يبدو أن تعميم ​مصرف لبنان​ الأخير، الذي نظّم بموجبه عملية فتح الإعتمادات المستندية لاستيراد الدّواء و​المحروقات​ و​القمح​، مازال متعثّراً وعصياً على التنفيذ لأسباب مجهولة، ودليل ذلك تجدد أزمتي المحروقات و​الخبز​ مساء أمس الجمعة، مع أمل بحل هاتين المشكلتين، إعتباراً من اليوم السبت بعد الإجتماعات والإتصالات التي عقدت مساء الجمعة، بين رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ ونقابات مستوردي المحروقات والقمح.

وإذا رفع ​إضراب​ الأفران، بعد رفع إضراب أصحاب المحطات، فهذا لا يعني أن الحلول لهذه الملفّات، إضافة إلى ملف شح ​الدولار​ ستنتهي عند هذا الحد، حيث أن المؤشرات كلّها تدلُّ على أن لبنان مقبل على أزمات مشابهة في المرحلة المقبلة، طالما أن ملف الإصلاحات ومحاربة الفساد والفاسدين لازال عصياً على أهل السّلطة ولأسباب الكل بات يعرفها.

وبالعودة إلى متابعة ورصد المؤشرات الإقتصادية والمالية، والمسار العام المرجّح أن يسلكه الوضع الإقتصادي والمالي، تبدو المؤشرات غير مشجعة على الإطلاق، مع استمرار المماطلة أو أقله التأخير في إقرار الإصلاحات المطلوبة من اللبنانيين أوّلاً، ومن المجتمع الدّولي ثانياً، لاستعادة الثّقة ب​الاقتصاد اللبناني​ وبالطّبقة الحاكمة. فقروض "سيدر" معلّقة منذ سنة ونصف، بانتظار صحوة أهل السّلطة، والإستثمارات المحليّة والأجنبيّة غائبة كليّاً، وأيضاً بانتظار الإصلاحات، و​تحويلات المغتربين​ اللبنانيين من الخارج في تراجع مستمر، خوفاً من حصول إنهيار مالي في البلاد، يأتي على حساب "جنى العمر".

أما الوعود العربية، وتحديداً الخليجية، بدعم الاقتصاد اللبناني، فلم يشعر اللبنانيون بعد بتأثير هذه الوعود، التي ربما هي أيضاً تنتظر صحوة إرادة الإصلاح عند رجال السّلطة في لبنان.

الوضع النّقدي ورغم التّصريحات والتطمينات المتكررة من ​حاكم مصرف لبنان رياض سلامة​، لم يعد بعد إلى مساره الطبيعي حيث لا يزال الدّولار يعاني من فرض مبدأ "السّعرين": السعر الرسمي 1507 ليرات للدولار في ​المصارف​، والسعر غير الرسمي 1620 ليرة للدولار الواحد لدى مؤسسات الصّيرفة.

والوضع الإقتصادي بشكل عام مأزوم، وكل القطاعات تعاني، وما صرخة جمعيات التجار في لبنان هذا الأسبوع، التي أطلقها رئيس جمعية تجّار بيروت نقولا شمّاس، إلا غيض من فيض، على مستوى معاناة القطاعات الإقتصاديةـ من أزمة الرّكود الاقتصادي وأزمة ​الوضع المالي​.

وباختصار، فالوضع جد خطير، وربّما ما ورد على لسان ​رئيس الجمهورية ميشال عون​ في السّاعات الماضية، من أن لبنان محاصر مالياً واقتصادياً، هو في موقعه، وهذا يفرض على كلّ الأطياف السياسية المُمَثّلة في الحكومة وفي المجلس النيابي، مواجهة هذا الحصار بكلِّ الأسلحة المتاحة، لتجنّب السقوط في مستنقع الانهيار. و​السلاح​ الأمضى هنا، يبقى أولاً وأخيراً: الإصلاح، والإصلاح، والإصلاح.