أثّر الهجوم على منشأتي ​النفط​ السعوديتين التابعتين لشركة "آرامكو"، بما في ذلك أكبر منشأة في العالم للتكرير في منطقة بقيق، على أكثر من 5% من إمدادات النفط العالمية، ما أدى إلى خفض إنتاج النفط الخام في ​السعودية​ إلى النصف، وبالتالي إيقاف حوالي 5.7 مليون برميل يوميا من إنتاج البلاد.

ونتج عن هذا الهجوم، هزّ الثقة في السعودية كأكبر منتج للنفط، يُعتمد عليه عالميا، كما شكل تطورا خطيرا دفع ب​أسعار النفط​ إلى مستويات عالية، اذ سجلت ارتفاعا بنسبة وصلت إلى 20% في بداية تعاملات الأسبوع، ووصلت العقود الآجلة لخام برنت إلى 71.95 دولار للبرميل، في أكبر مكسب منذ 14 كانون الثاني 1991.

أما قائمة المستفيدين من هذه الأحداث، فستشمل حتما جميع الدول المنتجة والمصدرة للنفط بسبب تأثير الارتفاع المتوقع للأسعار على إيرادات هذه الدول. في حين أن قائمة الخاسرين، تتمثل في كل المستهلكين، بالاضافة طبعا الى الدول التي تعتمد على الاستيراد.

هذه التطورات على الساحة النفطية، سوف تؤدي الى رفع المخاطر في أسواق النفط، والى زيادة حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة. وفي حال استمرار تعطل الإمدادات النفطية السعودية لفترة طويلة، قد تلجأ الولايات المتحدة وغيرها من الدول للسحب من المخزونات النفطية الإسترايتجية لزيادة المعروض من النفط، ومواجهة أية احتمالات لارتفاع غير مسبوق لأسعار الخام.

وقد برزت تحذيرات من مؤسسة "أس أند بي غلوبال ​بلاتس​"، بأن الهجمات الأخيرة ستؤدي فعلياً للقضاء على ​الطاقة​ الإنتاجية الفائضة للنفط في العالم. وبدورها أيضا، أوضحت مجموعة "وود ماكينزي" أن فقدان 5 ملايين برميل يومياً من الإمدادات من السعودية لا يمكن تلبيتها لفترة طويلة بالمخزونات الحالية، وبالطاقة الانتاجية الفائضة المحدودة لأعضاء "​أوبك​".

في حين أفادت تقارير بأن "آرامكو" تمتلك نحو 200 مليون برميل من ​النفط الخام​ في ​مخازن​ تابعة للشركة في ​اليابان​ و​الصين​ والعاصمة الهولندية، أي ما يعادل طاقة المعالجة في بقيق لمدة 37 يوما تقريبا. ومن المقرر أن يتم استخدام هذه الكمية لتعويض فاقد الإنتاج.

ومن هنا، لفت الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في تغريدة له عبر موقع "تويتر"، الى أنه سمح بالسحب من مخزون النفط الإستراتيجي - الأكبر من نوعه في العالم، والذي يبلغ نحو 645 مليون برميل من النفط - إذا دعت الحاجة لذلك، وستكون الكمية المحددة كافية للحفاظ على إمدادات السوق. ومن ناحيته، أكد الكرملين، في أول تعليق على استهداف المنشأتين، أن مثل هذه التطورات لا تسهم في استقرار الأسواق النفطية.

هذه التصريحات جاءت وسط انتشار التوقعات حول الوقت الذي ستحتاجه السعودية من أجل العودة إلى قدرتها الكاملة على إنتاج النفط، في ظل غياب أي جدول زمني لعودة الإمدادات بشكل كامل. وكشفت مصادر أن ​السعودية​ قد تحتاج الى أشهر للعودة إلى مستوى الإنتاج الطبيعي.

ووسط كل التوقعات والتحاليل، قال مصدران لـ"​رويترز​" أن "آرامكو" أبلغت بعض العملاء بأنه تم استئناف تحميل السفن بعدما التعطل الحاصل ، كما أن عمليات التحميل جارية. وأوضحت مصادر من شركات تكرير آسيوية كبرى، أن تحميل ناقلاتهم النفطية يمضي بشكل طبيعي.

