صعبٌ وحاسمٌ، أسبوع لبنان الجاري. تتركز الأنظارُ على استشاراتٍ نيابية طال انتظارُها، ربما تكونُ مدخلاً للتسوية، وبوابة لإيجاد حلولٍ ​اقتصاد​ية ونقدية، أو قد توصلنا إلى وضع متفجّر يزيد من أزمات النقد وال​مالي​ة والاقتصاد سوءاً.

يطوي لبنان أسبوعاً مضى، صارت فيه ​السوق السوداء​، سوقين اثنين. واحد للدولار، وآخر سوق سوداء مُستجد، يختصُ بالمحروقات. فالبنزين و​المازوت​ قبل يومين بيع كأيام ​الحروب​، والدّولار انقطع ولم يعد موجوداً إلا في أدراج "صرافي الأزمة".

رئيس الجمهورية، الذي يُنتظر دعوته للإستشارات النيابية، إستنفر بعض وزراء الحكومة المستقيلة وحاكم ​مصرف لبنان​ ورئيس جمعية ​المصارف​ نهاية الأسبوع الماضي، باجتماع مالي في بعبدا، هو الثاني منذ تفجّر الأزمة. إجتماع غابت عنه القرارت، وبقي الغموض والتسريبات فتات للبنانيين، كلٌ يحلل فيه بحسب انتمائه.

وبعيداً عن التخلّف الحاصل في إيجاد حل للأزمة، أبى مصرف لبنان التخلّف، وسدد آخر دفعة من سندات الدين لعام 2019. خطوة إيجابية، ربما تكون وحيدة، في أحداث الأزمة الإقتصادية الأسبوع الفائت، إلا أنها لا تُطعم الفقير قوتَ يوم، ولا تُعطي المحتاج خبزاً، بل تُدخل إلى المصارف مئات ملايين ​الدولار​ات.

فماذا ينتظر لبنان اقتصادياً ومالياً ونقدياً؟ وما إيجابية تسديد سندات الدين؟ وما آخر إجراءات المصارف؟ وماذا عن غموض اجتماع بعبدا المالي؟

أسئلة أجاب عليها في مقابلة خاصة مع "الإقتصاد"، ​الخبير الاقتصادي​ زياد ناصر الدّين:

الغموض يكتنف اجتماع بعبدا المالي.. ما رأيك بما صدر عنه؟

البيان الصادر عن اجتماع بعبدا كان مقتضبًا جدًا والمعلومات حوله كذلك، بانتظار إجراءات مصرف لبنان، وما سيصدره ​حاكم مصرف لبنان​، ولكن ما يشاع حول الاجتماع، هو أن هناك توجه لخفض الفوائد في الأسواق، وبالتالي؛ إذا اتخذ هذا الإجراء فإنه يكون واحدًا من الأشكال الإيجابية، ربما يكون غير كافيًا، لكنه يكون له وقعًا إجتماعيا إيجابية في هذا الوقت بالتحديد نظرًا للظروف التي نمر بها.

هل ستقبل المصارف اليوم خفض الفوائد للمودعين؟

رغم أننا نرى دائما أن القرارات عادة تتأخر ليتم تطبيقها، ولكن كما أسلفت فإن هذا الإجراء إيجابي. نحن كخبراء اقتصاديين، طالبنا مرارا بهذه النقطة، وهذا الإجراء يساهم في أن ​المستثمر​ بدل أن يضع أمواله في المصارف، يستثمرها في أماكن أخرى.

هل تكفي هذه الخطوة وحدها اليوم للبدء بحل الأزمة ؟

بالتأكيد يجب استتباع هذه الخطوة إذا ما طبقت بإجراءات موازية تختص بموضوع سعر الصرف، خاصة أننا نمر اليوم بأزمة مالية، وأزمة نقدية، وأزمة اقتصادية. لبنان اقتصاده غير منتج، ويستورد سنويا بقيمة 20 مليار دولار، ويصدر بملياري دولار، وبالتوازي العجز لدينا كبير جدا. أما المشكلة الكبيرة، فهي قيمة ​استيراد​ الدولار، واليوم هذه فرصة للتوجه نحو البدء بإنتاج داخلي. ومن غير المفهوم اليوم لماذا نقوم باستيراد ​مواد غذائية​ بقيمة 7 مليارات دولار، فيما مصانع الغذاء لدينا في شتورة وغيرها قادرة على تغطية الإنتاج. يجب اتخاذ إجراءات تحمي الصناعة اللبنانية، وتخفيف الجمارك عن المواد الأولية اللازمة للإنتاج.

