يُقال أن "الوطن هو المكان الذي نحبه، فقد تغادره أقدامنا لكن قلوبنا تبقى فيه!"، والمغتربة ال​لبنان​ية في ​الولايات المتحدة​ تينا لطوف شمعون، تطبق هذا القول بالفعل.

فصحيح أنها ولدت في الولايات المتحدة وتغربت عن وطنها بعمر صغير، لكنها تعلقت به وحملته في قلبها على الدوام، كما حافظت على مكانته في حياتها اليومية، وقررت تعريف العالم الى تراثه الغني ومأكولاته الشهية؛ فباتت غربتها تكريما لبلدها الأم.

وما بدأ كهواية أصبح مع الوقت شغفا، وذلك في محاولة لإضفاء لمسة من الحنين والشوق للوطن؛ وما أفضل من روائح الأطعمة الشهية، ومذاقها اللذيذ، وأشكالها الجميلة، لاستعادة ذكريات خلابة ومليئة بالمشاعر والأحاسيس؟

فلنتعرف أكثر الى صاحبة المدونة الالكترونية "Your Lebanon"، تينا لطوف شمعون، في هذه المقابلة التي خصت بها "الاقتصاد":

  من هي تينا لطوف شمعون؟  

أنا لبنانية – أميركية، أعيش في كليفلاند، أوهايو، وقد أسست المدونة الالكترونية المتخصصة بالطعام والثقافة "Your Lebanon"، والموقع الالكتروني "www.yourlebanon.com".

والى جانب ذلك، أعمل في مجال المحاماة، وتخرجت من جامعة "جون كارول" التابعة لجامعة "Cleveland Heights" في أوهايو، وكلية الحقوق في جامعة "كليفلاند مارشال" في أوهايو أيضا.

وقبل الدخول الى كلية الحقوق، وخلال فترة الدراسة وما بعدها، شغلت منصب المدير التسويقي لسلسلة المطاعم اللبنانية "Aladdin’s Eatery"، المملوكة من قبل زوجي، والتي يبلغ عددها اليوم 32 مطعما، موزعا في 4 ولايات، هي: إنديانا، أوهايو، بنسلفانيا، وكارولاينا الشمالية.

كيف جاءت فكرة تأسيس "Your Lebanon"؟ وهل تلاقي مدوّنتك الإقبال المتوقع؟

تعود ​جذور​ والديّ الى قرية عبرين البترونية، لكنها هاجرا الى الولايات المتحدة في الثمانينات، وقد ولدت هناك وترعرعت ما بين الولايات المتحدة ولبنان، الذي كنا نزوه كل صيف. وفي كل مرة، فور عودتي الى الغربة، كنت أبدأ بالتفكير والتخطيط لرحلتي القادمة إلى لبنان.

ومثل العديد من اللبنانيين والشرق أوسطيين الآخرين، الذين يعيشون في الغربة، نجد دائما عددا من الطرق من أجل البقاء على اتصال بثقافتنا. وأنا أعتقد أن الطعام يشكل جزءا كبيرا من ذلك!

فبسبب غربتي عن لبنان، أردت إيجاد وسيلة للبقاء على اتصال مع بلدي الأم، والاطلاع على أحدث الأخبار والمجريات، والتعرف أكثر الى مطبخنا المحلي. ومن هنا، انطلق حساب "Your Lebanon" كهواية، وما زلت الى حد اليوم، مندهشة من مقدار الدعم الذي تلقيته.

اذ أعتقد أنني أشبه معظم اللبنانيين الذين يغادرون لبنان، ويفكرون يوما ما بالعودة اليه. وبالتالي فإن هذا الحساب يوفر طريقة للبقاء على اتصال مع الوطن والجذور.

من يتابع "Your Lebanon"؟

69% من جمهوري من ​النساء​ و31% من الرجال، وهم موزعون في جميع أنحاء العالم، أي في لبنان، الولايات المتحدة، ​الشرق الأوسط​، ​أوروبا​، ​أستراليا​، وغيرها من البلدان.

