بدأت فكرته بالصدفة، وتحديدا من السوبرماركت. اذ أراد حسن ناصر أن يفاجئ زوجته بمناسبة عيد الحب، من خلال تحضير وجبة العشاء... وهنا بدأت المعاناة!

فقد أمضى ساعات طويلة في السوبرماركت للبحث عن المكونات المطلوبة والمناسبة لوصفته. ومن هنا، قرر تجنيب الآخرين هذه العملية الصعبة، وعمد الى تقديم خدمة "KonChef"، وهي عبارة عن صندوق يحتوي على المكونات الخاصة بوصفة معينة، بالاضافة الى طريقة التحضير بالتفصيل. فبعد أن يختار الشخص الوصفة التي يريدها عن الموقع الخاص بالشركة "www.konchef.com"، سيحصل على هذا الصندوق، لكي يبدأ بعدها بتحضير الوصفة خلال وقت قصير لا يتعدى الـ30 دقيقة.

وتجدر الاشارة هنا الى أن تخصص ناصر الجامعي هو الهندسة الطبية، إضافة الى دكتوراه في علوم الكمبيوتر، ولكنه كان وما زال يستمد شغفه بالطهو من والده. إيمانا منه بالفرصة التي تتيحها التكنولوجيا والخوارزميات في المساعدة في حل مشاكل سلسلة الغذاء وخسارة الأطعمة غير المستعملة قبل تاريخ انتهاىْها، قرر أن يقدم هذه الخدمة مع لمسة علمية مبتكرة تنظم الاستهلاك من المصدر الى المستهلك مباشرة. وبالاضافة الى مسيرته في ​ريادة الأعمال​، يحاضر في جامعات لبنانية عدة، في كليتي الهندسة وعلوم الكمبيوتر، لكي ينقل الى طلابه سمات النجاح والرغبة في إحداث فرق.

كان لـ"الاقتصاد" هذه المقابلة الخاصة مع رائد الأعمال اللبناني، مؤسس منصة "KonChef"، حسن ناصر، للإضاءة أكثر على مسيرته:

- هل أنت راضٍ عن النتائج التي حققتها "KonChef" الى حد اليوم؟

منذ انطلاقتنا، سعينا الى تحقيق ثلاثة أهداف:

الأول، الحصول على شعبية في السوق.

والثاني، تأمين الأموال والمزيد من ​الاستثمارات​ لشركتنا الناشئة.

أما الثالث، فهو التوسع الى منطقة الشرق الاوسط.

سنحقق الهدف الأول بالكامل مع حلول نهاية 2019، أما الهدف الثاني، فقد بدأ العمل عليه وسوف نقوم بتنفيذه مطلع العام المقبل.

- كرائد أعمال لبناني، أطلقت شركتك الناشئة في لبنان وتعمل على تطويرها في جو من عدم الاستقرار، ما هي أبرز التحديات التي تواجهك؟

التحديات والمشاكل كثيرة في لبنان، فالدعم المعنوي موجود محليا، في حين أن الدعم المادي ضعيف وخجول جدا، وبالتالي نواجه المشاكل على صعيدين:

أولا، على صعيد الدولة، التي لم تؤمن بعد المنصات القانونية المناسبة لريادة الأعمال. فقد أصدر ​مصرف لبنان​ منذ سنوات، التعميم 331 الذي يهدف الى ضخ 400 مليون دولار في "اقتصاد المعرفة"، على شكل استثمارات تقوم بها المصارف الخاصة، لإعطاء الأموال لأصحاب الأفكار. ولكن للأسف، ھنالك مصاریف كبیرة لا تصب في خطة اكتساب المستخدمین أو تطویر المنتج تجبر بھا ​الشركات الناشئة​.

فعلى سبيل المثال، يقدم مسرّعو الأعمال (accelerators) في لبنان، لرائد الأعمال مبلغ 20 ألف دولار مقابل 5% من الأسهم. وهذا المبلغ يدفعه مقابل أمور عدة، لا يحتاج اليها على الإطلاق في بلدان أخرى؛ ففي ​أوروبا​ يمكن إطلاق شركة ما بمبلغ 1 يورو فقط، دون الحاجة الى محام أو محاسب، في حين أننا ملزمون بتأمين المحامي والمحاسب في لبنان منذ اليوم الأول من العمل في الشركة، مع العلم أنها لم تحقق بعد أي ربح مادي.

ثانيا، من ناحية ثقافة الاستثمار في لبنان؛ فعلى سبيل المثال، يريد المستثمر نسبة كبيرة من الشركة مقابل مبلغ متواضع من المال. وبالتالي فإن العقلية ليست جاهزة بعد على تشجيع الشركات الناشئة، بل تهتم فقط بالرقم النهائي المحقق.

ثالثا، الكثير من الأشخاص القيمين على منظومة ريادة الأعمال في لبنان، أي المطورين، مهمتهم مساعدة أصحاب الأفكار. لكنهم يفتقدون للأسف الى معظم المهارات التي تخولهم القيام بهذه المهمات، بسبب عدم خوضهم مغامرات الشركات الناشئة بأنفسهم، وعدم اكتسابهم لأي خبرة على الأرض؛ فـ"فاقد الشيء لا يعطيه".

وبالتالي، لا يعرفون وجع رواد الأعمال ومشاكلهم، بل يركزون بشكل أساسي على النظريات التي لا تفيد الشخص في سوق العمل.

- ما هي أبرز التقييمات التي تحصلون عليها من عملاء "KonChef"؟

الأصداء إيجابية، والجمهور يحب خدماتنا كثيرا. وقد تمكنا من تحقيق شعبية أكبر بـ50% من ما كنا نتوقع.

