أطلقت ياسمين دبوس "Espace فن" لتجسيد اهتمامها بالفنون، وانضمت اليها مؤخرا نور التنير، لتوسيع هذا المشروع وتطويره خدماته. ورغم التفاوت المحلوظ في أعمارهما – اذ تبلغ ياسمين من العمر 42 عاما في حين تبلغ نور 25 عاما – إلا أنهما اجتمعتا حول شغفهما الموحد في الفن.

"الاقتصاد" زار "Espace فن" في منطقة عين المريسة، للتعرف اليه بحلّته الجديدة:

حصلت نور على إجازة في الهندسة الداخلية، وتخصصت في الفنون الإسلامية، ما ساعدها في مسيرتها المهنية، من نواح مختلفة. عملت لمدة سنتين في كاليري "Natuzzi" المتخصص في المفروشات الإيطالية، والموجود في وسط بيروت.

أما ياسمين، فانطلقت حياتها العلمية في مجال الصحافة، ونالت درجة الدكتوراه في الصحافة والتاريخ الثقافي، كما كانت أستاذة محاضرة بدوام كامل في "الجامعة ال​لبنان​ية الأميركية"، "LAU".

قصة "Espace فن" بدأت عام 2012، حين تعرفت ياسمين الى الأعمال اليدوية، للهروب قليلا من ضغوط التعليم. اذ تابعت صفا في تصميم ​الأزياء​، لكنها لم تفلح في الخياطة، وبدلا من ذلك، أحبت فن التطريز (hand stitching)، وتعلّقت به. فصممت ونفذت القطع التي نالت إعجاب المحيط من العائلة والأصدقاء. ومن هنا، قررت إطلاق علامة تجارية لبيع هذه القطع الفنية.

عام 2016، استقالت من وظيفتها في جامعة الـ"LAU"، وتوجهت الى ​الولايات المتحدة​ حيث تخصصت في تصميم المجوهرات والمنسوجات في "Fashion Institute of Technology"، في ​نيويورك​. وفور عودتها الى لبنان، بدأت بالعمل على تأسيس "Espace فن".

خلال صيف 2019، قررت نور مشاركة ياسمين في مشروعها، من أجل التعاون معا على توسيع نطاقه. فقد لاحظت بعد الزواج، أن العمل كموظفة بدوام كامل، شاق ومتعب وصعب. وعندما تابعت دورات في "Espace فن"، في فن الأنماط (patterns)، أحبت هذا النوع من الأعمال، واقترحت على ياسمين أن تصبح شريكتها؛ فحصلتا على موقع جديد، وعلمتا معا على إضافة المزيد من الصفوف.

وتقول نور: "أؤمن بما نقوم به في "Espace فن"، وذلك لأن صفوفنا لا تتعلق بممارسة هواية معينة فحسب، بل تتعدى ذلك لتشمل تعلم ​مهارة​ جديدة للترفيه، أم حتى للانطلاق من خلالها، بمسيرة مهنية".

وحول الخدمات التي يقدمها "Espace فن"، توضح ياسمين أن هناك أنواع عدة من الدورات التعليمية للصغار والكبار أيضا، ومنها الفنون الحرفية مثل التطريز، تصميم الأحذية، تصميم المجوهرات، الصقل (enameling)، الحياكة،... بالاضافة طبعا الى الصفوف التقليدية في الفن مثل الرسم، التصوير، الرسوم الإيضاحية (illustration)، الـ"فوتوشوب"،...

وتابعت نور: "لدينا أيضا صفوف موجهة الى الفنانين وطلاب الجامعات المتخصصين في الفن، لتعليم مهارات مميزة وغير موجودة في المناهج التعليمية في لبنان. كما نقدم خدمات للفنانين والمصممين حول كيفية ​الترويج​ لأنفسهم ولإبداعاتهم؛ وذلك بهدف مساعدة أصحاب المواهب – وخاصة أولئك الذين يفتقدون الى الثقة - على الانطلاق في سوق العمل، والتعرف الى المستهلكين".

وفي ما يتعلق بالجمهور الذي يستهدفه "Espace فن"، توضح نور أن "هذه المساحة تقدم فرصة لتعلم حرفة فنية، لجميع الأعمار والفئات الاجتماعية، بتكلفة تترواح ما بين 200 و​300 دولار​ فقط. كما أن الصف الواحد يستوعب عشرة أشخاص كحد أقصى، وذلك لكي يتمكن المعلم من التركيز على كل طالب. أما في ​المرحلة الثانية​، فنستهدف ​الشباب​ الذين يريدون تغيير حياتهم ومسارهم الوظيفي، والذين يبحثون عن مهنة أو مهارة جديدة لتعلمها".

بدورها، لفتت ياسمين الى أن الصفوف تجذب بغ​البيت​ها ​النساء​، وبالتالي يسهم المشروع الى حد ما في تمكينالمرأة. أما الهدف الأساس من "Espace فن"، فيكمن في إعادة إحياء الصناعة الحرفية، لأننا بحاجة الى المزيد من الفنون والأعمال اليدوية.

ففي لبنان نفتقد الى ثلاثة أمور رئيسية، وهي:

​​​​​​​

أولا، الراحة النفسية.​​​​​​​

ثانيا، الإحساس بقدرتنا على التغيير.

ثالثا، الجمال والألوان والفنون بمختلف أنواعها.

