أشار ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ في كلمة له بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة لانتخابه رئيساً للبلاد، الى "انني أتوجه إليكم اليوم مع انتهاء النصف الأوّل من الولاية الرئاسية، لأقدّم لكم ما يشبه كشف الحساب بما التزمت به في خطاب القسم، بما تحقق وبما لم يتحقق، وبما لا زلت أعمل لتحقيقه بالخطط الموضوعة وبالصعوبات التي واجهاتنا"، مؤكداً أن "كشف الحساب هذا صار ضرورياً أكثر بعد حركة ​التظاهرات​ والاعتصامات التي حصلت مؤخراً وأسفرت عن استقالة ​الحكومة​".

واكد "أنني التزمت في خطاب القسم بتأمين الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي​، التزمت تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني، وإنجاز قانون انتخابي يؤمن التمثيل العادل لكافة مكونات ​الشعب اللبناني​، التزمت العمل على تأمين عودة ​النازحين السوريين​ الى بلادهم، والتزمت ​​مكافحة الفساد​​".

ولفت إلى "إننا قمنا بتأمين الاستقرار السياسي وأولى موجباته إقرار قانون ​انتخابات​ يؤمن عدالة التمثيل وعلى الرغم من كل الصعوبات أُقر هذا القانون وانبثقت عن المجلس الجديد حكومة وحدة وطنية أمّنت الاستقرار المنشود وكان مفترضا أن تنصرف الى معالجة الأزمات التي تطوق الوطن وأولها ​الأزمة​ الاقتصادية"، مشيراً إلى "إننا عالجنا الشلل في العديد من مؤسسات الدولة من خلال سلسلة تعيينات وتفعيل دورها الذي كان مفتقداً لسنوات؛ وفي هذا الإطار أتت ​التعيينات القضائية​ مؤخراً والاصلاح القضائي الذي هو عملية مستدامة.

وأضاف "عملنا على عودة المالية العامة لكنف الدستور وقانون المحاسبة العمومية، فتم إصدار 3 موازنات بعد 12 عاماً على صرف مخالف للدستور، كما وإحالة موازنة 2020 الى مجلس النواب ضمن المهلة الدستورية لأول مرة منذ زمن، بنسبة ضئيلة من العجز ومن دون زيادة ضرائب مع سقف للاستدانة وتخفيض جذري للنفقات"، مؤكداً "إننا رفضنا التسويات على الحسابات المالية، ونتيجة ذلك أُعيد تكوين الحسابات المالية منذ العام 1993 الى اليوم وأُحيلت الى ديوان المحاسبة للتدقيق قضائياً بصحتها".

وتابع "الأزمة الاقتصادية الضاغطة ناتجة عن تراكم سياسات اقتصادية ومالية غير ملائمة، واتساع مزاريب الهدر والفساد، معطوفة على أزمات المحيط وحروبه ولأن لبنان يمتلك ثروة في بحره وباطن أرضه، أصريت أن يكون البند الأول من جدول أعمال الجلسة الأولى للحكومة إقرار مراسيم استخراج النفط والغاز"، مشيراً إلى انه "بُذلت جهود كبيرة للمعالجات الاقتصادية ولكنها لم تأتِ بالنتائج المرجوة بعد؛ فالخطة الاقتصادية الوطنية لا تزال بانتظار إقرارها، ومشاريع البنى التحتية التي سيتأمن تمويلها من مؤتمر سيدر مجمّدة، ولكن من المفترض أن تتحرك بعد أن استجابت الحكومة المستقيلة لمعظم الشروط الموضوعة"، لافتاً إلى أن "الحكومة استقالت وبات الملف الاقتصادي الثقيل بانتظار الحكومة الجديدة التي يجب أن تضعه على السكة الصحيحة والسريعة".

