الحكومة في لبنان... مكانك رواح، ورحلة الألف ميل ما زالت مستمرة، بعد "تطيير" الاتفاق على اسم ​سمير الخطيب​، وتأجيل الاستشارات النيابية الى الأسبوع المقبل، وسط تفاقم ​الأزمة الاقتصادية​ والمعيشية أكثر فأكثر.

وأمام المستقبل الضبابي، والحلول المعقّدة، والواقع الصعب، والأجواء السلبية التي تسيطر على لبنان، ظهر بصيص أمل اليوم، سيسهم في حل جزء من مشكلة، شغلت اللبنانيين على مدى أشهر عدة، حتى قبل بدء ​الحراك الشعبي​ في 17 تشرين الأول. فبعد تقديم ثلاثة عروض لمناقصة استيراد ​البنزين​، فازت شركة "ZR ENERGY"، لتبدأ بذلك الدولة، بعد حوالي 15 يوما، في استيراد جزء من متطلبات السوق المحلي.

وبهذا، كسرت وزيرة الطاقة ندى بستاني، احتكار الكارتيلات والسماسرة، الذين كانوا يسيطرون على هذا القطاع، ويتحكمون باللبنانيين، لسنوات طويلة.

فإلى أي مدى تشكل هذه الشفافية في ​إدارة المناقصات​ مؤشرا إيجابيا؟ وما هو الرأي الآخر؟ هل أن الحل على الساحة اللبنانية، يتمثل فقط في تأليف حكومة معينة؟ هل جاءت خطوة ​مصرف لبنان​ في خفض الفوائد على الودائع متأخرة؟ ما هو مصير ​المصارف​ في ظل استمرار القيود على السحب؟...

هذه الأسئلة وغيرها، أجاب عليها الأمين العام للمؤتمر الدائم ​الفدرالية​، ​د. ألفرد رياشي​، في مقابلة خاصة مع موقع "الاقتصاد":

- الى أي مدى تشكل خطوة فضّ عروض مناقصة البنزين مباشرة على الهواء، عاملا إيجابيا قد يسهم في إعادة نوع من الثقة في ظل الأوضاع القائمة؟

أولا، هناك تساؤلات عدة حول مدى جدية المناقصات وشفافيتها، ولم تتم الإجابة بشكل واضح ومباشر، على هذه التساؤلات.

ثانيا، هذه المناقصة أدت فقط، الى زيادة عدد المحتكرين في السوق، وهي لم تحلّ الأزمة على الإطلاق، لأن الاستيراد لن يتم بشكل مباشر، بل عبر إدخال طرف جديد. وبالتالي، اذا حلّينا 10% من المشكلة فقط، يبقى لدينا نسبة 90% من حاجة السوق، ومن هنا، في حال قرر المحتكرون الحاليون إيقافها، سيفقد قسم كبير من المواطنين مادة البنزين، كما حصل مؤخرا.

- سبق أن قلت أن الحل في لبنان لا يكمن في تشكيل حكومة فحسب. برأيك، ما هي الخطوات التي يجب اتخاذها اليوم من أجل التوصل الى حلول ملموسة؟

الحل يكمن في تشكيل حكومة طوارئ - وليس تكنوقراط أو حتى تكنوسياسية - يرأسها شخص من المجتمع المدني، يتمتع بخبرة سياسية. وهذه الحكومة، ستعمل على خلق خلية أزمة اقتصادية، وخلية أزمة للتواصل الخارجي.

ومن هنا، نقترح أن تكون الحكومة القادمة مصغرة، تضم أشخاصا يمثلون الثقة، بالاضافة طبعا الى الوزارات الحياتية الأساسية، مثل الدفاع، المالية، الداخلية، الصحة،... كما يجب أن لا يكون لهؤلاء الأشخاص ولاء سياسي واضح لأي طرف.

وبالتوازي مع حكومة الطوارئ، يجب إنشاء مجلس إنقاذ يضم القوى السياسية الأساسية، والتي تتمتع بحق الفيتو. وذلك من أجل مناقشة الأمور الاستراتيجية، التي يتعلق أهمها بفك الاشتباك مع الغرب.

