الكوارث​ لا تفارق ​لبنان​، سواء كانت طبيعية، مفتعلة، أم مفروضة... وجميعها تأكل الأخضر واليابس! وبـ"المفروضة" نقصد هنا الطبقة السياسية الحاكمة التي تفتقد الى القدرة على تنفيد إصلاحات بنيوية، فاعلة وملموسة، لمكافحة ​الفساد​ والهدر، وضبط ​الدين العام​، والتي فرضت نفسها علينا منذ سنوات، من أجل "خدمة" المواطن ذات الدخل المحدود، والدفاع عن حقوقه، والحفاظ على قدراته الشرائية، وتأمين جميع مستلزمات عيشه!

ومع الاقتراب من نهاية جلسات ​مجلس الوزراء​ المخصصة لمناقشة مشروع ال​موازنة​، عاد الحديث مجددا عن فرض المزيد من الضرائب، أكان بطريقة مباشرة أم غير مباشرة. في حين كانت الأجواء في السابق، توحي بأن موازنة 2020 ستكون إصلاحية وغير ضرائبية.

لكن أملنا بغد أفضل سيبقى موجودا دائما، مهما اشتدت الصعاب وضاقت خانة الحلول، لأن لبنان كان وما زال يعايش أسطورة طائر الفينيق المنبعث من تحت الرماد.

فهل ستنجح الحكومة في تحقيق ما فشلت به سابقا؟ ما هي الخطوات المطلوبة اليوم؟ وهل أن الضرائب قادمة لا محال؟

هذه الأسئلة وغيرها، أجاب عليها مدير معهد ​المشرق​ للشؤون ​الإستراتيجية​ والإقتصادية د. ​سامي نادر، في مقابلة خاصة مع موقع "الاقتصاد":

- هل ستنجح الحكومة الحالية في ما فشلت به سابقا، في ما يتعلق بموازنة 2020؟

ما زال المنطق المتبع هو ذاته، اذ لا يهتم السياسيون الا بفرض المزيد من الضرائب، دون الالتفات الى إمكانية تحقيق الإصلاح وتحرير القطاعات، أو فتح الباب للمنافسة، أو تحفيز الشباب،... هذه العقلية "فالج لا تعالج".

المشكلة تكمن في رؤوس السياسيين وطريقتهم في التفكير، والمنطق الذي يتبعونه ويستندون اليه؛ فهم ينظرون الى الوراء ولا يتطلعون نحو الأمام، كما لا يتحلون بالقدرة على تقديم الإصلاحات، بل يتهربون منها ويتجهون نحو الضرائب.

في حين أن الرسوم الإضافية ليست إصلاحات، واذا كانوا يعتقدون أن زيادة الضرائب تعني زيادة المدخول فقط، فهم على خطأ! وذلك لأن زيادة الضرائب من شأنها أن تخنق الاقتصاد أكثر، وترفع ​الركود​ بشكل أكبر.

لكن للأسف، مهما أطلقنا الصرخات لا يوجد من يسمع؛ فهذا هو الواقع، وهكذا سيستمرون بالعمل، آخذين معهم البلد الى الخراب.

ولا بد من الاشارة الى أن موزنة 2020 ستكون نسخة طبق الأصل عن موازنة عامي 2018 و2019، وسوف تقود الأمور من سيء الى أسوأ.

- قرّر مجلس الوزراء اقتراح فرض رسم بقيمة 20 سنتاً على أول مكالمة يُجريها المشترك عبر ​الانترنت​ يومياً، على أن تكون الاتصالات التي تلي غير خاضعة للرسم؛ أي أن كل مشترك يستخدم تطبيقات الاتصالات الصوتية عبر الانترنت، ومنها "واتساب"، سترتفع فاتورته بنحو 6 دولار شهرياً. في حين نقلت تقارير صحفية عن وزير الاتصالات قوله بأن "واتساب" يشكل أحد أسباب خراب الهيكل. هل أن المشكلة الأساسية في البلاد تكمن فعلا بالـ"واتساب" فحسب؟

هل أن هذا الأمر معقول حتى؟

هذه الطبقة السياسية تعمل بشكل غير منطقي، والعبارة الأنسب التي تصفها هي "فالج لا تعالج". فقبل أن يصلوا الى مراكز السلطة نرى مدى اهتمامها بالشعب واحتياجاته، ولكن بعد وصولهم الى الكرسي تتغير الأمور وتتبدل طريقتهم في التفكير.

- برأيك، ما هي القرارت المطلوبة على الصعيدين الاقتصادي والمالي في ظل هذه المرحلة الدقيقة؟

هم يعمدون الى زيادة الضرائب، في حين عليهم العمل على تخفيضها.

هم يزيدون القيود على الاقتصاد والقطاعات الإنتاجية، في حين عليهم رفع هذه القيود.

هم ينشئون "كارتيالات"، ويضعون أيديهم على مختلف القطاعات من خلال الشركات التابعة لهم، في حين عليهم فتح الباب أمام المنافسة التامة.

وبالتالي فإن الحل سهل للغاية: يجب القيام بعكس ما يقومون به حاليا.

- رجّح ​معهد التمويل الدولي​ أن يبقى لبنان في حلقة مفرغة من ارتفاع الديون، وارتفاع أسعار الفائدة، وتراجع ​الاستثمارات​ ونسب النمو... وذلك في ظل غياب الإصلاح الحقيقي. هل تعتقد أن ضغط المؤسسات الدولية سيؤدي بالفعل الى نتائج مختلفة؟

كلا، على الإطلاق. فخلال زيارة المبعوث الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مقررات "سيدر" بيار دوكان الى لبنان، أكد للمسؤولين أن المطلوب هو الإصلاحات الجدية وليس فرض المزيد من الضرائب والرسوم. كما أن ​صندوق النقد الدولي​ حذر في وقت سابق، من أن فشل الحكومة في بلوغ الأهداف وتنفيذ الإصلاحات يضرّ بالثقة.

لكنهم للأسف يسمعون و"يطنّشون"، وبالتالي لن نشهد على أي نتائج جديدة.

- أشار المسؤول الاعلامي لشركات توزيع ​​المحروقات​،​ فادي أبو شقرا، حول أزمة صرف ​​الدولار​​ لشركات التوزيع، الى أن تعميم ​مصرف لبنان - الذي طلب من ​المصارف​ تأمين فتح إعتمادات مستندية مخصصة حصراً لإستيراد المشتقات النفطية أو القمح أو ​الأدوية​ باالدولار​ الأميركي، ضمن شروط وقيود، حددها المركزي - يمشي ببطء. برأيك، لماذا الى حد اليوم لم يتم حل مشكلة محطات المحروقات؟

المشكلة الأساسية تكمن في افتقاد الأسواق اللبنانية الى ​الدولار الأميركي​، ونرى أن الحلول الموجودة هي مجرد حلول "ترقيعية" وغير مستدامة، وذلك بسبب عدم قدرتها على ضبط الأوضاع.

وبالتالي، فإن الأمور سوف تأخذ بالتأكيد المزيد من الوقت لكي تحل. اذ أن اقتصادنا الوطني بدأ بالخروج من خانة الاقتصاد المحرر، ليدخل شيئا فشيئا الى الاقتصاد الموجه الذي تفرض عليه القيود؛ وهذا هو عنوان الركود!

كما أن أزمة شح الدولار سوف تستمر، أقله على المدى المنظور، لأننا لم نشهد الى حد اليوم، على أي إجراء من شأنه معالجة ميزان المدفوعات.