ولفت إلى أنه "منذ تسلمي الرئاسة حملت ملف النازحين السوريين الى المنابر الدولية والعربية، وكان محوراً أساسياً خلال لقاءاتي مع الموفدين الدوليين، فشرحت الأعباء المترتبة عنه على لبنان، ودعوت الى إيجاد الحل له بمعزل عن الحلول السياسية"، مشيراً إلى أن "الإجابات العربية والدولية على طرحنا بملف النازحين كانت تقريبا واحدة: كلام منمق عن الدور الانساني للبنان وكلام سياسي عن ربط العودة بالحل السياسي، مع ضغوط لإبقاء النازحين حيث هم لاستعمالهم ورقة ضغط عند فرض التسويات السياسية وهذا ما رفضه لبنان بشكل قاطع وهو اليوم يدفع ثمن هذا الرفض".

وتوجه إلى المتظاهرين بالقول "أيها اللبنانيون، أيها المواطنون المشاركون بالاعتصامات، وخصوصا الشباب منكم، على الرغم من الضجيج الذي حاول أن يخنق صوتكم ويذهب به الى غير مكانه، تمكنتم من إيصال هذا الصوت الذي طالب بحكومة تثقون بها، وبمكافحة الفساد الذي نخر الدولة، وبدولة مدنية حديثة تنتفي فيها الطائفية والمحاصصة"، مضيفاً "إن تشكيل الحكومات في لبنان عادة ما يخضع للعديد من الاعتبارات السياسية والتوازنات، وقد تكون هذه التوازنات هي من أهم أسباب الفشل المتكرر وعدم الوصول الى الخواتيم السعيدة في العديد من المشاريع".

وقال الرئيس عون "لقد قامت الحكومة المستقيلة بعدد من الخطوات الشاقة، وأقرّت خططاً ومشاريع مهمة، ولكن مشكلتها كما سابقاتها، أن المقاربات فيها سياسية أكثر مما هي تقنية وتنفيذية، وشرط الاجماع الذي اعتمده البعض حال دون التوصل الى الكثير من القرارات الضرورية"، مشيراً إلى أنه "اليوم نحن على أبواب حكومة جديدة، والاعتبار الوحيد المطلوب هو تلبية طموحات اللبنانيين ونيل ثقتهم كما ثقة ممثليهم في البرلمان، لتتمكن من تحقيق ما عجزت عنه الحكومة السابقة وهو إعادة للشعب اللبناني ثقته بدولته".

وأضاف "يجب أن يتم اختيار الوزراء والوزيرات وفق كفاءاتهم وخبراتهم وليس وفق الولاءات السياسية أو استرضاءً للزعامات؛ فلبنان على مفترق خطير خصوصاً من الناحية الاقتصادية وهو بأمسّ الحاجة الى حكومة منسجمة قادرة على الانتاج، لا تعرقلها الصراعات السياسية والمناكفات، ومدعومة من شعبها".

واعتبر أن "مكافحة الفساد هي طريق طويل وعمل دؤوب مستمر، خصوصاً في بلد تجذر فيه طوال سنوات وسنوات ولكن مهما يكن الطريق شاقاً فإنني مصمم على المضي فيه، وأول الغيث هو تطبيق القوانين الموجودة ثم إقرار ما يلزم من تشريعات لتعزيز الشفافية وإتاحة المساءلة للجميع"، داعياً اللبنانيين إلى "الضغط على نوابهم لإقرار القوانين التالية: إنشاء محكمة خاصة بالجرائم الواقعة على المال العام، إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، استرداد الأموال المنهوبة، ورفع الحصانات ورفع السرية المصرفية عن المسؤولين الحاليين والسابقين وكل من يتعاطى بالمال العام".

وتعهد عون "متابعة الحرب على الفساد عن طريق التشريع اللازم والقضاء العادل والنزيه بعيداً عن أي انتقائية أو استنسابية، وأيضاً بعيداً عن أي تعميم" كما تعهد بـ"الدفع باتجاه اقتصاد منتج والاستفادة من قدرات دولتنا وثرواتها وقطاعنا الخاص والمصرفي لاعتماد سياسات مالية صحيحة ولتمويل مشاريع منتجة تخلق فرص عمل للبنانيين وتحد من هجرة الأدمغة والكفاءات وببذل كل الجهود لإقامة الدولة المدنية العصرية.