- برأيك، هل جاء تعميم مصرف لبنان الذي يقضي بخفض الفوائد على الودائع متأخرا؟

في الماضي، عندما تم رفع الفوائد على الودائع، كان الهدف الاحتفاظ بأموال الناس في الداخل، ولكن في الوقت ذاته، "تكبّل" الاقتصاد بشكل أكبر، كما تراجعت ​الاستثمارات​ الأجنبية المباشرة والاستثمارات الداخلية؛ فبدلا من إطلاق مشروع معين، بات الناس يفضلون الاستفادة من الفوائد المرتفعة قليلة المخاطر.

أما التأثير الايجابي الوحيد للتعميم، فهو على المصارف وعلى الدولة؛ فخدمة الدين ستصبح أقل على الدولة، كما أن كلفة خدمة الدين على المصارف ستنخفض.

- هل فقد الناس اليوم ثقتهم بالنظام المصرفي اللبناني؟

لقد مررنا بظروف في الماضي، مثل حادثة "بنك إنترا"، التي أدت الى حدوث نوع من الزعزعة أو الاهتزاز للثقة، لكنها لم تفقد بالكامل، لأن الأزمة كانت مرحلية ومؤقتة.

والأمر ذاته ينطبق على المرحلة الحالية، والتي تعدّ مؤقتة أيضا، فثقة الناس بالمصارف اهتزت الى حد ما، لكنها لم تفقد بشكل كامل. فالأزمة متعلقة بعدم وجود استراتيجية سياسية، وفور وجود مخرج سياسي، سوف يستعيد الناس ثقتهم بالمصارف. ولكن طالما أن التخطيط آني، لن نصل الى أي مكان، بل سنغرق أكثر فأكثر.

- هناك أحاديث ترجح بأن يستمر الـ"capital control" المقنّع الذي يمارس حاليا في المصارف، لحوالي سنتين أو أكثر. هل من الممكن حصول ذلك؟ وفي حال حصوله، ما هي التداعيات المترتبة على المصارف من جهة، وعلى والمودعين من جهة أخرى؟

في حال استمرار الأزمة لكل تلك الفترة، سنشهد على المزيد من الهروب للرساميل، التي هرب قسم منها قبل بدء الحراك. وفي حال عدم التوصل قريبا، الى أي حل سياسي، فمن المستبعد أن يصمد لبنان بأكمله لمدة سنتين.

وبرأيي، لم نصل بعد الى قمة الأزمة، وعند الوصول الى هذا المستوى، لا يمكن التحمل والاستمرار لأكثر من ستة أشهر، وحينها سينتهي البلد وينهار. لكن لا أعتقد أننا سنصل الى هذه المرحلة، لأن مخارج الحلول موجودة، ولكن على الإطراف الاقتناع بضرورة التوصل الى حلّ جذري، يتضمن آلية لفك الاشتباك، وآلية لإعادة البلاد الى السكة الصحيحة.

ولا بد من الاشارة الى أن مؤتمر ​باريس​ القادم، لا معنى له، وهو مجرد فقاعة إعلامية، حيث لن يقدم أي حلّ سياسي جذري ومتكامل.

- لماذا لا يستخدم مصرف لبنان احتياطاته لدعم الليرة والدفاع عنها؟

هل أن مصرف لبنان يمتلك بالفعل احتياطات تسمح له بالتدخل؟ فقسم كبير منها مستثمر مع الدولة أو مع المصارف، في حين يبقى هناك فقط الاحتياطات الإلزامية التي لا نعلم كي تبقّى منها الى حد اليوم.

فالمركزي قد ثبت السعر الرسمي، ويحاول، بدلا من التدخل، تأمين بعض الدولارات نقدا لبعض القطاعات مثل البنزين.

- هل حان الوقت اليوم لتحرير سعر صرف الليرة؟

سياسة تثبيت سعر الصرف ضرورية في هذه المرحلية، ولكن في المستقبل، أي عندما تعود الأمور للتحرك بشكل طبيعي، يجب تحرير السعر لخلق نوع من التنافسية. ومن هنا، يجب العمل على خلق سياسة واضحة حول رفع الصادرات، ودعم الصناعة وتخفيض كلفة إنتاجها، بالاضافة الى تخفيض كلفة الخدمات الداخلية ودعم ​السياحة​ وغيرها من القطاعات.