تحقق الاهم في ​مناقصة​ ​استيراد​ 150 الف طن من ​البنزين​ لصالح الدولة ال​لبنان​ية ، وانكسر احتكار كارتيل ​النفط​ . وعلى الرغم من الملاحظات التي يمكن عرضها حول ظروف المناقصة والسعر والشركة الرابحة (الاخوان رحمة ) ، فان ما جرى انجاز يجدر التوقف عنده والبناء عليه في المناقصات اللاحقة ، وخصوصا مع اعلان مدير منشآت النفط سركيس حليس ان الكمية التي ستستورد للدولة لا تشكل بعد العشرة في المئة التي تريدها وزيرة ​الطاقة​ ندى البستاني. ويقدر حجم استهلاك البنزين سنويا في لبنان بحوالى مليوني طن .

ما جرى هو انتصار لمنطق الدولة على حساب الدويلات ، وكارتيل النفط هو احدى هذه الدويلات بكل ما للكلمة من معنى مالي وسياسي ومؤسساتي ، فالشركات المستوردة تربعت على عرش استيراد ​المحروقات​ بكافة انواعها ، ونالت عبر الحماية السياسية المتعددة الاطراف الحق الحصري غير القانوني لتزويد المواطن بحاجته من هذه المواد الاساسية للحياة ، وبالتالي التحكم بالسوق ورهن المستهلكين لارادة اصحاب الكارتيل .

يرزح لبنان تحت هذا الواقع المأساوي منذ عقود، وتحديدا منذ العام 1989، حين تخلّت الدولة عن مسؤوليتها ورعايتها لقطاع الطاقة، بعدما كانت في الثمانينيات والسبعينيات والستينيات المستورد الوحيد للمشتقات النفطية، أما اليوم فالأمر مختلف، بحسب الخبير في الصناعة النفطية المهندس ربيع ياغي، اذ صار كارتيل النفط هو الوسيط الوحيد في ملف استيراد النفط بين الدول والمستهلك اللبناني، ما عدا منشأتي تخزين النفط في كل من الزهراني وطرابلس، اللتين تخضعان لإدارة الدولة، والتي تشغلهما عبر مناقصات لجلب ​الديزل​ و"الفيول أويل"، أما ما يتبقى من ​المشتقات النفطية​ مثل ​المازوت​ والبنزين ووقود الطائرات والغاز المنزلي فإن عقود استيرادها هي حصرا تحت سطوة شركات خاصة غير خاضعة للمناقصات.

ويسهب ياغي في تفنيد عمل "كارتيل" النفط، ويقول: "تمتلك هذه الشركات حقوق تخزين المشتقات النفطية في الدورة وعمشيت، هذه الشركات أنشأت "كارتيل" في ما بينها لاستيراد بواخر النفط، وبيعها في لبنان بالسعر الذي تريد، يتم الاستيراد بالدولار، وعلى أساس سعر السوق.

وينعى ياغي الوصاية الحكومية على ​القطاع النفطي​، ويقول: "هم يحرمون الدولة من حقها في الاستيراد المباشر لمشتقات النفط لحساب الشركات الخاصة.. نعم يمكن للدولة استيراد النفط وإثراء الخزينة، لكن الواقع أن هذه الشركات تحتكر هذا المرفق في التعاملات مع دول ​آسيا​ وأوروبا، لقاء عمولات عالية، ناهيك عن أرباح أقل ما يقال عنها إنها "خيالية".

ويؤكد ياغي أن الدولة قادرة على تفعيل طاقة تخزينية كبرى من مشتقات النفط في منشآت الزهراني أو ما يعرف بـ"STORAGE FOROM"، وكذلك في طرابلس، عبر توسعة خزانات التخزين لتصبح مؤهلة بالتالي لاستقبال الشحنات التي يحتاجها السوق المحلي.

اذا المناقصة هي مجرد بداية لاستعادة الوصاية الحكومية على هذا القطاع .

من ناحية ثانية فان الاسعار التي يمكن ان تحصل عليها الدولة في المناقصات الجديدة ستكون افضل من المناقصة الاخيرة . وخير دليل على ذلك ان تأجيل المناقصة لاسبوع اتاح فرصة دخول شركات جديدة الى المنافسة ، ومنها شركة مملوكة من حكومة سلطنة عمان ، وهي اذ لم تقدم السعر المناسب لتربح المناقصة الا انها شكلت سابقة مهمة لدخول شركات كثيرة مملوكة من حكومات عربيية واجنبية ، وهذا يمكن ان يؤدي للوصول الى استيراد البنزين وسائر المحروقات من دولة لدولة ، بحيث تسقط كل العمولات الباهظة التي تتقضاها شركات النفط المعروفة ، والحصول على اسعار تشجيعية من دول شقيقة وصديقة.

