حالة من الترقب والقلق يعيشها لبنان في ظل المؤشرات ال​اقتصاد​ية الآخذة في التراجع.

فيما تستمر الأزمة النقدية في مسارها التصاعدي، مع إقفال ​المصارف​ أبوابها تحت مبررات مختلفة، للحد من سحب ​الدولار​ ووقف تحويلات صغار المودعين، بعد معلومات متقاطعة عن سماح ​مصرف لبنان​ لعدد من كبار المتمولين بسحب ودائعهم إلى خارج لبنان، خلال الأسابيع الماضية.

أما وكالات التصنيف الائتماني فلم تخرج عن سياق ​الأزمة الاقتصادية​ المستفحلة، حيث عمدت كل من "​فيتش​" و"​موديز​" و"ستاندرد آند بورز"، إلى خفض التصنيف الائتماني للدولة، ولعدد من المصارف. ما رفع من نسبة القلق من قبل المستثمرين والمودعين والمواطنين.

وفي حديث خاص لـ "الاقتصاد" مع الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان عن ​الأزمة المالية​ والاقتصادية الحالية، يتحدّث عن الإجراءات الموحّدة التي أعلنت المصارف تبنيها حتى تفتتح أبوابها والتي تتمثل بالتالي:

1 – لا قيود على الأموال الجديدة المحولة من الخارج.

2 – التحويلات إلى الخارج تكون فقط لتغطية النفقات الشخصية الملحة.

3 – لا قيود على تداول الشيكات والتحاويل واستعمال ​بطاقات الائتمان​ داخل لبنان.

4 – تحديد المبالغ النقدية الممكن سحبها بمعدل ألف دولار أميركي كحد أقصى أسبوعياً لأصحاب الحسابات الجارية بالدولار.

5 – الشيكات المحررة بالعملة الأجنبية تدفع في الحساب.

6 – يمكن استعمال ​التسهيلات التجارية​ داخلياً ضمن الرصيد الذي وصلت إليه بتاريخ 17 تشرين الأول 2019.

ويقول أبو سليمان، إن "هذه الجراءات هي إعلان رسمي باعتماد ​آلية​ الـ "Capital Control". البنود أكدت ذلك، خاصة التي تتعلّق بالقيود على الرّساميل والتحاويل، ومن ثم السقف والقيود على السحّب وهو "ألف دولار أميركي كحد أقصى أسبوعياً"، وبالتالي هذا يعدُّ تحكّما بالرّساميل".

ويضيف: "هذا الإجراء أصبح رسمياً، ولكن أين دور أجهزة الرقابة اليوم ؟!، والهيئة الرقابية المالية في مصرف لبنان من هذا القرار".

وعن شرعية وقانونية القرارات المتّخذة يقول أبو سليمان، إن "الحسابات الجارية، قانونياً لا أعتقد أن المصارف تستطيع أن تتحكّم فيها أو أن تقول: (إن الزبون لديه الحق بالتّحويل أو ليس لديه الحق).

وهناك المادة 123 من قانون النّقد والتّسليف، التي تقول: (تخضع الودائع لأحكام المادّة 307 من قانون التّجارة، وبالتالي فإن الوديعة يتم تشغيلها من قبل المصرف، بحسب ما يشاء وكيف ما يشاء، إنما عند الإستحقاق إذ طلب المودع ودائعه، فعلى المصارف أن تلبّي الطلب ولو بدفعة واحدة أو بدفعات".

وعبر أبو سليمان عن خشيته من حصول تجاذب قانوني بين المودعين من جهة وبين المصارف من جهة أخرى، وقال: "عندها نكون قد ضربنا ​القطاع المصرفي​ أكثر".

وعن حديث ​حاكم مصرف لبنان رياض سلامه​ الأخير والمتعلق بالودائع وإجراءات المصارف أشار أبو سليمان إلى أن "حديث حاكم مصرف كان غير واضح ومبهمحيث قال إن على المصارف تيسير العمليات المالية وتيسير طلبات المودعين، فيما غابت المعايير التطبيقية الواضحة".

هل من خيارات أخرى غير القيود على التحاويل وعمليات السحب ؟

"لا خيارات أخرى حالياً، والقيود ضرورية اليوم، لأن انخفاض احتياطي المصرف المركزي من ​العملات​ الأجنبية، سيسبب مقاومة يومية للدفاع عن سعر صرف الليرة، ومن خلفه فإن الإستيراد يمكن أن يهتز.