من غير المقبول أيضا أن نستورد من إحدى ​الدول العربية​، ألبان وأجبان بقيمة 300 مليون دولار سنويا، في وقت يعد لبنان بلد الألبان والأجبان.

كذلك ليس مقبولًا أن نستورد بقيمة 80 مليون دولار سنويا، ورودًا طبيعية، فيما لبنان بلد الجبال و​المياه​، وهو قادر على انتاج كل الأنواع في الداخل.

وكثير من الصناعات التي نستوردها، لبنان قادر على تصنيعها، وصناعة الثياب إحدى هذه الصناعات التي كان بلدنا يتميز بها، من خلال المصانع الموجودة في العديد من المناطق القادرة على إنتاج الألبسة والأحذية وغيرها من الصناعات.

هل تلتزم المصارف بإجراءات اجتماع بعبدا وتعميمات مصرف لبنان ؟

الإجراءات التي تتخذها المصارف، تضعف من خلالها ثقة المودعين فيها. مصرف لبنان اليوم عمم إجراءات على المصارف لتلتزم الأخيرة بها، وإذا لم تعمل المصارف بالإجراءات التي يُطلب منها اتخاذها، فهي تكون تعمل بشكل سلبي، وضد إرادة الدولة.

في كل اجتماع مالي نرى أن القرارات والخطوات الواجب اتخاذها تعطى لمصرف لبنان، على ماذا ينطوي ذلك ؟

هذه السياسة التي نتبعها في هذا المجال أعطت لمصرف لبنان المركزي هذا الحيز، من خلال قانون النقد والتسليف. للأسف السياسة في لبنان اليوم سياسة نقدية، وليست سياسة اقتصادية إنتاجية، والاقتصاد الريعي الذي نعيشه، يعد اقتصادا احتكاريا، ارتبط بمنظومة الفوائد، ومنظومة الضرائب التي كانت مجحفة بحق المجتمع، أسفر إضعافًا في ​الاستثمارات​، وبالتالي نحن اليوم، يهمنا أن تدخل وديعة على البلد لنعطيها فائدة مرتفعة، ولا ننظر إلى أن يكون لدينا قطاعات إنتاجية فاعلة.

اليوم هناك أزمة في المصارف، وهذه المؤسسات تتعاطى اليوم مع مودعينها، على أساس التقنين المالي، وهذا يضر الاقتصاد، فنحن نمتاز بعمليات ​التحويلات​ المالية، وإجراءات المصارف، تضر بعمليات  التحويلات للتجارة الخارجية، و​السياحة​ كذلك.

المصارف اليوم تمتلك الملاءة المالية، هي تقول ذلك، وهذا تأكد من خلال ما حصل مع إحدى الشركات في الجنوب، حيث ألزم القاضي مصرفًا على تسليم المال للشركة.

المصارف تعتمد اليوم سياسة الـ Capital Control"" في حين كان هناك إصرار في بيان بعبدا المالي، على عدم اتخاذ هذا الإجراء، لماذا تتهرب السلطة المالية من تسمية الإجراءات بمسمياتها؟

المصارف في الداخل اليوم تستعمل "الكابيتال كونترول"، بكامل الوضوح، أما الدولة ترفض هذا الموضوع، لأن هذا الإجراء بؤذي لبنان والثقة به، وإذا أعلنت الدولة "الكابيتال كونترول"، فنحن نحتاج عشرات السنين، لنسترجع هذه الثقة.

