القطاع العقاري​ في لبنان ليس في أفضل حالاته، فهو يشهد ركودا في ظل استمرار توقف قروض ​الإسكان​، وتراجع الطلب على ​العقارات​، وغياب ​الاستثمارات​. ولا حلول جذرية في المدى المنظور، فبدلا من إعطاء الإسكان يأخذون منه!

اذ تم إقرار ​المجلس النيابي​ القانون المعجل المكرر الرامي الى نقل اعتماد من فصل الى فصل من ​موازنة​ ​وزارة الشؤون الاجتماعية​ للعام 2019 ما يعني زيادة مبلغ 35 مليار ليرة لمؤسسات الرعاية، لكن الوزير ريشار قيومجيان أكد أن هذا الاعتماد لن يمس بذوي الدخل المحدود الذي ينتظرون الحصول على قروض من مؤسسة الاسكان، طالما أن المبلغ المتوافر لديها يفوق الـ150 مليار ليرة.

فما هي أوضاع القطاع العقاري اليوم في ظل الجمود الحاصل؟ ما الحلول المطروحة مع استمرار توقف الإسكان؟ هل أن هذا القطاع ما زال قادرا على الصمود؟

هذه الأسئلة وغيرها أجابت عليها نائب رئيس جمعية مطوري العقار لبنان "REDAL"، ومديرة تطوير الأعمال في شركة "FFA Real Estate"، ​ميراي القراب أبي نصر​، في هذه المقابلة الحصرية مع "الاقتصاد":

- الى أي مدى سيؤثر موضوع الـ35 مليار ليرة المعطاة الى وزارة الشؤون الاجتماعية في أزمة الإسكان الحاصلة؟ وكيف تقيمين وضع القطاع العقاري اليوم؟

الإسكان يعاني من الأساس من حالة صعبة، وبالتالي سيتأثر سلبا بأي خطوة إضافية؛ فهو بحاجة الى 3 آلاف مليار ليرة سنويا لكي يعمل بشكل طبيعي، فماذا سيحل به إن أخذنا من الـ100 مليار ليرة المتبقية لديه؟

أما بالنسبة الى القطاع، فهو في حالة من الجمود، كما بات الجميع يعلم، والوضع من سيء الى أسوأ. ففي الماضي، كنا نعيش في جو من الترقب، لكن اليوم باتت الصورة تدل تماما على الجمود والتراجع.

ولا بد من الاشارة الى أن نسبة التراجع في القطاع العقاري تتخطى الـ25% في عام 2019، بالمقارنة مع العام الماضي 2018.

- في ظل استمرار توقف قروض الإسكان، ما هي الحلول التي يعتمد عليها المطورون من أجل تحفيز عمليات البيع العقارية؟

ليس بإمكاننا تحقيق الكثير في هذا المجال، لأنه لا يمكن لأي جهة أن تحل مكان الإسكان. ولكن هناك بعض الطرق التي يستعين بها المطورون من أجل التمكن من بيع عقاراتهم، ومنها الإيجار التملكي.

فمن خلال هذا الأمر، يمكن للمستأجر الاستفادة من الأموال التي يدفعها خلال ثلاث سنوات، كبدل عن الإيجار، ويحصل على خيار الشراء بعد انقضاء هذه الفترة.

وبالتالي فإن هذه المرحلة تعتبر وسطية، بانتظار عودة القروض، وتقدم للأشخاص فرصة تملك شقة.

- هل هناك إقبال من اللبنانيين على الإيجار التملكي؟

الفكرة ليست جديدة ولم يتم اختراعها في بلادنا، بل هي موجودة في كافة دول العالم. لكنها تفتقد الى التشريعات في لبنان. وهذا ما نعمل عليه ونطالب به مجلس النواب، من أجل خلق معايير وقواعد واضحة للإيجار التملكي، وقوننة هذا الموضوع، لتفادي المشاكل التي من الممكن أن تنتج عنه.