فقد تلقيت العديد من الرسائل من الجيلين الثاني والثالث من اللبنانيين الذين يعيشون في الخارج، ويتذكرون طعام أجدادهم، وبالتالي يريدون استعادة هذه التجارب والتقاليد. كما أتواصل مع عدد كبير من الأشخاص الذين يرغبون في العودة إلى لبنان، وإعادة التواصل مع جذورهم. بالاضافة طبعا الى أولئك الذين ليسوا شرق أوسطيين، لكنهم يتطلعون للسفر إلى لبنان والتعرف الى ثقافتنا، أو تجربة بعض الوصفات اللبنانية.

كيف يختلف حساب "Your Lebanon" عن غيره؟ وكيف تواجهين المنافسة الواسعة التي فرضها عالم "​انستغرام​" اليوم؟

أعتقد أن حسابي مختلف بطريقتين:

أولا، كان من أول من تعاون مع طهاة من الشرق الأوسط، وشكّل وسيلة تواصل واتصال في ما بينهم؛ اذ أردت إنشاء شبكة تمثل مصدرا للأشخاص الذين يرغبون في معرفة المزيد عن مطبخنا بطريقة سهلة وواضحة. فأنا لا أقدم الوصفات الخاصة بي فحسب، بل أشارك مع قرائي وصفات الطهاة المحترفين، بالاضافة الى محتوى المدونين الآخرين.

ثانيا، هذا الحساب هو بمثابة مجموعة من الوصفات الشرق أوسطية، المقدمة باللغة الإنجليزية؛ حيث أنني أشعر بشغف كبير تجاه بلدي لبنان، ووصفاته التقليدية، وبالتالي أريد أن يختبر هذه التجربة أكبر عدد ممكن من الأشخاص.

وهذا الأمر شكل سببًا رئيسيًا إضافيا، دفعني الى التوسّع وإطلاق الموقع الالكتروني "www.yourlebanon.com"، الذي أشارك من خلاله الوصفات الشرق أوسطية واللبنانية باللغة الإنجليزية، لتكون بذلك في متناول الأشخاص الذين يريدون التعرف الى لبنان ومأكولاته، ولكنهم لا يعرفون اللغة العربية.

لهذا السبب، بدلاً من التعامل مع حسابات الطهاة الشرق أوسطيين أو المدونين المتخصصين بالطعام، كمنافسين، أسعى الى التعاون مع الجميع. ومن خلال ذلك، أعزز قدرتي على دعم الآخرين، لكي أتمكن بنفسي أيضا، من تزويد جمهوري بمجموعة متنوعة من المحتوى ذات القيمة المضافة.

ما هي خططك المستقبلية وما الذي ترغبين في تحقيقه على الصعيد المهني؟

من خلال "Your Lebanon"، أتمنى تصوير الجوانب الإيجابية من ثقافتنا وتراثنا.

وقد عملت مؤخرا، بالتعاون مع عدد من الطهاة الزملاء، على تنظيم "يوم الزعتر"، الذي سيقام بتاريخ 23 أيلول الجاري؛ اذ يعود موطن هذه العشبة الى الشرق الأوسط، وأعتقد أنها تشكل العنصر الرئيسي في حجرة المؤن الشرق أوسطية، وبالتالي تعتبر بمثابة جانب إيجابي من ثقافتنا، نستطيع ​الترويج​ لها ومشاركتها مع العالم.

ويمكن التواصل معنا حول "يوم الزعتر"، عبر الموقع الالكتروني "zaatrday.com"، وعبر "انستغرام" أيضا، من خلال صفحة "@zaatar_day" و"الهاشتاغ": "#zaatarday".

والى جانب نشاطي الالكتروني في مجال التدوين، أتمنى أن أستخدم المعرفة التي اكتسبتها من خلال منصبي كمديرة للتسويق، واستخدامي لوسائل التواصل الاجتماعي، من أجل الاستفادة في المشاريع المستقبلية في صناعة الأغذية والمشروبات.