وتابعت: "هذا ما نحاول توفيره من خلال مشروعنا، ونأمل أن نتمكن من التوسع عبر الفن، الى مجالات أخرى. فنحن نشدد على أهمية الحرفة المهددة بالانقراض، والتي تمثل هويتنا وتراثنا. ولا بد من الاشارة هنا، الى أن عقلية الـ"can do"، أي القدرة على القيام بأمر معين، مفقودة في لبنان للأسف، مع العلم أنها موجودة ومنتشرة في كل بلدان العالم".

وحول مرحلة التخلي عن الوظيفة الثابتة بدوام كامل، من أجل إطلاق مشروع "Espace فن"، تشير ياسمين الى أن خطوة الانتقال صعبة حتما وتتطلب الكثير من التفكير والتخطيط، ولكن علينا أن نسأل أنفسنا دائما: "هل هناك بالفعل ثبات واستقرار في هذه الحياة؟".

وأضافت: "لقد عانيت من مرض في القلب وخضعت لعمليتين جراحيتين، وهذا الأمر دفعني الى التفكير في المستقبل. اذ يمكن أن نشعر اليوم أن الوظيفة تعني الأمان، لكن هذا الشعور هو للأسف مزيف وخادع - بالنسبة لي على الأقل. ففي مرحلة معينة، سيتشجع الانسان على تجربة المغامرات الجديدة ومتابعة الأحلام، رغم كل المسؤوليات، والمخاوف، والقلق، والتوتر، و​ساعات العمل​ الطويلة، التي قد يفرضها هذا الواقع؛ لكنه سيتصرف حينها بروح مختلفة، لأنه يثابر على تحقيق حلمه الخاص. وفي النهاية، عندما يرى النتائج النهائية سيشعر بفخر كبير، ويتأكد من أن تعبه كان يستحق فعلا كل هذا العناء؛ فمهما كان التأثير صغيرا ومتواضعا، سيترك أثرا مهما في حياة البعض".

​​​​​​​

من جهتها، ذكرت نور أنها كانت في بداية المسيرة، الجهة الأقل دعما لنفسها، وذلك كونها اعتادت على الاستقرار الذي تقدمه الوظيفة الثابتة، لكن التشجيع الذي لاقته من العائلة، ساعدها حتما على القيام بهذه الخطوة. فقالت: "البيت السليم مبني على تخصيص الوقت و​الطاقة​ الكافيين به، بالاضافة طبعا الى الاهتمام به. وهذا المشروع يتطلب مني الوقت والجهد العقلي، لكن "الشطارة" الحقيقية، تكمن في أن أنجح بنفسي في تحقيق التوازن من خلال تنظيم الوقت والمسؤوليات".

وبالنسبة الى استراتيجية التسويق المعتمدة، أكدت نور أن "تركيزنا الأكبر هو على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تساعدنا في إيجاد الأشخاص المستهدفين 100%، وذلك من خلال خدمة الـ"targeted audience" (الجمهور المستهدف)، على "​فيسبوك​" و"​إنستغرام​". وبهذه الطريقة، سنتمكن من إيصال رسالتنا ورؤيتنا الى الأشخاص الذين نبحث عنهم، وهم في المقابل يبحثون عنا أيضا".

وتابعت: "في المرحلة المقبلة، نسعى الى تقديم الخدمات عبر الانترنت، مع الحفاظ على الحالة المزاجية التي يتميز بها مقر "Espace فن"، أي الراحة والاسترخاء، والابتعاد عن التوتر".

كما أشارت نور الى أنها تطمح، مع شريكتها ياسمين، أن يتحول "Espace فن" في المستقبل، من مساحة صغيرة الى معهد واسع. وشرحت هدفها قائلة: "نريد تقديم فرصة لتعليم الناس حرف من تراثنا بدأت تختفي شيئا فشيئا، وأخرى مستحدثة وغير موجودة في لبنان. فديناميكية سوق العمل في لبنان، وخاصة بالنسبة الى نقص الفرص، ستستدعي أن يتحلى الناس بالوعي من أجل الاهتمام بالنواحي المختلفة من الفن، وذلك لأن الشهادة الجامعية لم تعد كافية وحدها".

وفي النهاية، حصلنا على رسائل محفزة من ياسمين ونور، فقالت ياسمين للمرأة: "لا تخافي، أطلقي العنان لنفسك، جربي الأمور الجديدة، اخرجي من منطقة الراحة الخاصة بك... وعندها، سترين كم أن الإمكانيات الموجودة في الحياة جميلة ورائعة".

كما أكدت أننا "ننشغل بأمور عدة في بلدنا لبنان الذي يعاني من عدم الاستقرار، وبالتالي ننسى في معظم الأحيان "الاستكشاف"، ومن هنا، علينا تخصيص الجهد من أجل إيجاد الفرصة للاهتمام بأنفسنا!".

بدورها، أكدت نور أنه "اذا حصل الانسان على فرصة عمل معينة، عليه الاستفادة منها قدر الإمكان، مهما كانت متعبة ومرهقة، وذلك لأنها ستشكل خطوة للأمام، لكي يقدم ما هو جديد".

وقالت: "أنصح جميع الأشخاص، وخاصة الشابات اللبنانيات، بعدم الاستخفاف بأفكارهن، مهما كانت متواضعة؛ فأي خطوة بسيطة قابلة للتوسع والتطور في المستقبل".