المناقصة المنجزة لم تحقق هدف تخفيض السعر ، وهي قد تكبد الدولة بعض الخسائر ، الا ان المهم هو ثبات السعر بالليرة اللبنانية ، وثانيا امتلاك الدولة ما يكفي من كميات البنزين لمنع كارتيل النفط من الابتزاز باقفال المحطات مزاجيا. ولا شك ان المناقصات اللاحقة ستأتي باسعار أقل ، بمشاركة شركات أخرى . فالكارتيل حاول بكل الوسائل الضغط لالغاء المناقصة ، ومورست ضغوط سياسية كبيرة على وزارة الطاقة ، ولما لم تفلح . انتقل الكارتيل الى الخطة ب ، من خلال مقاطعة المناقصة لظنه ان احدا لن يشارك ، ومارس ايضا الضغوط على الشركات للامتناع عن تقديم عروض ، والدليل على ذلك ان 15 شركة سحبت دفتر الشروط ولم يتقدم سوى 3 عروض.

من جهة ثانية فان من شأن فتح المجال امام الشركات العربية والاجنبية ان يكسر قدرة الكارتيل على اقامة تفاهمات سرية بين اعضائه لتثبيت سعر معين مرتفع وعدم النزول عنه ، فالشركات القادمة من الخارج غير معنية بهكذا "كومبينات " ويهمها المنافسة من اجل ربح المناقصات والاموال .

الوفر المطلوب

يصعب تحديد حجم استيراد البنزين الى لبنان بدقة لسببين ، اولا عجز الادارة الحكومية ، وثانيا ، امساك الشركات الخاصة بهذا القطاع من الفه الى يائه ، وهذا الكارتيل يحجب حتى المعلومات الدقيقة للاستيراد لحجب حقيقة الارباح التي يحققها ، وهي ارباح يمكن ان تعود للدولة اللبنانية اذا استمرت سياسة الاستيراد المباشر لصالح منشآت النفط.

في دراسة اعدها في العام 2007 يؤكد ​الخبير الاقتصادي​ محمد زبيب انه تصعب معرفة القيمة الحقيقية الصافية للأرباح التي تجنيها شركات استيراد وتوزيع وبيع البنزين في لبنان، نظراً للتزوير الفاضح في إعلان أسعار المنشأ وتركيب أكلاف الاستيراد...إلا أن الثابت هو أن المستهلكين اللبنانيين يدفعون سنوياً أكثر من 1,4 مليار دولار(حسب ارقام عام 2007 ) ، لتعبئة خزانات سياراتهم بالوقود، وهذه الكلفة تعدّ "منفوخة كثيرا" مقارنةً بالدول الأخرى، وقياساً الى حجم الاستهلاك المحلي الذي يبلغ 1200 مليون طن ...ما يشير الى أن هامش أرباح الشركات واسع جداً.

وقد بينت تلك الدراسة (عام 2007 ) أن ثمن البضاعة (مع أكلافها المختلفة) المستوردة الى لبنان لم يتجاوز يومها 850 مليون دولار، وقد حققت الخزينة العامة عائدات من الرسوم المفروضة على المواد الملتهبة (بنزين وكاز وغير ذلك) بلغت حوالى 230 مليار ليرة، أي ما يعادل 153 مليون دولار، فضلاً عن عائدات الضريبة على القيمة المضافة التي بلغت حوالى 100 مليون دولار، أي إن الدولة حققت عائدات من البنزين لا تتجاوز قيمتها 253 مليون دولار، وتتقاضى المحطات عمولة على كل صفيحة بنزين قيمتها 1600 ليرة، أي إن حصة المحطات من إجمالي الفاتورة بلغت حوالى 84 مليون دولار، وبلغت حصة شركات التوزيع وأجرة النقل حوالى 26 مليون دولار.

هذه الارقام تعني أولاً ـــــ أن الحصة المباشرة والواضحة العائدة إلى شركات استيراد البنزين تبلغ حوالى 187 مليون دولار سنوياً. ثانيا ـــــ أن شركات الاستيراد تمتلك او تدير أكثر من 80 في المئة من محطات البيع بالتجزئة وشركات التوزيع، أي إن أرباح هذين الطرفين في السوق تعود بالدرجة الأولى الى الشركات نفسها...وتقدّر هذه الارباح بحوالى 55 مليون دولار على الأقل سنوياً. ثالثاً ـــــ أن ثمن البضاعة المستوردة «ملغوم» بأكلاف اصطناعية وأسعار غير حقيقية، وتقدّر المصادر نسبة الأرباح غير المباشرة أو غير المصرح عنها بحوالى 8 في المئة من الثمن المعلن، أي حوالى 68 مليون دولار سنوياً.

انطلاقاً من هذه التقديرات والحسابات، فإن شركات البنزين حققت أرباحا لأصحابها وداعميها بما لا يقل عن 250 مليون دولار سنوياً على أدنى تقدير.

هذه الارقام تتعلق باستهلاك 1.2 مليون طن اما الاستهلاك الحالي فهو اكثر من مليوني طن سنويا ، ويمكن احتساب الارباح الحالية على هذا الاساس لتقارب الـ 500 مليون دولار سنويا .

الكارتيل متهم بتقاضي ارباح خيالية غير مشروعة بسبب اسلوب التسعير المضخم ، وخير مثال يقدمه المتابعون لهذا الملف انه في زمن الوصاية السورية، كانت شركات الكارتيل تشارك في مناقصتين متزامنتين في لبنان وفي ​سوريا​ لاستيراد المازوت، فتعرض في لبنان السعر العالمي زائداً 19 دولاراً، وتعرض في سوريا السعر نفسه زائداً 11 دولاراً...