حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​: "سعر صرف ​الدولار​ ليس مسؤولية مصرف لبنان".

رئيس الجمهورية ميشال عون: "أنا كنت في ​نيويورك​ اسألوا المعنيين، هناك مسؤول عن النقد هو ​حاكم مصرف لبنان​، وهناك مسؤول عن المال هو وزير المال".

للأسبوع الثالث على التوالي، يستمر تخبّط ​الإقتصاد اللبناني​ بين تصريحات المسؤولين المتضاربة وما يعيشه المواطنون على الأرض في ما يتعلّق بالليرة وسعر الصرف. ففي الوقت الذي يؤكد مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة أن حجم الإحتياطي الأجنبي مرتفع وأن سعر الصرف ثابت، لجأت ​المصارف​ لوضع سقف للسحوبات بالنقد الأجنبي والحد من منح القروض للمواطنين،كما وصل ​سعر صرف الدولار​ الى 1700 ليرة عند بعض الصرّافين.

وفي اعتراف مبطّن بأزمة قيل أنها "مفتعلة"، أكد سلامة إن المركزي سيصدر تعميماً الثلاثاء لتخفيف الضغط على طلب الدولار لدى ​شركات الصرافة​ وتنظيم توفيره للمصارف بالسعر الرسمي لتأمين ​استيراد​ ​البنزين​ و​الادوية​ والطحين.

هل سيحدّ هذا التعميم من الأزمة؟ ما هو مستقبل سياسة تثبيت سعر الصرف؟ وهل الظروف مؤاتية للتخلي عنها؟ لمعرفة المزيد حول هذه المواضيع وغيرها، كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع الخبير الإقتصادي د. سمير الضاهر:

هل توافق على أن التعميم الذي أعلن عنه سلامه اليوم هو اعتراف بوجود أزمة؟ وهل سيتمكن هذا التعميم من حلّها؟

التعميم عندما يصدر سيحدّد عدة استعمالات في سوق القطع، حيث ستتم تجزئته بين ما يسمى سلع استراتيجية كالمحروقات و​الأدوية​ و​القمح​ وبين السلع الباقية كالسيارات والهواتف وإلى ما هنالك. عندما نتحدث عن تثبيت سعر الصرف لحماية السلع الأساسية هذا يعني أن مصرف لبنان يضمن سعر الصرف عبر التداول مع ​المصارف التجارية​ لهذه السلع.

وهنا أودّ الإشارة الى أن السعر الذي وصل اليه الدولار في السوق الموازية (لا يمكن القول سوق سوداء لأن المصرف المركزي يعترف بوجود الصرافين) وهو 1600 تقريباً، أي 6%، يبقى "محمولاً" أي يمكن للبنك المركزي ضبطه.

وفقاً لتحليلي الشخصي، نحن على مدخل التخلي عن سياسة تثبيت سعر الصرف وذلك عبر خلق أسواق متوازية للصرف. ولا مفاجأة في ذلك، لأن الطريق التي نسير عليها منذ 28 سنة والمتمثّلة بتثبيت هذا السعر عند الحد الذي كان قائماً، في كافة التداولات، كان مرتبط ب​التحويلات​ الكبيرة من الخارج الى ​المصارف اللبنانية​. أما اليوم، انخفض حجم هذه التحويلات وانعكس ذلك على توفر الدولار، ما أثر على ميزان المدفوعات.

هذا هو نموذج الإقتصاد اللبناني: قائم على التحويلات، نستهلك أكثر ممّا ننتج، نأكل أكثر مما نحصد، ونلبس أكثر مما ننسج ونشتري أكثر ممّا نبيع.

الهم الأساسي اليوم ليس الوضع الإقتصادي بل واقع المالية العامة.

ما هي توقعاتك للفترة المقبلة على صعيد ​العقوبات​ الأميركية؟ وما هي الخيارات المتاحة أمام لبنان في حال تفاقم الوضع؟

بالنسبة للعقوبات، أعتقد أن التشدد بالنسبة للإدارة الأميركية على هذا الصعيد يأتي في سياق محاربة ​الإرهاب​، وهذا أمر لا يشكّل تهديدا للنظام المصرفي اللبناني العريق الملتزم بالمعايير الدولية، خاصةّ تلك المتعلّقة بنظافة الأموال.

أما حالة "جمّال تراست بنك" فأعتقد أنها حالة شاذّة. المصرف المذكور يتعامل مع المؤسسات المدنية والخيرية لـ"حزب الله"، الذي هو جزء من الصراع القائم في المنطقة بين ​الولايات المتحدة​ وإيران.شخصياً، أعتقد أن هذه الحالة خاصّة ولن يكون لها تأثير على الواقع المصرفي في لبنان.

تم الإعلان عن حالة طوارئ اقتصادية وعن النية الجديّة لحلّها، ولكن هل يمكن لمسببي حالة الطوارئ هذه تسلّم عملية إيجاد الحلول؟

السبب الرئيسي لمشكلة اليوم متمثّل باعتمادنا لسنوات طويلة على التدفقات المالية من الخارج، والتدفقات تراجعت لأسباب معظمها خارجية، أبرزها هبوط أسعار ​النفط​ وتراجع النمو في ​الدول الخليجية​ التي يعمل فيها أكبر عدد من اللبنانيين، ما أدى الى تراجع تحويلاتهم.

وماذا عن الهدر و​الفساد​؟

نعم بالتأكيد، عجز الخزينة ناتج في المقام الأول عن الهدر والفساد ولكن المشكلة كانت مغطّاة بالتدفقات التي كانت تكفي لتغطية العجز و​الدين العام​ وأكثر. المشكلة ظهرت مع تراجع التدفقات.

نسبة الدين العام من الناتج المحلي في التسعينات وصلت الى 180-200% ولكن لم يكن هناك أثر كبير لذلك لأن التمويل كان مؤمّن من التدفقات.

الحل اليوم يكون بالتغييرات الهيكلية كتعميم "مصرف لبنان" بإنشاء أسواق قطع متوازية. وهذا نراه كثيراً في الأنظمة التي تتبع سياسة تثبيت سعر الصرف.

اليوم بات لدينا"ورقة بعبدا الإقتصادية" و"خطة ​ماكنزي​"، برأيك ما هي الإجراءات التي يجب البدء بها للخروج من الأزمة؟

خطة "ماكنزي" رؤية اقتصادية، أي أنها سلّة مشاريع انتاجية لتحويل اقتصادنا من ريعي الى منتج. أما ورقة بعبدا، فرأيت فيها اهتمام كبير بواقع المالية العامة لضبط العجز وزيادة الإيرادات، بالإضافة الى تضمّنها اجراءات لإنعاش الإقتصاد وتحفيز النمو وخلق فرص العمل، وبند عن البنى التحتية لتعزيز التنافسية في الإقتصاد. كما تضمّنت بند بخصوص خطة ​الكهرباء​ التي لا نعلم لماذا لم تدخل حيّز التنفيذ بعد، وهي التي لها التأثير الأكبر.