بدأ ال​لبنان​يون يشعرون بتداعيات الأزمة التي لطالما أنكرت القوى السياسية وجودها. لسنوات عديدة، حذّر الخبراء الإقتصاديون من النهج الذي تتّبعه الحكومات المتعاقبة إن كان لناحية إهمال القطاعات المنتجة أو لناحية الكيديّة السياسية وإبقاء مصالح البلد رهن خلافاتهم، إلى ​الفساد​ و​المحاصصة​ ومبدأ "مرّقلي ت مرّقلك".

في الأسواق: أسعار السلع ترتفع بنسبة تتراوح بين 10 و 20%، وفي ​المصارف​: الأموال تسلّم لأصحابها "بالقطّارة"، وبحسب الجميع "الآتي أعظم". أمّا سياسيًّا، فإن المناكفات التي أدّت بنا الى ما نحن عليه اليوم، مستمرّة، وأحوال المواطن المتوقّفة على كافّة الأصعدة لا تزال تنتظر توافق السلطات والأحزاب على مخرج "قد يرضي الشعب وقد لا يرضيه" (بعدما كان قد خطر لهم تسمية الوزير السابق، رجل الأعمال محمد الصفدي).

هل دخلنا في مرحلة الإنهيار وهل لازالت المعالجة ممكنة؟ ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها؟ وإلى أين نتّجه اليوم؟ لمعرفة المزيد حول هذه المواضيع وغيرها كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع الخبير الإقتصادي د. ​سامي نادر​:

ما هي رؤيتك لما يحصل في ​القطاع المصرفي​ اليوم، هل هي فعلاً خطوات إحترازية لتجنّب الإنهيار لحين إيجاد الحلول أم أننا فعلاً دخلنا مرحلة الإنهيار؟

لبنان دخل مرحلة الإنهيار رسميًّا. محاولات التلطيف لم تعد ممكنة. لم نصل الى القعر بعد، لكننا داخل الأزمة والحل ليس صعباً علينا فقط أن نستمع الى الشارع. اللبنانيون اليوم لا يطالبون بأمور تعجيزية، كل ما يطلبونه هو حكومة "أوادم ومتخصّصين".

- ما هي الحلول التي ممكن أن تكون تنقذنا من هذه الأزمة برأيك؟

الحلول معروفة والموضوع ليس "علم صواريخ"، الأّ أن النوايا دائماً هي العائق. الحلول تبدأ من خفض عجز الخزينة والذي يتركّز معظمه في قطاع ​الكهرباء​، ثم خدمة الدين بالإضافة إلى الإنتفاخ الهائل في ​القطاع العام​.

ثانياً، عجز المدفوعات الناتج عن خروج العملة الصعبة من لبنان بنسبة تفوق بكثير ما يدخل اليه نتيجةً لتراجع قطاع ​السياحة​ والصادرات و​التحويلات​.

هذه التغييرات تحتاج أولاً الى حكومة توحي بالثقة وتعمل على مصالحة لبنان مع محيطه والعالم. كما نحتاج بالتأكيد الى سياسة نقدية مختلفة عن المتبّعة اليوم والتي رأينا أنها باتت تهدّد ليس فقط القطاع المصرفي بل كافّة القطاعات الإنتاجية. رأينا أن سياسة العمل على جذب الودائع عبر رفع أسعار الفائدة، لم تخنق فقط الإقتصاد الحي بل خنقت المصارف أيضاً.

أمّا بالنسبة لتأمين ​السيولة​، هنا يجب تفعيل الخصخصة وعقد الشراكات، ولكن بعد إعادة المالية العامة الى المسار الصحيح.

- هل ترى أن خطوة شطب ديون الدولة للمركزي قابلة للتنفيذ، وما الذي يجب أن يرافق هكذا خطوة؟

يمكن أن تنفّذ ولكن ليس الآن بالتأكيد، لا يمكن القيام بهكذا خطوة قبل تحقيق الإصلاح، وإلا سيكون الموضوع أشبه بمريض تمدّينه بالدم من جهة وجسده ينزف هذا الدمّ من جهة أخرى.

هذه الدولة ليست في حالة سليمة. ​اقتصاد​ ينتج 50 مليار دولار في العام، هل من المنطقي أن ينفق 20 مليار دولار؟

- كيف ترى التحركات القضائية التي انفجرت دفعة واحدة اليوم، هل أنت متفائل حيالها أم أنها مجرّد خطوات لامتصاص الإحتقان؟

الأمر يعتمد على النتيجة التي يجب أن تكون سريعة وأن تدخل المال الى الخزينة وإلا فإنها شكلية وهدفها فقط امتصاص غضب الناس.

وفي هذا الموضوع الشكر لغضب الشارع ولا أحد غيره، الشارع هو الذي دفع بالقضاء الى التحرّك. وطبعاً من غير الضروري التذكير بأن جديّة تعامل القضاء ستظهر إن طالت إجراءاته كافّة الأفرقاء السياسيين دون الخضوع الى أي خطوط حمراء.

- ما هي توقعاتك للمرحلة المقبلة، خاصّةً وأن الطبقة السياسية لا زالت ترفض التواضع حتى اليوم وهي مستمرّة في النهج نفسه؟

شخصياً، ومع هذا النهج الذي تتعامل به قوى السلطة اليوم، أنا بدأت بالتفكير في مرحلة ما بعد الإنهيار. عدد كبير من العاملين في ​القطاع الخاص​ تقاضوا نصف أجر الشهر الماضي، ولا ضمانة بأنهم سيتقاضون النصف الآخر الشهر المقبل، هذا كلّه سيؤدي الى نتائج مأساوية.