على مدى أسبوع إستوعبت الليرة ضغوطاً قوية، ناتجة عن إعادة فتح أبواب البنوك أمام مئات آلاف الزبائن بعد إغلاق قسري دام أكثر من أسبوعين.

أسبوع ويوم على إعادة افتتاح البنوك، مدة صغيرة كانت كفيلة لتعود الليرة ال​لبنان​ية لتتخلى فيها جزئياً عن صلابتها.

في سوق الصرّافين، أكّد أكثر من تاجر لـ"الاقتصاد"، أن ​الدولار​ غير متوافر للشراء نقداً هذا الصباح، وقالوا إن سعره تخطى الـ 1800 ليرة للدولار، وقد يقارب 1850 ليرة مع نهاية اليوم، متوقّعين اتجاهاً صعودياً في قادم الأيام.

ورغم حركة الدولار الصعودية منذ استقرارها مع بداية الشهر الجاري وإعادة افتتاح ​المصارف​، إلا أن سعر صرف العملة الخضراء يقترب من الخروج من السيطرة نسبياً إلى حد كبير، ليتساوى مع السعر الذي شهده بداية الأسبوع الماضي بعد استقالة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​.

وفي جولة لـ "الاقتصاد"، يتبين أن الدولار النقدي، الذي يُضطر المواطنون والتجار إلى الحصول عليه من سوق الصرافة لتخليص معاملاتهم التجارية وإتمام صفقاتهم ومدفوعاتهم، قد ارتفع من نحو 1650 ليرة إلى 1810 ليرات كحد أدنى، أي أن قيمة الليرة إرتفعت أكثر من 10 %.

أما للبيع، فيستفيد من يحمل الدّولار اليوم بزيادة سعر صرفه أمام اللّيرة، إذ يشتري الصرافون الدّولار بـ 1780 ليرة.

كذلك ساء سعر صرف الليرة عند احتساب الدولار من بائعي الجملة في الأسواق التجارية إلى محالّ التجزئة من 1600 ليرة و1650 ليرة بداية الأسبوع، إلى نحو 1850 ليرة للدولار، أي أن ​سعر الدولار​ عملياً في هذه السوق، إرتفع على الأقل بنسبة 10 %.

وفي غضون ذلك، أكد أحد مدراء فرع تابع لأحد ​البنوك اللبنانية​ التجارية الكُبرى، لـ"الاقتصاد"، أن وتيرة الإقبال على ردهات المصارف لم تنحسر أبداً، وأن الضّغط على الفروع بتزايد مع بداية الأسبوع الجاري.

وفي معلومات خاصّة بـ "الاقتصاد" قام عدد من المصارف بتخفيض دوامات الموظّفين حتى السّاعة الواحدة، والساعة 2.30 ظهراً، بهدف تخفيف النفقات ومنها (تخفيف بدلات وجبات الطعام التي يحصل عليها الموظفون الذين يداومون حتى السّاعة 5 بعد الظهر).

ونفت مصادر لـ "الاقتصاد" أي مساس برواتب موظّفي البنوك، وقالت إن تبليغات تخفيض الدوام تجري بصورة يومية، بحيث يتبلّغ الموظّف كل يوم دوامه المقرر.

وعلى أن الضربات لا تأتي منفردة، تلقى ​القطاع المصرفي​ مزيداً من الضربات التي كانت متوقعة، حيث خفضت وكالة "​موديز​ إنفستورز سيرفيس" ​التصنيف الائتماني​ لأكبر ثلاثة بنوك في لبنان من حيث الأصول إلى مستويات أعلى للمخاطر، وهو ما يعكس ضعف الجدارة الائتمانية للحكومة.

وقالت موديز إنها خفضت تصنيف الودائع بالعملة المحلية لدى بنوك "عوده" و"بلوم" و"بيبلوس" إلى "Caa2"، من "Caa1". وخفضت أيضا تصنيف الودائع بالعملة الأجنبية إلى "Caa3"، من "Caa1"، مشيرة إلى محدودية الدعم السيادي لمثل تلك الودائع.

وحيث الخطوة كانت متوقّعة، بعدما خفضت "موديز" يوم الثلاثاء الماضي، تصنيف لبنان الائتماني إلى "Caa2"، مشيرة إلى تنامي احتمالات إعادة جدولة ​ديون​ ستصنفها على أنها تخلف عن السداد، إذ لا يمكن لأي مؤسسة أن يزيد مستوى تصنيفها، عن تصنيف الائتماني للبنان.

وقالت "موديز": "ينعكس ضعف الجدارة الائتمانية للحكومة اللبنانية على الجدارة الائتمانية للبنوك الثلاثة، نظرا لانكشافها الكبير على الدين السيادي اللبناني وهو المصدر الرئيسي للمخاطر التي تتهددها".

ويعكس أيضا، "محدودية تمويل منتظم وأوضاع السيولة في ضوء تنامي الضبابية السياسية وتدهور في البيئة التشغيلية للبنوك.

وخفضت وكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية الأسبوع الماضي، تصنيف بنكي "عوده" و"بيبلوس" إلى "CCC-"، وهو رابع أدنى تصنيف ممكن.

وبعد هذه التصنيفات والصدمات المتتالية، يرتقب اللبنانيون مدى قدرة الليرة على إستيعاب الضغوطات القوية، ويأملون عدم فقدان الثقة في الليرة وتلاشي السيطرة على الأسواق النقدية والمالية والمصرفية واستفشاء الغلاء الفاحش في الأسواق، حيث أن قدوم حكومة جديدة سريعاً إلى الحُكم اليوم، يكتسي أهمية كبيرة، وربما تعيد النهضة الإقتصادية التي حصلت بداية التسعينات، عبر انتهاج سياسة صحيحة لتثبيت سعر صرف الليرة وإنعاش الاقتصاد، وإعادة إعمار القطاعات الإنتاجية ومعالجة مكامن الفساد.