استعاد اللبنانيون الأسبوع الماضي مشاهد الحرب انما هذه المرّة بلباس مختلف عن حقبة الـ 75 فطوابير ​​السيارات​​ عادات مجدداً تنتظر دورها بالساعات للحصول على مادة ​​البنزين​​ خوفاً من الاضراب المفتوح التي كانت قد أعلنته نقابة أصحاب محطات ​​المحروقات​​ في لبنان بسبب إعلان تجمع الشركات المستوردة للنفط عدم تسليم النفط في السوق المحلية إلا ب​الدولار​​ الأميركي.

المشهد نفسه تكرر في الأفران التي سرعان مانفذ انتاجها اليومي بوقت قياسي خصوصاً وان نقابة أصحاب الأفران كانت قد لوحت بالاضراب المفتوح ايضاً بعد اعلان تجمع أصحاب المطاحن في لبنان أن عمليات بيع الطحين ستكون بالدولار حصراً!

أزمة الدولار كادت تنتقل الى الدواء أيضاً ومنها الى قطاعات أخرى، علماً ان نقيب مستوردي ​​الادوية​​ كريم جبارة كان قد أكد في وقت سابق انّ لا نقص حتى الان في الادوية الا انه حذّر من امكانية نقص في المخزون ان لم نجد حلولاً في القريب العاجل.

فهل فضحت "أزمة" شحّ الدولار المستور؟

غبريل: لدينا عملة وطنية مستقرة يجب التدوال بها

لا ينكر رئيس مديرية البحوث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة ​بنك بيبلوس​ ​نسيب غبريل في حديثه لـ"الاقتصاد" ان "هنالك تباطؤ في تدفق ​​رؤوس الأموال​​ الى لبنان ب​​العملات​​ الأجنبية نافياً ان تكون هنالك أزمة دولار بالمعنى التقني خصوصاً و ان 99 في المئة من ​​الكتلة النقدية​​ بالعملات الأجنبية في لبنان موجودة في ​​المصارف​​ ​​التجار​​ية، فضلاً عن وجود 172 مليار و500 مليون دولار كودائع في المصارف منهم 72 في المئة بالعملات الأجنبية، كما ان احتيطات ​​مصرف لبنان​​ بالعملات الأجنبية بلغ 38 مليار و 500 مليون دولار، وكل العمليات التي تتم خارج ​​القطاع المصرفي​​ لا تُعتبر مؤشر عن مجمل السوق".

يضيف: " لا شك ان بعض صغار المتلاعبين استغّلوا مواضيع عدّة في ظلّ التباطؤ الحاصل في تدفق رؤوس الأموال منها خدمات الصرّاف الآلي من أجل سحب عملة الدولار من حساباتهم الموجودة أصلاً بالليرة اللبنانية وبيعها للصيارفة بأسعار أعلى، اضافة الى ذلك هنالك موضوع ​​المشتقات النفطية​​ الذي ساهم بشكلّ مباشر باحداث بلبلة في ​​الأسواق المالية​​ خصوصاً وانّ لبنان استورد في فترة وجيزة كميات غير معهودة من المشتقات النفطية، اذ بلغت كمية ال​​استيراد​​ في اول 7 أشهر من 2019 8 ملايين و 200 الف طن في المقابل بلغ استيرادنا لهذه المشتقات في اول 7 أشهر من 2018 4 ملايين و800 الف طن هذا الارتفاع بحسب المعنيين سببه ارتفاع استيراد ​​المازوت​​ " FUEL OIL " لمصلحة ​​مؤسسة كهرباء لبنان​​ اذ ارتفع استيراد هذه المادة من مليون و 100 الف طن الى 4 ملايين و 700 الف فقط في اول 7 أشهر من الـ 2019، وبالتالي ارتفعت فاتورة الاستيراد للمازوت بنحو مليار و700 مليون دولار وهذا الطلب كان بالنسبة للأسواق المالية مفاجئ وغير اعتيادي !!".

أما بالنسبة لأسبباب ارتفاع هذا الاستيراد المفاجئ يتابع غبريل "هناك سببين رسميين لهذا الارتفاع:

- اولاً: ان الاستيراد الذي يتم عادةً آواخر العام، قسم منه يُسجل على العام القادم (لحين دفع القيمة المضافة).

- ثانياً: تقوم مؤسسة كهرباء لبنان عادةً باستيراد كمايات اضافية من هذه المادة من أجل تخزينها.

الا ان هذين السببين لا يفسران بحسب غبريل هذا الارتفاع الغيراعتيادي باستيراد مادة المازوت متسائلاً عن الكلام الذي أُثير مؤخراً في الاعلام حول اعادة "تصدير" هذه المادة الى بلدان مجاورة، وان صحّ هذا الكلام يضيف فالجميع يعلم ان هذه العمليات لا تُدفع عادةً بالدولار، وبالتالي كل هذه العوامل ساهمت بشكل كبير في ازدياد الطلب على الدولار. الا ان السبب الأساسي والغير تقني اذا صحّ القول هو التأخيرفي تطبيق الاصلاحات واحداث صدمة ايجابية في الأسواق المالية والتجارية خصوصاً وان الاجراءات بموازنة الـ 2019 كانت مخيبة للآمال من ناحية تخفيض النفقات".

