مع بداية كل أسبوع تطلُ أخبار إقتصادية سلبية جديدة، تضع ​أركان​ الدولة برمّتها أمام امتحان إبقاء الاقتصاد متماسكاً.

هدأت أو بحسب التقارير، تأجّلت الأزمة التي عاشها ال​لبنان​يون على مدى الأسبوعين الماضيين، والتي تتمثل بأزمة "​إضراب​ قطاع ​المحروقات​" بعد تدخل من الرؤساء الثلاثة و​حاكم مصرف لبنان​.

ولكن الأزمة الأخطر، والمتمثلة بسعر صرف الليرة مقابل الدّولار، تتربّع على صدارة اهتمامات أركان الدولة، السياسيين والماليين، فيما أنظار اللبنانيين تتوجس من أزمة عملة، قد تتسبب بتآكل قدرتهم الشرائية، ما يحمل المواطن مزيداً من الضّغوط.

وآخر الأخبار السلبية التي تواترت، تتمثّل بتجميد مقررات مؤتمر "سيدر" لصالح لبنان بفعل ضغوطات دولية على ​فرنسا​.

والتجميد إذا حصل، لا شك سيحدث زلزالاً جديداً، إن لم يكن بالإقتصاد فبالشق النفسي، بعد وضع الحكومة مؤتمر "سيدر" كأحد أدوات تخفيف الضغط على الإقتصاد.

فإلى أين يتجه ​اقتصاد لبنان​ المتهالك؟ وأي قطاع جديد ستضربه الأزمة ؟ وماذا عن "سيدر والوعود الورقية ؟ أسئلة أجاب عليها أمين عام المؤتمر الدّائم للفدرالية د.ألفرد رياشي في مقابلة مع "الإقتصاد" :

ماذا حول التقارير بخصوص تجميد مقررات مؤتمر "سيدر" ؟

"أفترض أن التقارير حول تجميد مقررات مؤتمر "سيدر" لصالح لبنان حالياً تعدُّ صحيحة، حيث لم يصدر أي نفي رسمي، المعلومات والتلميحات في هذا الموضوع ليست وليدة السّاعة.

ومنذ نحو سنتين نتكلم بمؤتمر "سيدر"، ولازلنا حتى اليوم لم نطبّق شيئاً من المقررات، وطلب من لبنان بعض الإصلاحات، ولكن لم تؤخذ بجديّة، والإصلاحات اللبنانية ليست كافية.

أضف إلى ذلك الأسباب السياسية، وهي الضغوطات على لبنان والجهات الدولية وهذا يؤثر أيضاً سلباً على موضوع إعطاء ​قروض​ "سيدر".

ما هي تبعات تجميد أو تأجيل قروض "سيدر" ؟

"أولاً المساهمة الإقتصادية من خلال "سيدر" والتي ستتوجه للقطاعات الحكومية وغير الحكومية، تهدف بالأساس لتسريع العجلة الإقتصادية في لبنان، وخلق نوع من الحيوية.

وهذا سيفتقده الإقتصاد بالتأكيد في حال جمّدت مقررات "سيدر".

ثانياً الشق النفسي، إذ إن أول جزء من أموال "سيدر"، كان من المفترض أن يصل إلى 6 مليارات دولار على مدى عامين. وقياساً بالناتج المحلي، سيكون مفعوله بحدود الـ 5 %، وهذه النسبة لن تنتشل الإقتصاد من أزمته، ولكن أثرها النفسي، يمكن أن يساهم أيضاً في تحريك العجلة الإقتصادية، وهذه نقطة قد يفتقدها الإقتصاد كذلك في حال تجميد "سيدر".

في ضوء هذه المستجدات كيف يمكن أن نلخّص حال الإقتصاد ؟

"إن أي اقتصاد في لبنان يمر بمراحل، فبعد النمو و​الركود​ والجمود يأتي النمو السلبي، وبعده يأتي الإنهيار. وأذكر أمثلة على الإنهيارات، كإنهيار ​سوق المال​ والعقارات في الولايات المتّحدة قبل 10 سنوات خلال الأزمة المالية العالمية، وانهيار سوق العقارات في ​الإمارات​ كذلك.

نحن في لبنان قطعنا للأسف المرحلة الأولى من الإنهيار، وأذكر هنا السوق العقاري وتراجعه بمعدّل 30 %.

إضافة إلى السعر غير الرسمي للدولار عند 1600 ليرة وأكثر، وهذا يعني بداية الإنهيار.

وفي أي دولة خارج لبنان عندما يهوي السوق العقاري بالنسب الموجودة في لبنان، لكانت أطلقت وصف الإنهيار على القطاع.

وما عددناه هي المرحلة الأولى، أما ​المرحلة الثانية​ فلا يمكن لأحد معرفتها."

ما هي القطاعات الجديدة التي يمكن أن تطالها أزمة العملة؟

أعتقد أن الشرارة يمكن أن تصيب قطاع ​المصارف​، ولكان هذا القطاع المآخذ الكبيرة عليه، يجب المحافظة عليه.

ف​القطاع المصرفي​ ليس من صالحه اليوم أن تنهار الليرة، لسبب رئيسي، وهو أن أكثرية القروض، هي بالعملة اللبنانية.

كمثال لا الحصر، أتحدث هنا عن قطاع الإسكان، إذ إن هناك مليارات الليرات اللبنانية استدانها اللبنانيون من المصارف، وفي حال تضخّم الدّولار، أو انهيار العملة اللبنانية أمام الدّولار، فإن هذه القروض ستصبح بلا قيمة، وهذا مثلٌ يطبق على الكثير من القروض الأخرى.

ولذلك فإن سياسة المصرف المركزي يجب أن تحافظ على المصارف.

وأتوقع مواصلة الجهود للمحافظة على العملة، ولكن إن شاهدنا إنهيارات جديدة، فإن القطاعات المصرفية مرشحة لأن تطالها الشظايا.

وإن أهم منشطي العجلة الإقتصادية اليوم في لبنان، القطاع المصرفي وقطاع الدولة، أي الموظفين العاملين في الدوائر الرسمية والسلك العسكري.

فالدّولة هي أكثر موظِّف في لبنان، بوجود 300 ألف شخص موظف رسمي وعسكري، أي بحدود مليون شخص يعتاشون من الدولة.

ما الذي يحتاجه لبنان اليوم؟

نحن بحاجة إلى تسوية شاملة اليوم، تكون سياسية بالدرجة الأولى مبنية على النظام التعددي في لبنان والمعروف بالنظام الفدرالي، لأن المشاكل السياسية تؤسس للأزمات الإقتصادية، والإستقرار الإقتصادي يتطلب حل المشاكل السياسية وتسوية شاملة.

وأؤكد هنا على ضرورة حل مشاكل العلاقات الخارجية، حيث باتت تفرض على لبنان ضغوطات جديدة.

ولا ننسى أن ​الدولة اللبنانية​ اليوم واقعة في عجز، ولغاية اليوم لم يتم التوصل إلى منفذ لسد هذا العجز، حتى أن المدينين غير موجودين، وهذا يزيد علينا التحديات.

ولبنان اليوم لم يعد ينفع معه "المورفين" وبات يتطلب "تدخلاً جراحياً" تتغير من خلاله السياسات بالكامل، للوصول إلى حلول واستقرار للوضع الإقتصادي.