"استعادة ​الأموال المنهوبة​"... شعار سمعناه آلاف المرات منذ بدء ​الحراك الشعبي​ في 17 تشرين الأول؛ اذ طالب به الشارع، وتبنّته مختلف الجهات السياسية، وحتى القضائية. فبدأ مسلسل تقاذف المسوؤليات لتبرير أسباب عدم تطبيقه الى حد الآن، وبات هذا الموضوع يتصدّر معظم النقاشات الرسمية، الإعلامية، والخاصة...

فما هي الآلية القانونية التي من الممكن اتباعها من أجل إعادة الأموال المنهوبة والمسروقة؟ بكم تقدر هذه الأموال؟ كم يتطلب الأمر من الوقت من أجل البدء باسترجاعها؟ هل هناك أي إفادة أو منفعة من "موجة" رفع ​السرية المصرفية​ السائدة منذ فترة؟...

تابع هذا المقال الذي عالج من خلاله موقع "الاقتصاد"، هذه الأسئلة الشائكة من الناحيتين، القانونية والاقتصادية:

صفير

أشار الأستاذ في القانون الدولي د. أنطوان صفير، الى أن مصطلح "الأموال المنهوبة" ليس دقيقا في القانون، ومن المفضل استخدام "الأموال المستحصل عليها بصورة غير شرعية"، مؤكدا وجود أموال مسروقة من خزينة الدولة ال​لبنان​ية، أكان في المناقصات، في التلزيمات، أو في بعض الفواتير الوهمية أو المزورة.

وأوضح أن الآلية الأساسية لاستعادة هذه الأموال، تقضي بتطبيق قانون الإثراء غير المشروع، إضافة الى قانون مكافحة ​تبييض الأموال​ و​تمويل الإرهاب​. كما أشار الى وجود هيئة تحقيق خاصة في ​مصرف لبنان​، تتمتع بصلاحيات كاملة وشاملة على كل ما يملك الشخص من أملاك وأموال في لبنان والخارج؛ مع العلم أنها لا تمتلك سلطة مباشرة خارج الحدود اللبنانية، بسبب سيادة الدول الأخرى.

وقال د. صفير: "بإمكان الهيئة الخاصة، التعاون مع الجهات الخارجية، من أجل الحصول على المعطيات والمعلومات، حول كل ما يملك هذا الشخص من حسابات أو عقارات أو غيرها".

كما لفت الى أن الآلية موجودة، لكنها بحاجة الى التفعيل من خلال قرارات سياسية، وهذا الموضوع سهل التطبيق، وليس بالصعوبة التي يراها الناس، وذلك لأن الأموال موجودة إما في مصارف، وإما على شكل عقارات، أسهم ويخوت، وبالتالي يمكن إيجادها واستعادتها كما حصل في العديد من الدول.

وأضاف: "لقد بدأ بالفعل هذا المسار، ولكن نتمنى أن لا يصل الى طريق مسدود، وأن لا يكون انتقائيا، على الصعيدين السياسي والطائفي"، مشددا على ضرورة التزام هذا المسار بالاستقلالية، وأن يكون عاما، أي لا يستثني أحدا في السياسة، أو في الإدارة، أو في القضاء، أو في أي موقع كان.

ولفت د. صفير، الى أن "النظام المالي العالمي مرتبط ببعضه البعض، كما أن قواعد الامتثال تمتاز بالدقة العالية، حتى في ما يتعلق بالمبالغ الصغيرة، فما بالك بالمبالغ الضخمة كالتي يحكى عنها؟".

وأكد أن الأمور لا تحل برفع السرية المصرفية فحسب، بل إن المشكلة تتطلب قانون لتعديل سرية ​المصارف​، ليصبح بذلك الجميع تحت طائلة الملاحقة القضائية. وقال: "سيضطر حينها المتّهمون، لتبرير مصادر الأموال التي يمتلكونها؛ وكل مال غير مبرر، يوضع في خانة تبييض الأموال".

وطالب د. صفير الشعب اللبناني، بالتحرك في اتجاه هذا المطلب، لأنه من خلال هذه الطريقة وحدها، يمكن سدّ العجز و​الدين العام​، وإعادة الاقتصاد الى الازدهار. كما شدد على أن أي تدبير آخر، سيؤدي الى المزيد من الغرق في الديون وفوائدها، وفي الركود الاقتصادي، وفي زيادة حدّة ​الفقر​.