هناك خيار وهو التحكّم بالفوائد على الحسابات الدّائنة، لأنه عندما تحكم السّيطرة وتفرض قيوداً تمنع بذلك هروب الرّساميل.

وبذلك تقوم المصارف بإغلاق أصحاب هذه الحسابات الدّائنة إلى تخفيض نسب الفوائد، ومن بعدها الدّولة ممثلة بمصرف لبنان و​وزارة المالية​، تستطيع أن تتفاوض على الحسابات المدينة لتخفّض فوائدها وهذا يختص ب​القطاع العام​.

الإنكماش الإئتماني الذي نعيشه بسبب الفوائد المرتفعة، وبسبب مزاحمة القطاع العام للخاص الخاص للإستدانة، فالمال الذي كان يأتي كودائع للمصارف، كان يوظّف بغالبيته في مصرف لبنان والدّولة، لأن الدّولة تحتاج تمويلاً لعجزها وحاجاتها، فيما كنا نشهد عجزاً في ميزان المدفوعات.

ما المطلوب اليوم لاستعادة السيطرة المالية والنقديّة ؟

نشهد اليوم فقدان سيطرة مالية ونقديّة، وللتصدّي لهذه الأزمة الثلاثية الأبعاد "سياسية – اقتصادية – مالية"، يجب بالدّرجة الأولى، اتخاذ إجراءات سياسية عبر تشكيل حكومة سريعاً تعيد ترميم الثّقة المفقودة. وبالدّرجة الثانية، يجب الشّروع في هذه الإصلاحات المصرفية والمالية، لنستطيع تحريك العجلة الاقتصادية وتخفيض وتيرة الدّين التي ترتفع والفوائد والنزيف.

أما الخطوة الثالثة، فنحن أمام إلزامية محاكاة المنظّمات والدّول المانحة، التي لا يمكن مخاطبتها إلا بالشّروع في إصلاحات، وهذه شروط فرضت لتحرير الـ 11 مليار دولار الخاصة بـ "سيدر".

نحن نعيش فراغاً قاتلاً، ونحن في "اقتصاد خدماتي"، ومفتاحه يعتمد على الإزدهار، ونهوضه يأتي بالإستقرار السياسي والأمني، واليوم نفتقد للإستقرار السياسي، وعندما تطلب المصارف الحماية الأمنية، فذلك يعني أننا بتنا نخشى على الوضع الأمني أيضاً.

ما الذي سنشهده بعد افتتاح المصارف ؟

"منذ بداية الأزمة وأنا أطالب بتوحيد معايير الخدمات، على ألاّ تكون هناك معايير إستنسابية، ومزاجية، أو غب الطّلب. وأؤكد على ضرورة مخاطبة الجماهير والمودعين، لأن أهم ما هو مطلوب في الأزمات هو وجود الشفافية والوضوح.

للأسف، منذ بداية الأزمة، أطلّ علينا رئيس جمعية المصارف مرّة واحدة بعد اجتماع بعبدا، في ظل شهر من الإضطرابات وترك المودع وحده في ظل ضرورة تطمين المودع خلال الأزمة، في حين شهدنا إجراءات مصرفية مختلفة، تشتد كل يوم، ما أثمر فقدان للثقة، وحالة من الهلع، فيما أهم شيء في القطاع المصرفي وأكثر ما يهم هو ليس الملاءة، إنما الثقّة.

كيف سيؤثر تخفيض تصنيف ​الإقتصاد اللبناني​ وما صاحبه من تحفيض لأكثر مصارف لبنان ؟

في الوضعين المالي والاقتصادي، كان خفض وكالة التّصنيف العالمية تصنيف لبنان وأكبر المصارف متوقّعاً، إن تخفيض التّصنيف هو معيار للمستثمرين، وكيف بمثابة توجيه للمستثمرين، وإذا هناك مخاطر.

وفي ظل هذه الأوضاع فإنه من الجنون المجازفة، والتوجه للخارج لإصدار سندات خزينة، وأنا متأكد أن وزارة المالية غضّت النظر عن الإصدار الجديد التي كانت تحضّر له مسبقاً، لأنه في حال صار هناك اكتتاباً فستكون الفوائد مرتفعة جداً، بسبب الإضطراب السياسي والأمني والإقتصادي والنقدي.