- هل سيسهم الجمود الحاصل في القطاع العقاري، في خفض أسعار الشقق التي وصلت الى مستويات مرتفعة جدا؟

موضوع الأسعار متعلق بالعرض والطلب في السوق، وينطلق من أساس معين هو الكلفة. في حين أن الطلب معدوم، أكان على المنازل أو المحلات أو أي عقار، لأن الناس لا يريدون الاستثمار في الوقت الحاضر، ومن يمتلك ​السيولة​ المادية يفضل الاحتفاظ بها، أما من لا يمتلكها، فتكون قدرته الشرائية متواضعة جدا، وبالتالي لا يفكر في الشراء. ونرى أن الطلب موجود فقط من قبل الأشخاص المضطرين الى الشراء.

لكن في ظل غياب الطلب نحاول تحريك السوق، وبعض المطورين يعمدون الى البيع بأسعار الكلفة، أو حتى ما دون الكلفة، لكي يتمكنوا من تسديد القليل من الدفعات المستحقة للمصارف. وبالتالي يخسرون حاليا من أجل الاستمرار وتخطي هذه المرحلة، على أمل أن يتحسن الوضع في المستقبل.

- هل أن القطاع ما زال قادرا اليوم على الصمود؟

القطاع غير قادر على الصمود، فنحن نصمد من اللحم الحي. وقد قمنا كجمعية مطوري العقار بزيارة رئيس جمعية ​المصارف​، للمطالبة بإيجاد حل مع المصارف والمطورين، من أجل التعاون معا لتخطي هذه المرحلة الصعبة على الجميع؛ فـ"اذا المصارف عم تعرج، نحن مكرسحين!"

والخلاصة أن ​جمعية المصارف​ ستتمنى على ​المصارف التجارية​ المنضوية تحت لوائها، أن تتعاون بمرونة وسلاسة وبذهن منفتح، مع الأفكار الجديدة حتى يتمكن المطورون من الاستمرار، ولا يضطرون للتوقف عن العمل وبالتالي صرف العديد من العمال والموظفين؛ فمهنة التطوير العقاري تشغل حوالي 70 مهنة من حولها، بطريقة مباشرة أم ترددية وغير مباشرة.

- هل هناك أي بوارد حول عودة المستثمر العربي والخليجي الى لبنان؟

لا توجد أي بوارد في الوقت الحاضر، فما هي الأسباب التي ستشجع المستثمر على العودة؟

الهدف من الاستثمار هو جني الأرباح، وكل بلدان العالم تنفتح على أفكار ومجالات جديدة من أجل استقطاب المستثمرين وإعطائهم التسهيلات والفوائد الإضافية لحثهم على الاستثمار فيها. ومن هنا، علينا في لبنان تقديم تحفيزات مشجعة للمستثمر كي لا يتجه الى بلدان أخرى.

- ما هي برأيك الحلول التي يمكن اللجوء اليها اليوم بانتظار عودة الإسكان؟

نحن ننتظر عودة الإسكان ونحاول إلهاء أنفسنا بأمور أخرى. وبالتالي من أجل إعادة تحفيز الاستثمار في القطاع العقاري، يجب تحفيز القطاع بحد ذاته، بالاضافة الى تحفيز الاقتصاد لتشجيع الناس على وضع أموالهم في بلدنا، وتخفيض الفوائد في المصارف. كما يجب العودة الى ضخ الأموال في ​الاقتصاد اللبناني​ لكي نحرك العجلة ونسهم في إنعاشها. وبعد ذلك، بإمكاننا الحديث عن أمور أخرى.

علينا الالتفات الى الاقتصاد الذي يعاني من مشاكل كثيرة، فالقطاع العقاري هو مؤشر على وجود خلل في الاقتصاد ككل. وبالتالي عندما بدأ هذا القطاع بالتراجع منذ حوالي خمس سنوات، اعتقد الناس أنه يعاني وحده من التدهور، لكن الحقيقة هي أن تراجع الاستثمار في العقار ينذر بخلل في الاقتصاد، وتباطؤ بالعجلة الاقتصادية وتدني في القدرة الشرائية.

وكان من المفترض الالتفات الى هذا المؤشر من قبل، والعمل على إيجاد الحلول اللازمة، ولكن للأسف لم يحصل هذا الأمر، ما أوصلنا اليوم الى هذه المرحلة المؤسفة.