وتابع: "يجب أن تعود الأموال التي أخذت بطرق غير شرعية، الى خزينة الدولة، من أجل سدّ العجز، والبدء بتنفيذ المشاريع الإنشائية والإنمائية".

علامة

بدوره، لفت المحلل المالي والإقتصادي د. بلال علامة، الى أنه من المستحيل تحديد رقم دقيق حول "الأموال المنهوبة" والمهدورة والتي أسيء استخدامها في لبنان، على مدى 30 عاما، لكن يمكن تقدير هذه الأموال بحوالي 150 مليار دولار.

أما حول طريقة استرجاعها، فلم يؤيد د. علامة رأي د. صفير في سهولة تطبيقها، وأكد أن هذه العملية شائكة ومعقّدة للغاية، فبموجب قانون الإثراء غير المشروع، المتبع في لبنان، يجب على كل شخص يريد تقديم شكوى معينة ضد شخص آخر، بتهمة الإثراء غير المشروع، أن يدفع مبلغ 25 مليون ليرة – مع العلم أنه، في الكثير من الأحيان، يمتلك الإثباتات التي تدين الجهة المدعى عليها. واذا لم يصدر الحكم، في النهاية، لمصلحة المدعي، عليه دفع غرامة تصل الى 200 مليون ليرة.

وأضاف: "بسبب افتقادنا الى قضاء مستقل، فإن الصيغة الأفضل لاستعادة الأموال المهدورة أو المسروقة، الناتجة عن عمليات غير قانونية، هي من خلال تشكيل محكمة مالية خاصة تتمتع بالاستقلالية الكاملة، قادرة على دراسة جوانب الأمور كافة، وفتح الملفات، وإصدار الأحكام. وعندما تصدر هذه الأحكام القضائية، سنتمكن من استرجاع أي أموال أينما وجدت، حتى لو كانت خارج لبنان، أو تم انتقالها الى ملكية أخرى".

وأوضح د. علامة، أن هذه العملية تتطلب بعض الوقت، في حال وجود محاولات لعرقلتها، ولكن إن لم تتم عرقلة مسارها، فمن الممكن أن تُحَل الأمور في حوالي ثلاثة أشهر، مشددا على أن الكرة موجودة اليوم في ملعب السلطة التشريعية أو ​مجلس النواب​، الذي عليه أن يقر قانون استقلالية القضاء كليا عن السلطة السياسية، ومن ثم إعطاء الصلاحية لتشكيل هذه المحاكم الاستثنائية أو اللجان الخاصة التي تساهم في دراسة هذه المواضيع.

كما أكد أن إجراء رفع ​السرية المصرفية، لا يعتبر كافيا للكشف عن ​الفساد​ واستعادة ​الأموال المنهوبة، والحل الوحيد يكمن في تشكيل هيئة قضائية شريفة مستقلة، بعيدا عن الضغوط السياسية، تتمتع بصلاحيات واسعة، من أجل التحقيق في المراحل السابقة بكاملها.

بو دياب

​​​​​​​

أما عضو هيئة مكتب ​المجلس الاقتصادي​ والاجتماعي والأستاذ الجامعي، د. أنيس بو دياب، فلفت الى أنه كلما استرجعنا المزيد من الأموال المنهوبة، كلما استفادت خزينة الدولة أكثر، وكلما خفضنا الدين العام بشكل أكبر. وقال: "فلنتخيل أن هناك فرد مديون بـ100 ليرة، وسرق أحد منه 50 ليرة، لكنه تمكن من استرجاع 25 ليرة من هذه الأموال المسروقة. وبالتالي أصبح دينه 75 ليرة بدلا من 100 ليرة؛ وهذا بالتحديد ما سيحصل في حال تم استرجاع الأموال المسروقة".

ولفت الى أن هذه العملية طويلة، لأن جزء من الأموال المنهوبة أو غير الشرعية، هي على شكل أموال تم تبييضها، من أجل دخولها الى الأسواق الخارجية.

وأضاف د. بو دياب: "قبل 17 تشرين، كنت شبه متأكد من أن استرجاع الأموال المنهوبة هو غير قابل للتحقيق على الإطلاق، ولكن بعد هذا التاريخ، تحليت بالأمل، وأصبحت متفائلا بـ"ثورة ​الشباب​"، وأفكارههم المبدعة".