نشرت صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية مقالاً حول طلبات متزايدة لخفض ​ساعات العمل​ الطويلة في بورصات ​أوروبا​.

وقالت الصّحيفة: غيّر الكثير من الآباء والأمهات العاملين في أسواق ​لندن​ المالية مسارهم والتوجه إلى مسارات مهنية تناسب احتياجات عائلاتهم نتيجة طول ساعات التداول.

وتقول راشيل برزيبيلسكي، رئيسة الشؤون التنظيمية لدى شركة "ساكسو ​كابيتال​ ماركتس"، حصلت على هذه الوظيفة بعد أن كانت من موظفي مكاتب التداول الأمامية: "لا أريد أن تتدهور حياتي المهنية لأنني أُم".

إنها تستمتع بوظيفتها، ويمكن أن تتناسب مع عائلتها، لكنها تطرقت إلى عملها السابق في مكتب الأسهم لدى شركة "​نومورا​ للخدمات المالية". قالت: "الساعات الطويلة جزء من العمل. حتى لو أردت أن أعود إلى العمل في ذلك المكتب، هل كان يمكنني ذلك؟"

قد تتغير تلك المفاضلة قريبا. فهذا الأسبوع طالبت اثنتان من أكبر الهيئات الصناعية في الأسواق المالية في أوروبا بتشجيع من موظفي الخدمات المصرفية، والسمسرة، والتداول، والاستثمار بأن تؤخر البورصات افتتاح جلسات تداول الأسهم ساعة واحدة، إلى الساعة التاسعة صباحا، ويكون الإغلاق قبل نصف ساعة من الموعد الحالي، أي عند الساعة الرابعة مساء.

وقالت "​بورصة لندن​ للأوراق المالية"، إنها ستتشاور بشأن هذه المسألة، الأمر الذي قد ينتج عنه أول تعديل لساعات التداول منذ 20 عاما.

على مدى 8 ساعات ونصف الساعة، تكون أسواق الأسهم في أوروبا مفتوحة فترة أطول بكثير من المراكز العالمية الأخرى.

تجري ​نيويورك​ أعمالها في غضون ست ساعات ونصف الساعة، بينما تغلق البورصات في كل من ​هونغ كونغ​ و​طوكيو​ لتناول الغداء.

فيما في لندن، المتداولون عادة في مكاتبهم منذ الساعة السابعة صباحا، الموعد الذي يتم فيه نشر معلومات حساسة تتعلق بالأسعار، مثل الأرباح الفصلية.

وبعد إغلاق الأسواق وانتهاء يوم التداول، هناك عدد من المهام المختلفة الأخرى، وهذا يعني أن المتداولين يعملون بانتظام 11 ساعة يوميا، باستثناء الوقت الذي يقضونه في طريق الذهاب إلى العمل أو في الترفيه.

ويرى عدد متزايد من ​المصارف​ والمستثمرين الآن، أن مثل هذه الساعات الطويلة ليست ضرورية وأنها تضر بالصحة العقلية للعاملين في هذه المجال، في حين تعزز التمييز الجنسي والثقافي.

وفيما يخص هذا الموضوع فإن جالينا ديميتروفا، من "إنفستمنت أسوسييشن"، وهي هيئة تمثل مديري الصناديق وتتولى قيادة الدعوة إلى جانب رابطة الأسواق المالية في أوروبا التي تمثل المصارف بصورة عامة، قالت: "نحن مقتنعون بأن هذه ستكون خطوة مهمة نحو صناعة قادرة على جذب مزيد من المواهب المتنوعة".

هذه الحملة بعيدة كل ​البعد​ عما كان عليه الحال مطلع القرن، عندما كان من المألوف رؤية حانات الحي المالي في لندن ممتلئة بالمتداولين الذكور.

أصبح تداول الأسهم الآن مؤتمنا بدرجة عالية، حيث يتطلب توظيف عدد أقل من الأشخاص. في الوقت نفسه، أحدثت الاتصالات الإلكترونية ثورة في كيفية استيعاب الأشخاص للأخبار وتفاعلهم معها، حيث تم تسليم الآلات كثير من تلك الوظائف الإدارية في الوقت الحالي.

مع ذلك عادة الوصول إلى العمل قبل الساعة السابعة صباحا ما زالت مستمرة، وتسبب كثيرا من الضرر. قال جيمس بلاكبيرن، وهو بائع أسهم سابق لدى شركة "​ميريل لينش​ آند إكزاكشن": "إذا كنت تبلغ من العمر 40 أو 50 عاما ولديك عائلة، فلا شك أن هذا سيكون له تأثير ملحوظ في تحقيق التوازن بين العمل والحياة".

بصرف النظر عن الإجهاد البدني بسبب الذهاب إلى العمل يوميا من الساعة الخامسة صباحا، يقول المشاركون في السوق أيضا إن بداية التداول في وقت مبكر أصبحت الآن أقل منطقية.

فالنفوذ المتزايد للصناديق المتداولة المتتبعة للمؤشرات يعني أن أحجام التداول تتركز الآن في المزاد الختامي، في الدقائق الأخيرة من التداول التي تحدد السعر النهائي للأسهم في ذلك اليوم. وبشكل عام، تشير تقديرات رابطة الأسواق المالية في أوروبا إلى أن الساعة الأخيرة من التداول تمثل 35 % من إجمالي حجم التداول اليومي.

فالساعات ​الأقصر​ لا يبدو أنها ستحد من فرص التداول.

وتشير تقديرات شركة "نيو فايننشال الاستشارية"، إلى أن أحجام التداول في أسواق الأسهم في ​المملكة المتحدة​ و​الولايات المتحدة​ شبه متطابقة، بالنسبة إلى الرسملة ​السوقية​ المجمعة، على الرغم من أن يوم التداول في الولايات المتحدة أقصر 90 دقيقة.

وأشارت البورصات الأوروبية الأخرى إلى أنها على استعداد للنظر في تقليص ساعات التداول، بما في ذلك "سي بي أو إي يوروب"، و"​ناسداك​"، و"يورونكست" التي تدير ست بورصات أسهم بما في ذلك بورصتا ​باريس​ وأمستردام.

أما سوق الأوراق المالية في ​مدريد​ "BME" لا تؤيد ذلك.

وبعيدا عن الأسهم، المشاركون في السوق تساورهم الشكوك بأن ساعات التداول الأقصر في سوق الأسهم قد تجبر الأسواق الكبرى الأخرى، مثل أسواق العملات، أو أسواق العقود الآجلة، أو أسواق السندات، أو أسواق المقايضات، أن تحذو حذوها.

هذه الأسواق الأكبر بكثير تكون مفتوحة لفترة أطول من سوق الأسهم، وبعضها تستمر عمليات التداول فيها طوال الليل، وتتوقف فقط في عطلات نهاية الأسبوع.