فعندما نرى مدى رضا العملاء عن "KonChef"، نشعر بسعادة عارمة، اذ نرى أن شركتنا ليست متعلقة بالطبخ والتكنولوجيا المنطوية في المنصة ونظم التشغيل فحسب، بل تتعدى ذلك لتشمل إحداث فرق في حياة الناس، وإدخال البسمة الى حياتهم، من خلال خدمات بسيطة وممتعة.

فـ"KonChef" تسهل على أي شخص، عملية تحضير الطعام؛ ويمكن مفاجأة الأصدقاء والأحباء والأقرباء بهذه اللفتة الجميلة. ذلك لأنه عندما نبذل مجهود لإسعاد شخص مقرب، سنحصل على مردود أكبر من الدفع بالأموال؛ فالمال لا يعبر عن المشاعر، في حين أن الجهد يدل على تخصيص الوقت والطاقة من أجل شخص معين.

- على الصعيد الشخصي، ما هي الصفات التي تساعدك على التقدم والصمود في عالم ريادة الأعمال؟

يجب أن يعرف كل رائد أعمال كيف يسيّر أعماله مع تفادي حرق المراحل أو الخطوات؛ أي عليه أن يتعرف الى مدى حاجة السوق الى المنتج (product market fit)، ومن ثم تحديد الشعبية (Traction)، وأخيرا دراسة إمكانية التوسع (scalability). وقد واجهت هذه المشكلة في مسيرتي، وأنصح كل رائد أعمال أن لا يقع في العثرة ذاتها.

فالمعرفة في هذا النطاق يجب أن تكون موجودة، لكنها للأسف مفقودة في لبنان، حتى على مستوى مسرعي وحاضني الأعمال (accelerators and incubators).

ولا بد من الاشارة الى أن أي شركة ناشئة قد تنجح أو تفشل، وقد كشفت الدراسات أن 10% فقط من الشركات الناشئة تنجح في حين أن الـ90% المتبقية تفشل. وعلى صعيد الشخصي، لو عاد بي الزمن الى الوراء، لانطلقت بطريقة مغايرة بعض الشيء. لكن المواقف الصعبة تعطينا الدروس المفيدة للمستقبل.

- الى أين تتجه بوصلة مشاريعك المستقبلية؟

أولا، نسعى للحصول على الاستثمارات من أجل الوصول الى كافة الأراضي اللبنانية.

ثانيا، سوف نبدأ بالتوسع نحو منطقة الشرق الأوسط شيئا فشيئا.

- من يقدم لك الدعم في هذه المسيرة؟

الدعم في الانطلاقة يعود لمسرع الأعمال "UK Lebanon Tech Hub"، كما أن الـ"Flat6Labs" قدموا لنا الدعم المادي والتواصل مع شبكة رائعة من المرشدين. لا يمكنني أن أنسى المساعدة التي قدمها لنا كل واحد من المرشدين على صعيد التوجيه والتسويق، لا سيما الاستراتيجية. كما للعائلة أيضا فضل في هذا الدعم، وخاصة زوجتي، لأننا نعيش مع بعضنا البعض مغامرة ريادة الأعمال، وهمي هو همها. كما أنها قادرة على تفهم طبيعة عملي، والتحاور معي حول مهامي ومشاريعي ووجهتي.

- ما هي المقولة التي تتبعها في رحلتك الريادية؟

تأثرت كثيرا في مسيرتي بهذه المقولة للمستثمر الأميركي جيم رون: "If you want more, simply be more"، أي "اذا أردت التطور أكثر، عليك ببساطة أن تكون أكثر".

وبالتالي لا يمكن تحقيق التقدم إلا من خلال العمل الجدي، وتطوير الذات، والقراءة، ووضع الخطط، وزيادة المعرفة، والتحلي بالشجاعة للتعرف الى المواضيع والجوانب الجديدة،...

فاذا أردنا الوصول الى المزيد من النجاحات، علينا القيام بمجهود أكبر.

- ما هي النصيحة التي تقدمها الى جيل الشباب في لبنان، بالاستناد الى تجربك الخاصة في عالم ريادة الأعمال؟

أنصح أحبائي من الطلاب والرفاق دائما، أن يتحلوا بالثقة، ويبحثوا بالدرجة الأولى عن خدمة أو منتج يحتاجه الناس لكنهم يفتقدون اليه، ومن ثم يثابروا على تقديمه.

فالمشكلة الأكبر في مجتمعنا، تكمن في الحدود المجتمعية التي تشجع الانسان على إنهاء تخصصه الجامعي وإيجاد وظيفة براتب جيد، وبعد ذلك شراء سيارة، وتأسيس منزل،... لتنتهي طموحاته عند هذه المرحلة!

ولهذا السبب، أحاول قدر الإمكان إظهار المقلب الآخر من وجودنا في هذا المجتمع، والذي يتمثل في تقديم الأفكار الجديدة وتنمية المواهب الفريدة؛ فالدراسة الجامعية تفيد الانسان بنسبة 50% فقط، أما الـ50% المتبقية فتأتي من خلال المهارات الجديدة المكتسبة في ما بعد، والتي تكون بالعادة من خارج المناهج المتبعة.

أنا من الأشخاص الدعاة الى تعدد التخصصات (multidisciplinary) في مختلف الجوانب، وذلك من أجل الانفتاح على الخيارات، وعدم التقيد بهدف واحد فقط!

فبعض الناس يخافون من الخيارات خشية الابتعاد قليلا عن الخطة التي رسمها لهم المجتمع، ولكن يجب أن يخرج الانسان الطموح من هذه الحدود، لكي يزدهر ويظهر أفضل ما لديه.