من المؤكد ان قطاع الكهرباء في ​لبنان​ يأتي في مقدمة ملفات ​الفساد​ الدسمة .

الرئيس الفرنسي​ ​ايمانويل ماكرون​ أكد في وقت سابق لرئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري "ان ​الحكومة الفرنسية​ مقتنعة بتقرير المبعوث الذي أمضى فترة ملحوظة في لبنان يتباحث مع المسؤولين ويبحث ولا يجد ​اصلاح​ات، ويؤكد ان الكهرباء وطريقة تسيير مصلحة الكهرباء هما المشكلة الرئيسية التي تعوق زيادة الصادرات واعمال التصنيع وتوسيع فرص العمل".

يبدو ان ورقة الاصلاحات التي قدمتها ​الحكومة اللبنانية​ ووزارة ​الطاقة​ تشمل اصلاح قطاع الكهرباء ، وزيادة التعرفة ، والحكم يربط زيادة التعرفة بتأمين الكهرباء 22 ساعة يوميًا على الاقل، ونرى أن من الصعب اقناع المساهمين في تأمين حاجات لبنان بهذه الحجج.

وكان المبعوث الفرنسي المكلف تقويم الخطوات الاصلاحية بيار دوكين قد ركز ان سوء ادارة مصلحة ​كهرباء لبنان​ مسؤول عن 63 في المئة من ​الدين العام​ المتراكم. وقال :" قد سبق لنا أن قدمنا تقريراً عام 2017 جاء فيه ان الهدر والتمادي في الهدر من ​وزارة الطاقة​ منذ 2008 يشكلان التهديد الاساسي للاقتصاد اللبناني والقدرة على تصدير المنتجات الصناعية ولا يمكن استمراره."

ما هي ابرز مكامن الفساد في هذا المرفق الذي يمتص 30% او ربما اكثر من ​موازنة​ الدولة مقابل اداء اكثر من سيء؟

مارديني

يعتبر رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني انه في البداية ، لا بد من الاشارة الى ان مرفق الكهرباء يضم الانتاج والنقل والتوزيع . وهناك هدر في القطاعات الثلاثة.

على صعيد الانتاج ، ليس بمقدورنا تأمين 12 ساعة كهرباء في اليوم ، واذا تيّسر ذلك فان الكلفة مرتفعة .

وفي النقل، نصف الكهرباء المنتجة تهدر ؛ اما يتعذر وصولها الى المشتركين، واما تتم سرقتها ، او عدم فوترتها وهي بالتالي لا يتم تسديدها . والنصف الذي يتم تسديد بدل الاشتراك عنه يفضي الى خسارة على الدولة في البيع ، لان كلفة الانتاج مرتفعة وتفوق سعر المبيع .

فالدولة ما زالت تعتمد في الانتاج على معامل قديمة ؛ نعم هناك معامل قديمة . وثمة معامل يجب اقفالها ومن المعيب الاستمرار في الاعتماد عليها مع التكلفة العالية . انها بحاجة الى الصيانة الضرورية. واما الاعتماد على البواخر فهذا يعني الكلفة الباهظة والهدر في المال .

كما انه بدل استعمال ​الغاز​ للانتاج الاقل كلفة مازال التمسك باستعمال الفيول .

وفي غضون ذلك، مع اقتراب وصول اي باخرة محملة بالفيول تبرز العوائق قبل تفريغها بفعل المهاترات مما يسفر عن دفع الدولة لغرامات عالية، الى جانب الغرامات المترتبة عن الفيول المستورد بدل الاعتماد على الغاز .

اذا ، الكلفة بالانتاج مرتبطة بالفيول وبالمعامل القديمة وبالبواخر. وهذه الاعباء تدفع من خزينة الدولة .

ويقول " للاقتصاد" هناك محاباة في ​آلية​ فوز الشركات بالعقود مع قيام الدولة بالاعلان عن الاستثمار في المعامل الجديدة ، سيما انه لا يتم ذلك الا عن طريق المحسوبية بعيدا عن معيار الكفاءة .

اما على صعيد الادارة، ففي ​التوظيف​ هناك فائض في الوظائف الصغيرة حيث يتم التوظيف بما يرضي التنفيعات ، مقابل التفريغ للوظائف الادارية التي تمارس الرقابة على عمل الوزير . وما نعني بها مجلس ادارة لمؤسسة كهرباء لبنان والهيئة الناظمة للكهرباء

لتحقيق التوازن .

كل ما ذكرناه يؤدي الى رفع كلفة الكهرباء .

ويضيف الدكتور مارديني : سارت الدولة خطوة ايجابية على الطريق الصحيح مع تصويت مجلس النواب على مشروع القانون رقم 129 في شهر آيار 2019 ، بحيث يسمح للشركات الخاصة ببناء معامل انتاج جديدة مع ادارتها ، وبيع انتاجها . وهذا من شأنه تحقيق التوفير في كلفة البناء خصوصا وان الدولة لن تستطيع الاستدانة .

الا انه للأسف ، تأخر دفتر الشروط كثيرا ، وحاولوا تفادي المرور بدائرة المناقصات ما يثير الشكوك في نخر الفساد مرة جديدة لملف قطاع الكهرباء.

وبالتالي، رفضوا وضع الملف بيد دائرة المناقصات لأن فيه عيوب جوهرية . واهمها الاشتراط على كل شركة كهرباء تريد بناء معمل لانتاج الطاقة باستقدام باخرة . وهذا ما يطلقون عليه الحل المؤقت .

