منذ خمسينيات القرن الماضي، أحرزت هندسة الطيران تقدماً مذهلاً في زيادة قوة وكفاءة المحركات. وهذا التقدم كان سببا في ازدياد كميات الطائرات المصنعة، والذي سيؤدي بدوره إلى زيادة استخدام ​الوقود​ والمزيد من انبعاثات غازات الدفيئة (GHG) ما لم يتم العثور على بديل مناسب للوقود الأحفوري.

اليوم، تمثل صناعة الطيران العالمية 2.4% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد ​الكربون​ وحوالي 12% من غازات الدفيئة الصادرة عن صناعة وسائل النقل. لكن من المتوقع أن تزداد هذه النسب المئوية حيث أن الطلب المتزايد على السفر الجوي ، وخاصة في ​آسيا​ ، يتطلب إضافة سعة أكبر بكثير. بحلول عام 2028، من المتوقع أن سيتوسع حجم الأسطول العالمي بنسبة 43% إلى أكثر من 39000 طائرة. بحلول عام 2050، تتوقع ​منظمة الطيران المدني الدولي​ (ICAO) أن تزيد الانبعاثات الناتجة عن الطيران بأكثر من 300%. من المحتمل أيضًا أن يرتفع نصيبها من الإنتاج العالمي لانبعاثات غازات الدفيئة إذا لم تُبذل أي محاولة مجدية للابتعاد عن الوقود الأحفوري، بالنظر إلى الجهود التي تبذلها القطاعات الأخرى التي تنبعث منها الكربون، مثل ​توليد الكهرباء​.

تقوم بعض ​شركات الطيران​ الرائدة باستعارة فكرة ​صناعة السيارات​ الهجينة، ويمكن أن تمثل أنظمة الدفع هذه استراتيجية مؤقتة لخفض الانبعاثات واستهلاك الوقود الأحفوري إلى أن يتم تطوير الطائرات التي تعمل ب​الطاقة​ الكهربائية أو الهيدروجينية المستدامة بشكل كامل. بالنظر إلى الأدلة المتزايدة على أن وتيرة تغير المناخ تتسارع ، لا يستطيع الطيران الانتظار لمدة عقدين آخرين لمعالجة مشكلة انبعاثاته.

وفي حين أن السيارات الهجينة لا تقلل من الانبعاثات بقدر ​السيارات الكهربائية​ بالكامل، إلا أنها تقللها إلى النصف تقريبًا مقارنة بالسيارات التي تعمل بالبنزين. بالنسبة للطيران، فإن الطيران الهجين لا يزال يواجه العديد من التحديات، ولكن من المرجح أن يتحقق هذا البديل في أسرع وقت ممكن من الطائرات كهربائية بالكامل.

بينما من المتوقع أن تهيمن السيارات الكهربائية والمركبات الخفيفة على ​مبيعات السيارات​ بحلول عام 2040، فإن "Emissions Analytics"، وهو متخصص عالمي في الاختبارات والبيانات يقيس الانبعاثات في العالم وكفاءة استهلاك الوقود، جادل بأن ​الترويج​ الهجين في المدى القصير قد يكون في الواقع أكثر فعالية في خفض الانبعاثات على المدى الطويل.

أحلام ستكون واقعية

يقول تقرير ان تصغير حجم المحركات التقليدية سيؤدي إلى تحسين أداء ​الطائرة​ خلال رحلات الطيران. كما أن الجمع الهجين بين محرك كهربائي ومحرك تقليدي في طائرة ركاب لرحلات إقليمية مدتها نحو ساعة واحدة سيؤدي إلى توفير في الوقود بنسبة 30% على الأقل.

ويجري حاليا أيضا تطوير أنواع أخرى من الطائرات الهجينة، حيث قامت شركة "أمبير" ومقرها لوس أنجلس، في ​الولايات المتحدة​، برحلة غير مسبوقة بطائرة سيسنا سكاماستر، التي تضم ستة مقاعد بعد تحويرها إلى طائرة هجينة.

وقبل التحوير كانت الطائرة تعمل بمحرك مروحي في المقدمة ومحرك آخر للدفع في المؤخرة.

وقامت الشركة باستبدال المحرك الخلفي بمحرك كهربائي يعمل بالبطارية. وأصبحت هذه الطائرة من أكثر النماذج التي يمكن أن تطلق عليها صفة هجينة.

وعلى الرغم من تلك الجهود فإنه بالامكان أن تفتح آفاقا أوسع تدريجيا للطائرات الهجينة في سوق الطيران التجاري، إلا أنها لا تزال بعيدة عن إمكانية تشغيل الطائرات الكبيرة التي تحتاج إلى محركات ذات طاقة كبيرة تزيد على 20 ميغاواط.

سوف يعتمد مستقبل الطائرات الهجينة بشكل أساسي على خطط التطوير لدى عملاقي ​صناعة الطائرات​ وهما "​بوينغ​" الأميركية و"​إيرباص​" الأوروبية في ما يتعلق بأجيال طائراتهما المستقبلية.

وربما يكمن بديل المحركات الكبيرة في عدد كبير من المحركات الصغيرة، لكن ذلك يتطلب عددا من القفزات التكنولوجية، ليس فقط في البطاريات ولكن أيضا في ​التصميم​ الإيروديناميكي وتوزيع الكهرباء.

تحسين كفاءة الطاقة

وهناك أيضا جهود كبيرة لتحسين كفاءة ​استهلاك الطاقة​ وتصنيع طائرات هجينة بطرق تقليدية نسبيا.

وتتعاون شركة "إيرباص" مع شركة "رولس رويس" البريطانية لتصنيع المحركات النفاثة وشركة ​سيمنز​ الألمانية لتصميم نموذج لطائرة قصيرة المدى للرحلات الإقليمية تضم 100 مقعد أطلق عليها باي 146 (bae 146).

وتشير الخطط إلى أنها ستعمل بأربعة محركات توربينية أصغر حجما مما تحتاجه عادة طائرات بهذا الحجم. ويتم استبدال أحدها بمحرك توربيني كهربائي بسعة 2 ميغاواط مدعوم بمزيج من البطارية والمولد.

إذا سارت الأمور على ما يرام، فسيتم استبدال المحرك الثاني بطريقة مماثلة. ويرتكز المشروع إلى البحث عن مزيج مثال من محركات الاحتراق والطاقة الكهربائية لتصنيع طائرات أكثر كفاءة وأقل استهلاكا للوقود وأقل تكلفة في التشغيل.

لكن الدافع الأكثر إلحاحا هو المخاوف البيئية والالتزام بالمعايير والضوابط، التي تزداد صرامة يوما بعد يوم لخفض مستويات الانبعاثات.

اخيرا، يبدو أن شركات صناعة الطائرات ستكون مجبرة على تكثيف الاستثمار في ابتكارات الطيران الهجين لأنه الحل الوسط والجيد لمواجهة الضغوط البيئية في ظل استحالة الطيران الكهربائي على المستوى التجاري، إلا إذا حدثت قفزة هائلة في صناعة البطاريات.