هل فكرت يومًا بالعودة للاستقرار في لبنان بشكل دائم؟

أحب لبنان كثيرا، كما أحب الوقت الذي قضيته فيه، وأشعر أنني لا أكتفي منه على الإطلاق!

كما أنني أصطحب أولادي الى بلدي الأم كل سنة منذ ولادتهم، وأتمنى بالفعل الاستمرار بذلك على الدوام.

ما هي التحديات التي تواجهينها في مسيرتك المهنية؟

أنا أعمل لحسابي الخاص، وبالتالي لا يحاسبني أحد على نشاطي المهني ومشاريعي، بل علي وضع جداوليالأعمال بنفسي، وتحديد المواعيد النهائية، التي يصعب الالتزام بها في بعض الأحيان، بسبب قدرتي على تعديلها وتغييرها بكل سهولة وبساطة.

وبالاضافة الى ذلك، بسبب عدم وجودي في لبنان بشكل دائم، أفوت حضور العديد من الأحداث والمناسبات، وأفقد التواصل الى حد ما، مع المدونين الآخرين. ولكن لحسن الحظ، لديّ صديقي دانيال شلالا، الذي يمثل "Your Lebanon" في مختلف الفعاليات المقامة في لبنان.

ما هي العوامل التي أتاحت لك التقدم والازدهار؟

العامل الأول والأهم يكمن في دعم الآخرين! فكما ذكرت سابقا، أحب أن أدعم الطهاة المدونين (chef bloggers) الجدد، وقد أطلقت حساب "Your Lebanon" بالتعاون مع عدد من المدونين، الذين يتطورون ويوسعون نشاطاتهم أكثر فأكثر مع مرور الوقت.

اذ أؤمن حقًا بأن ما يقدمه الانسان إلى العالم يعود اليه؛ وأعتقد أنني أستعيد دائما الدعم والحب اللذين أظهرهما للآخرين.

كما أؤمن أيضا بالإصرار والمثابرة، فعندما أطلقت الحساب، كان لدي متابع واحد، وهو حسابي الشخصي، تمامًا مثل أي شخص آخر! ومن هنا، أشدد على أن التقدم لا يحصل من تلقاء ذاته، بل على الانسان أن يضع الخطط، ويحدد الأهداف والمواعيد النهائية لنفسه، لكي تسير أموره على أفضل ما يرام!

ولا بد أن أشكر والدتي على كل ما علمتني إياه، فقد عرّفتني على عالم الطبخ، وقدمت لي كل وصفاتها المميزة والشهية.

كيف تحققين التوازن بين العمل والعائلة وتنجحين في إدارة جوانب حياتك كافة؟

أخصص الوقت يوميا لعائلتي، وللعمل، ولإدارة حياتي وحساباتي الاجتماعية. فإن لم أضع القيود على نفسي، لكنت سأعمل طوال الوقت، وأهمل الجوانب الأخرى من حياتي.

والأهم من ذلك، أنني لا أخشى طلب المساعدة عندما أشعر بالحاجة الفعلية إليها!

ولا بد أن أشكر هنا والدتي التي علمتني كل ما أعرفه اليوم 

رسالة الى المرأة.

هناك العديد من الفرص التي تتيح للمرأة متابعة أهدافها المهنية والعملية. ومن هنا، عليها البحث عن مرشدة في المجال الذي تحبه، وذلك لكي تحصل على التوجيه المناسب والصحيح، وتطبق الأفكار المجدية، وتعايش التجارب المفيدة التي تتعلم منها، والتي تسهم أيضا في تطوير مهاراتها وقدراتها. كما بإمكانها من جهة أخرى، الانضمام إلى مجموعات وشبكات نسائية داعمة.

سواء كنت سيدة أعمال بدوام كامل، أو أم بدوام كامل، أو مزيج من الاثنين معا، ومهما كان وضعك، عليك تخصيص الوقت الشخصي لنفسك، وذلك من أجل إعادة الشحن واستعادة ​الطاقة​ والنشاط؛ فالمرأة ستتطور وتقدّم أفضل ما لديها، عندما يكون شعورها إيجابيا ومؤاتيا!