وقد اظهرت الدراسات ان الحل المؤقت يكلّف اكثر من الحل الدائم ، اي ان كل شركة ستدخل الى السوق عليها احضار باخرة معها .

كما انهم كانوا يشترطون في العقود مع الشركات تشغيل نوع معيّن من ​الوقود​ لتوليد الطاقة اي الغاز ويمنعون اي نوع آخر كالطاقة الشمسية او غيرها.. .

والى ذلك ، لم يقدموا على اجراء اي ​مناقصة​ لاستيراد الغاز. والاسباب غير واضحة .

ما من وجود لاي منطق ​مالي​ واقتصادي في اللجوء الى البواخر . وانما يريدون ايهام الناس انهم اوجدوا الحل لمشكلة الكهرباء.

ويؤكد مارديني ان الكهرباء مسؤولة عن نصف ​افلاس​ البلد . 45% من الدين العام يتحمل مسؤوليته هذا القطاع او سوء ادارته من قبل الدولة وما راكمته من كلفة عالية جدا.

البواخر التركية تعطينا انتصارا سياسيا مفاده اننا نستطيع توفير الكهرباء بشكل سريع ولكن بكلفة عالية جدا.

وها نحن اليوم نسدد جزءا من كلفتها عن طريق ​الديون​ . كلفة ​انتاج الكهرباء​ بالبواخر اكثر بكثير بالمقارنة مع كلفة انتاجها على البر. كلفة انتاج الكهرباء من الفيول على الباخرة اكثر من ضعف كلفتها على الارض .

السعر المؤمن لانتاج الطاقة في معمل دير عمار2 هو اقل بالنصف من السعر المقدم من البواخر والذي بحدود 200مليون دولار في السنة . وحتى انه كان بالامكان تخفيضه الى اقل ايضا في معمل دير عمار 2.

الامتيازات

احد اسباب علل الكهرباء الامتيازات التي تشتري الكهرباء بادنى الاسعار من كهرباء لبنان وتبيعها لمشتركيها باسعار أعلى . كيف يجب التعامل مع هذه الامتيازات ؟

هنا يرى الدكتور مارديني ان الدولة في الاساس تبيع الطاقة بخسارة ، وبالتالي ، الامتيازات تبيعها بسعر أعلى ، ولكن هذا يبقى أقل من كلفة الانتاج.

المشكلة لا تكمن في اصحاب الامتيازات ولكن في كلفة الانتاج. وبدل ان تفرض الدولة على هذه الامتيازات شراء الكهرباء منها، عليها السماح لاصحابها ببناء معامل انتاج وبيعها الى المشتركين . وهكذا تكون قد امنّت المزيد من الانتاج مع تخفيض الضغط على كهرباء لبنا ن التي لا تستطيع سوى تأمين 12 ساعة كهرباء.

ولو نجحت هذه الاخيرة في انتاج الكهرباء بكلفة أقل من المؤسسة لكانت باعت سعر الكيلو واط بسعر اقل ومعقول ، مما يعني تخفيض الخسائر على كهرباء لبنان التي تجني خسارة عن كل كيلو واط تبيعه.

في الملخص، نحن بلد ليس عندنا كهرباء والدولة تمنع الشركات الخاصة من انتاج الكهرباء بسعر منافس .

الاداء الاسواء عالميا

لا شك انه الاداء الاسواء . في اي مرتبة عالمية اليوم هو اداء الكهرباء في لبنان ؟

يقول الدكتور مارديني انه وفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي في مؤشر التنافسية العالمي ، بين العام 2017 و2018 مرتبة الكهرباء في لبنان على صعيد النوعية هي 134 من اصل 137، اي هناك 3 دول فقط بعد لبنان . وهذا معيب.

صحيح ان المولدات الخاصة تساندنا اليوم . ولكن الكهرباء الموّزعة عن طريق المولدات هي مرتفعة السعر ايضا .

الاجراءات السريعة

وعن الاجراءات السريعة الواجب على الحكومة الجديدة الانقاذية اتخاذها لتأمين الكهرباء 24 ساعة باقصى سرعة مع المدة الزمنية المطلوبة ؟

يقول الدكتور مارديني : بالنسبة للانتاج على الدولة ان تسمح بدخول منتجين جدد الى السوق بدون اي شروط مسبقة . وذلك عن طريق مناقصة شفافة طبقا لدفتر شروط تضعه ادارة المناقصات .

وفي ما يتعلق بالنقل ، من المفترض تسليمه لشركة خاصة تنصرف الى اصلاح القطاع عن طريق عقد Rehabilitated Operate On ROO))

اي الشركة تدفع من جيبها كلفة الاصلاح لوقف الهدر الى جانب ادارتها للشبكة .

ومن مدخول هذه الادارة تستطيع استرداد الكلفة .

وبالنسبة للتوزيع ، من المفترض تغيير عقد موّزعي الخدمات لأن الدولة تدفع وتتحمل خسائر الفواتير غير المجباة . لذلك يجب ان تقوم شركات موزعي الخدمات بشراء انتاج الكهرباء من المنتجين لتتم فوترتها و بيعها .

وفي غضون ذلك ، على شركات التوزيع والانتاج تسديد ايجارها للشبكة الى شركة النقل.

في النهاية ، لا بد من القول انه في عالم السياسة حل ازمة الكهرباء معضلة حقيقية . اما على الصعيد العلمي ، فهي عملية سهلة بحاجة الى قرار جدي بعيدا عن ​المحاصصة​ والتنفيعات.