بين التفاؤل والتشاؤم حيال ​الاقتصاد اللبناني​، تقف أزمة الثّقة عاملاً أساسياً لإيجاد الحلول أو للذهاب نخو الإنهيار.

الثقة المفقودة اليوم بالساسة وبالإقتصاد أدّت إلى تواصل حالة الشلل بمختلف القطاعات الاقتصادية، وأبرزها ​المصارف​ والاتصالات و​الوقود​، بالإضافة إلى تصاعد المخاوف من إغلاق المصانع ومؤسسات أخرى حيوية.

كما استمر تراجع سعر الليرة في أسواق ​العملات​ رغم تطمينات المصرف المركزي، في الوقت الذي شهدت فيه أسواق السلع موجات غلاء جديدة وسط تحذيرات من ​كارثة​ غذائية بسبب توقف ​استيراد​ السلع في ظل تعثر التسهيلات المصرفية.

ويربط ​الخبير الاقتصادي​ د. غازي وزني في مقابلة خاصة مع "الاقتصاد" حل الأوضاع المالية والنقدية الصعبة بأكثر من مسار، على رأسها معالجة سياسية عاجلة للوضع القائم.

وأكد د. وزني، أن معالجة الأزمة السياسية تنعكس ارتياحاً، وتتسبب في تراجع المخاوف والقلق، عند المودعين والمواطنين والإستهلاك على السّواء.

وأضاف: "الإنطلاقة يجب أن تكون عبر تشكيل حكومة إنقاذية إصلاحية، تلبّي مطالب الحراك، والمستثمرين ورجال الأعمال، وتأخذ بعين الإعتبار الوضع السياسي، ومطالب المجتمع الدّولي، وحين ذلك يمكن أن نقول أننا بدأنا بحسر الخوف والقلق لدى المودعين، وتخفيف السحوبات التي تحصل من المصارف، ويمكننا الإستفادة من وعود المجتمع الدّولي بدعم لبنان.

وفيما يخص إغلاق المصارف قال وزني: "من المؤكّد أن إقفال المصارف يعود لأسباب متعدّدة، والسبب الأوّل هو حماية الموظّفين بعد الإشكالات التي حصلت في الفترة الأخيرة بعد إعادة افتتاح المصارف أبوابها.

السبب الثاني، يعود للإجراءات التي تتخذها المصارف منذ إعادة فتح أبوابها بشكل غير مدروس وغير متقن، وهو ما زاد المخاوف لدى المودعين والناس بشكل عام.

على المصارف هنا أن تأخذ إجراءات أكثر دراسة وأكثر وضوحاً، وتعممها على الموظفين لديها حول كيفية التعاطي مع المواطنين والسحوبات وحقوقهم.

أما السبب الثالث، وهو بدء معالجة الأزمة السياسية التي تعد عنصراً مساعداً، فعندما تفتح المصارف أبوابها بعد الحل السياسي يكون الناس أكثر ارتياحاً وأقل تهافتاً على المصارف".

وفيما يختص أزمة الدّولار أجاب: "أزمة الدّولار قابلة للحل إذا كان المناخ العام للبلد قد عولج وتحسّن، وبدأت التدفقات المالية تأتي من الخارج.

والمشكلة الرئيسية لدينا اليوم، تكمن في العجز المرتفع في ميزان المدفوعات، الذي يقارب حالياً الـ 4.8 مليار دولار".

ويقول وزني، "إن أزمة الدّولار اليوم مرتبطة بعنصرين:

* وقف مخاوف الناس وتهافتها على شراء الدّولار وتكديسها في البيوت والتي قاربت قيمتها 3 مليارات دولار.

* التخفيف من حجم الإستيراد، حيث يستورد لبنان سنوياً 20 مليار دولار، والدّولة نتيجة تراجع التدفقات المالية، ليست لديها القدرة على تلبية حجم الإستيراد، ولأجل ذلك تكفّل ​مصرف لبنان​ بتلبية استيراد 3 سلع رئيسية، وهي ​القمح​ و​المحروقات​ و​الأدوية​، التي تبلغ كلفتها السنوية بين 5 و 6 مليارات دولار. فيما طلب من المصارف، تلبية سلع أخرى من أموالها، وهي سلع رئيسية حيوية تختص بالمأكولات ومحصورة بالتعاونيات الإستهلاكية، وكلفتها السنوية بين 1 و 1.5 مليار دولار سنوياً.

وفيما يختص السوق الموازي أضاف: "إن هذه السّوق ستبقى في المرحلة المقبلة، بالنّظر إلى غياب التدفقات المالية، وطالما أن الناس تتهافت على شراء ​الدولار​ وتكديسه في المنازل، ومع استمرار اللجوء إلى سوق الصيرفة لتأمين أموال الإستيراد.

وشدد وزني، على أن "معالجة أزمة الدّولار والوضع المّالي، في لبنان يبدأ بالمعالجة السياسية، عبر تشكيل حكومة لديها مصداقية وثقة، لأن السلطة النقدية ومصرف لبنان لا يستطيعان معالجة هذه الأزمة إذا لم تكن تواكب في نفس الوقت، مع الحلول السياسية، التي تعطي الأجواء الإيجابية في البلد.

وعن إمكانية دعم لبنان من الخارج قال وزني: "كل هذا مرتبط بالمعالجة السياسية، التي وحدها تستطيع تحريك ملف "سيدر"، إضافة إلى ما يمكننا الشروع فيه في الشهر المقبل، من عمليات للتنقيب عن ​النفط​ و​الغاز​، وفي نفس الوقت الدول المانحة التي قررت أن تقدّم قبل الحراك بودائع للبنان، ومنها ​الإمارات​ التي قررت مع زيارة الرئيس سعد الحريري إليها، أن تقدّم وديعة للبنان، وهذه معلومات دقيقة، وهذه العوامل تعزز الثقة اليوم، إذ إن الأزمة الأساسية التي نعيشها اليوم هي أزمة ثقة، حيث أنه من يريد تحويل أموال من الخارج إلى لبنان يخاف، فيما هناك ضوابط لخروج المال إلى الخارج.

وبحسب وزني فإن 3 عوامل اليوم تأسس للإيجابية يمكن البناء عليها لتخطي الأزمة وهي:

* إذا تم إعلان جدي بوجود أموال خليجية على شكل وديعة أو توظيف في لبنان، فهذه نقطة إيجابية.

* إذا قام "سيدر" بوضع مليار دولار وأكثر بتصرف لبنان على شكل مشاريع إستثمارية فهذا عامل إيجابي.

* إذا بدأنا في منتصف كانون الأول المقبل، وليس في كانون الثاني من العام المقبل في عملية التنقيب عن النفط والغاز، وتم وضع المنصات في "البلوك رقم 4" فهذه الخطوة تحسّن المناخ العام.

ويختم وزني بالقول: "المال العام في النهاية قوّته وضعفه يرتبطان بعامل الثّقة".