المصارف يجب أن تنتبه، ونحن مقبلون على واقع جديد في البلد، وخلال 3 الى 4 اشهر ستصدر نتائج موضوع ​النفط​ و​الغاز​ في لبنان، واذا كانت النتائج إيجابية، فإن تصنيف لبنان المالي والنقدي سوف يتحسن بشكل كبير، ونكون في نقلة من مكان إلى آخر.

هل الضغوط والصراع على لبنان سيوصلنا إلى النتائج الإيجابية المرجوّة ؟

إن هذا هو لب الصراع الذي نعيشه اليوم، نحن للأسف اقتصادنا في لبنان، "إقتصاد سياسي"، وليس اقتصاد مبني على قواعد علمية. المصارف اليوم في اجتماع بعبدا كان يتعلّق أساساً بطريقة التعاطي مع الزبائن والمودعين، وهذه الطريقة المتبعة، غير مطلوبة وغير مفيدة، تضعف الثقة، وتؤذي المصارف، وتؤذينا لاحقاً في ملف النّفط والغاز، وتؤذي أيضاً في أمور أخرى متعلّقة بأي حالة إنتاجية أو أي حالة تحويلية من المغتربين.

المغتربون حوّلوا في السنوات الماضية 7 مليارات دولار، وهذه التصرفات غير مفيدة، ضربت هذه التحويلات، خاصة أن معظم العاملين في ​القطاع المصرفي​ يؤكدون، أن المصارف تتمتّع بالملاءة وتمتلك ​السيولة​.

إجراءات المصارف تؤشر إلى أنها وللأسف "مشاركة في الأزمة".

ما الحلول الواجب تطبيقها حالياً لحل سريع للأزمة؟

حاكم مصرف لبنان طلب من المصارف عدم توزيع أرباحها للعامين 2019 – 2020، بسبب الحاجة للسيولة في الداخل، وهو ما قد يوفر 4 مليارات دولار على مدى عامين.

كما طلب سلامة من المصارف جلب 2 مليار دولار من الأموال المراسلة الموجودة لدى المصارف في الخارج، والتي يتبين اليوم أنها تتخطّى الـ 10 مليارات دولار.

اليوم الأزمة كلها في لبنان تكمن في الـ 6 مليارات دولار، ومجموع ما طلبه سلامة من المصارف يعادل هذا المبلغ، الموجود أصلاً، ويستطيع المصرف الإستفادة منه خلال 6 إلى 8 أشهر مقبلة، وهو ما يغطي غالبية الحاجات للمستوردات من الخارج.

ولكن للأسف، هناك من يريد ألّا يطبق هذه الإجراءات والقوانين، وهنا تكمن نقطة ضعف "قانون النّقد والتسّليف"، حيث أنه "صحيح مصرف لبنان يصدر قرارات، لكن تنفيذها غير ملزمة على المصارف، وكانت المصارف تنفذ في السابق، لأنها حققت أرباحاً هائلة من وراء سياسة مصرف لبنان. أما اليوم، مع احتياج المصرف المركزي للبنوك، إمتنعت الأخيرة عن التلبية".

السياسة النقدية​ هذا التي سببت الأزمة التي نعيشها اليوم وهي مبنية على أسس الإستدانة والفوائد المرتفعة.

وسياسية الإستدانة والفوائد لجذب الرساميل، أثبتت أنها أسوأ سياسة اتّبعت في لبنان، وبالتّالي أوصلتنا إلى اقتصاد غير منتج، واقتصاد فيه نسبة ​بطالة​ مرتفعة.

اليوم، إما أصحاب هذه السياسية النقدية إختلفوا مع بعضهم، أو أن هناك توزيع أدوار يجري بين الأطراف.

سدد لبنان استحقاق سندات الدين الأخير لهذا العام؟ كيف جاء هذا المال وهل كان يُمكن تأجيل السداد ؟

إن هذه الأموال موجودة في ​احتياطات​ مصرف لبنان، وضعها المركزي كمؤونة سابقة من أكثر من عام.

أما الحديث عن ضرورة تأجيل هذه الدّفعة، فهذا يعني تخلّف لبنان عن دينه، وتخلّف لبنان عن السداد، يعني عاملاً سلبياً مؤثراً على أكثر من صعيد.