياً عن الحلول مع الجهات المعنية سواء مع صندوق النقد او اي جهة اخرى قادرة على مساعدة لبنان اختصاراً للوقت وللانعكاسات السلبية".