"إن شاء الله ستقر ‏الموازنة، وسيتبعها سيل من الإصلاحات، والقرارات التي تريح البلد"، هكذا وعد رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ اللبنانيين، عشية ​إضراب​ أصحاب الأفران في البلد، وبعد أزمة محروقات اشتعلت وانطفأت في اليوم نفسه. هل ستكون الإصلاحات وفقاً للقوانين البالية نفسها التي تعيقنا عن التقدم منذ عقود؟ كيف سيجري الإصلاح دون وجود النية لرفع الغطاء الطائفي عن الفاسدين؟ وأي إصلاح هذا دون الحديث عن إعادة أموال نهبت على مرّ سنوات طوال؟

بين أزمة "مفتعلة" وبين انهيار خطير يرفض المسؤولون اللبنايون الإعتراف به، أين المواطنون ممّا يجري؟ وأين هي الوعود والخطط والدراسات؟ لمعرفة المزيد حول هذه المواضيع كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع الخبير الإقتصادي د. كامل وزنة:

بدايةً، ما هو التوصيف المثالي للحالة التي يمر بها البلد اليوم، هل هي أزمة "مفتعلة" أم أننا فعلاً في حالة حرجة والمسؤولون يرفضون الإعتراف بذلك؟

ما يحصل اليوم في لبنان هو نتيجة انحدار عامل الثقة بعد فقدان السلطة السياسية القدرة على تحمل مسؤوليتها في عملية النهوض بالبلد الى بر الأمان.

بنية لبنان الاقتصادية ونظامه الريعي الطائفي سمح للزعامات الطائفية بالسيطرة على معظم الموارد والطاقات وإعادة توزيعها وفق منطق ​المحاصصة​ ما أدى الى تفاوت اجتماعي واقتصادي أكثر حدّةً.

أزمة الدين العام، أزمة متراكمة ومقلقة في لبنان، فمنذ العام 1992 حتى العام 2019 زاد حجم المديونية 84 مليار دولار، هذا الدين الذي كان لا يتخطى 67 مليون دولار عام 1975 مع بداية الحرب اللبنانية بدأ بالصعود التدريجي فيما بعد، ووصل في العام 1979 إلى 810 مليون دولار. ومع بداية عام 1992 بلغ الدين 2.7 مليار دولار، ومنذ ذلك الوقت بدأت أزمة المديونية تتضاعف سنوياً.

المنظومة اللبنانية المالية إعتمدت على منظومة مصرفية متضخمة وعلى تحويلات مالية جعلت من حجم ​الكتلة النقدية​ لدى ​المصارف​ توازي على الاقل أربعة أضعاف حجم الإقتصاد، وكانت ​المصارف اللبنانية​ تعوّل على هذه الفوائض و​التحويلات​ وتوظفها في مكانين: السوق العقاري و​الدين العام اللبناني​.

كما أن سياسة حماية صرف ​الليرة اللبنانية​ التي أُتبعت كثقافة مالية في ​مصرف لبنان​ إنعكست سلبًا على النموذج الإقتصادي، الذي راكم المديونية في مكان، وراكم الأرباح في مكان آخر. فأرباح المصارف ومديونية الدولة ، العلامتان الفارقتان في ​الإقتصاد اللبناني​، ليس من شأنهما تحفيز الإقتصاد والدفع بالتنمية نحو إقتصاد تنموي واعد.

هذه السياسات المالية همشت الإنفاق على البنى التحتية والإصلاحات اللازمة لتمكين ​القطاع الخاص​ والمستثمرين من الإستثمار في قطاعات إنتاجية، وبالتالي أصبح الإستثمار في العقار الطريق الأسرع إلى جمع الثروة، في وقت كان فيه ​القطاع العقاري​ يرتفع. ولكن عندما بدأت أسعار ​العقارات​ بالإنخفاض بدأت حجم الثروة لمالكي العقارات بالإنخفاض والتراجع.

هذه الفوائد المرتفعة حرمت الاقتصاد اللبناني من ​فرص الاستثمار​ الحقيقية في قطاع الصناعة والزراعة وحتى الخدمات، فأي استثمار لن يستطيع مردوده أن يضاهي عائدات الفوائد المرتفعة التي فرضتها السياسات النقدية في ذلك الوقت. كما أثرت معدلات الفوائد المرتفعة سلباً على الاستثمار والنمو إذ إن غالبية الأطراف لم تكن تمتلك ​رؤوس الأموال​ الكبيرة وبالتالي لم تشعر بنعمة هذه الفوائد التي تم فرضها في لبنان.

والجدير بالذكر أيضاً أن توقف التصدير البري الى سوريا ومن سوريا الى البلدان العربية كان من أصعب الأمور التي تعرض لها الإقتصاد.

وعدت ​السعودية​ بمساعدات مالية مؤخراً كما تعهّدت ​الإمارات​ بتقديم الدعم، هل هذه خطوات كافية للخروج من مأزق اليوم؟

حتى هذه الوعود ليست مؤكدة، سمعنا عنها في الإعلام ثم سمعنا نفياً لها. الأمر المؤكد هو تحسن في العلاقات عبر رفع حظر سفر مواطني الإمارات الى لبنان، وموقف جيد من السعودية.

حتى الآن، لا موقف واضح حول مساعدات عينية أو ودائع من البلدين.

توقف القطاع الخاص يوم الخميس الماضي عن العمل لمدة ساعة اعتراضاً على الأوضاع التي يعيشونها، وتحدث البعض عن أن أحد الاسباب الرئيسية وراء ​الركود​ التجاري هو التورم ب​القطاع العام​، هل ترى أن هذا الأمر دقيق؟

نعم، القطاع العام بحاجة الى إعادة هيكلة وتنظيم. ثلثي القطاع العام في لبنان قوى أمنية وعسكرية، وهذا أمر بحاجة الى إعادة النظر فيه.

يجب أن يكون تعيين أي فرد في القطاع العام مرتبط بالإنتاجية، لذلك، ومع ​التطور التكنولوجي​ والعلمي يجب أن نتّبع منهجية جديدة لإعطاء أفضل الموجود بأقل تكلفة.

بلدنا مترهل نتيجة مؤسسات بعيدة عن الإصلاح والإنتاجية وتمّت مكافأتها بسلسة فاقت تحمّل الإقتصاد.

هل هناك إمكانية للإصلاح في ظل غياب المحاسبة في كافة الملفات حتى اليوم؟

لبنان بحاجة الى قوانين جديدة لنشهد محاسبة حقيقية. لعنة الطائفية جعلتنا كانتونات ومجموعة كونفيدراليات من ​الفساد​، ما يجعل من تأسيس دولة متقدمة أمر مستحيل.

العالم لن ينتظرنا طويلا، لذلك علينا أن نتوقف عن المماطلة والقيام بما هو مطلوب منا من محاربة الفساد والهدر وإقرار قوانين تضمن الشفافية.