يستغرب غبريل الاضرابات التي شهدها لبنان خلال الأسبوعين الماضيين سواء في الأفران او في محطات الوقود، خصوصاً وان لدينا عملة وطنية مستقرة يجب التدوال بها بين التجار والموزعين المحليين وكذلك الأمر بالنسبة للمستهلكين، فالوحيد الذي يجب ان يستخدم العملات الأجنبية هو المستورد حصراً، وقد وضع مصرف لبنان سيولة بتصرف المستوردين ( ​​الأدوية​​، ​​القمح​​، والمشتقات النفطية) عن طريق ​​آلية​​ تهدف الى التأكد من ان استيراد هذه المواد سيكون للاستهلاك المحلي فقط لا غير".

يختم غبريل :" لا شك ان الاجراءات التي تتخذها المصارف قد تزعج البعض الا اننا يجب ان لا ننسى ان المصارف مؤتمنة على ودائع المودعين وعليها المحافظة عليهم وهذا ما تقوم به اليوم، فمن المعيب تحميل القطاع المصرفي مسؤولية فشل سياسات الدولة خصوصاً وان ​​التقشف​​ الذي يتحدثون عنه لم يشمل ​​القطاع العام​​ اذ بلغت نفقاته 17 مليار و900 مليون دولار في الـ 2018 اي ما يساوي 32 في المئة من ​​الناتج المحلي​​ والذي يعد أعلى من نفقات حكومة دولة الامارات العربية المتحدة التي بلغت 30 في المئة من الناتج وهي من أكبر الدول المصدرة للنفط، وكذلك الأمر بالنسبة لمصر التي تعد أكبر بلد عربي من ناحية السكان والتي بلغت نفقاتها 30 في المئة ايضاً من الناتج في الـ 2018 فضلاً عن ​​دولة قطر​​ (اكبر مصدر للغاز في العالم) بلغت نفقاتها 29 في المئة من ناتج الـ 2018 !! فأين هي الاصلاحات؟".

على الرغم من الاجراءات التي اتخذها مصرف لبنان من أجل وضع سيولة بتصرف المستوردين الا ان البعض لا يزال يعاني من ازمة صرف الدولار ومنهم أصحاب الأفران الذين علّقوا اضرابهم الذي كان مقرراً الاثنين الماضي لـ 48 ساعة من أجل التوصل الى حلّ لهذه الأزمة، فأين اًصبحت المساعي اليوم؟

ابراهيم: نحن بانتظار قرار الحكومة والا سنلجأ الى الاضراب

يشير نقيب المخابز في بيروت وجبل لبنان ​​علي ابراهيم​​ في حديثه لـ"الاقتصاد" ان المهلة التي أعطينها للحكومة انتهت اليوم ونحن بانتظار قرار الحكومة والا سنلجأ الى الاضراب مجدداً".

يضيف: " نحن لسنا من دعاة الاضراب والحاق الضرر بأحد ولكن من غير المقبول ان نبيع ربطة ​​الخبز​​ بالليرة اللبنانية ونشتري نحن بالدولار، خصوصاً وان وزير الاقتصاد كان قد أجرى منذ اشهر دراسة حول سعر ربطة الخبز، وعلى الرغم من عدم موافقتنا عليها الا اننا لم نفتعل اي اشكال حينها لان ​​سعر صرف الدولار​​ كان طبيعياً اي مايعادل 1500 ليرة لبنانية، اليوم أصبح الدولار 1600 وفي بعض الاحيان 1700 ليرة، وعندما حاولنا التحدث معه في هذا الأمر لم يسمعنا وبدأ بشن حملات على الأفران الى ان تواصلنا مع الرئيس سعد الحريري وقد طلب منا تعليق الاضراب لـ 24 ساعة الا اننا اعطيناه 48 ساعة واليوم انتهت هذه المهلة ونحن ننتظر الحلّ".

ابو شقرا: لا اضرابات جديدة في هذا القطاع

على صعيد آخر طمأن ممثل موزعي المحروقات فادي ابو شقرا ان "لا اضرابات جديدة في هذا القطاع على الرغم من ان المعالجات تتم ببطء ويقول لـ"الاقتصاد" "هنالك لقاءات عقدناها مع الرئيس سعد الحريري من أجل الاسراع بموضوع الآلية التي وضعها مصرف لبنان مؤخراً وطريقة الدفع وغيرها من الأمور المتعلقة بموزعي المحروقات ونحن ننتظر".

يضيف: " الوضع اليوم دقيق خصوصاً بعد الأحداث الأليمة التي اصابت لبنان جراء الحرائق المتنقلة ونحن لا نريد ان نزيد الوضع سوء، لذلك نأمل ان تتحسن الأمور في الأيام المقبلة".

جبارة: أزمة الإستيراد حُلّت ولا داعي للتصعيد

من جهته، يؤكد نقيب مستوردي الأدوية كريم جباره في حديثه لـ "الاقتصاد" أن "أزمة الإستيراد حُلّت ولا داعي للتصعيد خصوصاً واننا تواصلنا مع رئيس الجمهورية ومع ​​حاكم مصرف لبنان​​ وقد تم التوصل الى آلية لتطبيق التعميم 530 تسهل أمور المستوردين لجهة تأمين العملات الأجنبية من أجل تسديد فواتيرهم".

يضيف: "لا بد من الاشارة بأن التعميم 530 يُحمّل الشركات المستوردة ما بين 20 الى 25 في المئة من الجعالة التي تُعطينا اياها وزارة الصحة على الدواء".

في الختام ينفي جبارة ان "تكون هناك اي عمليات بيع للأدوية بالدولارضمن القوانين الحالية خصوصاً وان القانون ينص بأن يُباع الدواء حسب تسعيرة وزارة الصحة بالليرة اللبنانية حصراً".