ما هي تبعات هذه الأحداث على أسعار النفط العالمية؟ هل على المزيد من الارتفاعات؟ كيف ستتأثر السعودية من جهة، والدول الأخرى المصدرة والمستهلكة من جهة أخرى؟...

هذه الأسئلة وغيرها أجابت عليها مديرة مكتب "معهد حوكمة الموارد الطبيعية" في ​الشرق الاوسط​ وشمال إفريقيا، والخبيرة في مجال حوكمة النفط و​الغاز​، ​لوري هايتيان​ في مقابلة حصرية مع موقع "الاقتصاد":

- ما هو مصير أسعار النفط العالمية بعد الهجوم الأخير على منشآت النفط في السعودية؟

بسبب حصول الهجوم خلال عطلة نهاية الأسبوع، كان الجميع بانتظار بداية تعاملات ​الأسواق العالمية​. وبعض الخبراء توقعوا أن يكون التأثير محدود، لكن النتيجة أظهرت ارتفاعا بنسبة 20%. وهذا ما يدل على أهمية الضربة الحاصلة وتأثيراتها واسعة النطاق؛ فهي تعتبر ضربة استراتيجية أساسية تؤثر على العرض العالمي.

أما في ما يتعلق بالوجهة المستقبلية للأسعار، فهذا الأمر متعلق بمدى قدرة السعودية على إعادة تأهيل المنشآت بسرعة. فقد أعلنت السعودية أنها ستتمكن من تلبية الأسواق من مخزونها واحتياطاتها، لكن التساؤلات كثيرة هنا، ومنها: "الى متى ستظل قادرة على الاستمرار؟ هل أن إعادة العمل الى المنشآت يتطلب أياما أو أسابيع؟".

فاذا كانت الأمور ستحل بعد بضعة أيام، لن نشهد حينها على أحداث دراماتيكية في المستقبل. أما اذا تطلبت أسابيع أو أكثر، فسوف يبدأ الضغط بالتزايد سيتصاعد التوتر في الأسواق، كما سنشهد على صعود أكثر في أسعار النفط.

- كشف مصدران لوكالة "رويترز" أن "آرامكو" أبلغت بعض العملاء بأنه تم استئناف تحميل السفن بعدما التعطل الحاصل جراء، كما أن عمليات التحميل جارية. الى أي مدى يمكن اعتبار هذه الأخبار مطمئنة؟

التوتر هو سيد الموقف اليوم، وكل معلومة تؤثر على السوق وعلى أسعار النفط. وبالتالي كلما كانت "آراموا" واضحة أكثر في التصريحات الصادرة عن مسؤوليها، كلما أسهمت في التخفيف من توترات الأسواق. فكل خبر يؤثر على الأسعار، صعودا أم هبوطا.

وأعتقد أن "آرامكو" تتعامل بمسؤولية كبيرة مع الموضوع لأنها تعلم مدى تأثير الهجوم على ​الاقتصاد العالمي​ وأمن الطاقة، خاصة أنها تريد إظهار قدرتها على تحمل المسؤولية، كونها بصدد عرض جزء من أسهمها للاكتتاب العالمي. ومن هنا، يهمها أن تظهر على أنها شركة قادرة على استيعاب الضغوط، والتعامل بمسوؤلية، ومعالجة المشاكل بسرعة.

- كيف يمكن أن تتأثر الدول المستهلكة للنفط بالهجمات الأخيرة على السعودية؟

بطبيعة الحال، كلما ارتفعت أسعار النفط كلما تأثرت الجهات المستوردة. كما أن الدول المصدرة تستفيد دائما من أسعار النفط المرتفعة، في حين تتضرر الدول المستوردة.

ولا بد من الاشارة الى أن التوتر موجود حتما، وهناك أزمة يجب العمل على تخطيها، لكننا لم نصل بعد الى مرحلة الطوارئ.

أما بالنسبة الى السعودية كدولة مصدرة، فقد فقدت 50% من إنتاجها، أي أنها لن تستفيد على الإطلاق من هذه الضربة. فهي لا تنتج بالكميات الطبيعية بالتزامن مع ارتفاع الأسعار، بل فقدت نصف إنتاجها، وبالتالي همها الأساسي في الوقت الحاضر، هو استيعاب الضربة والعودة بأسرع وقت ممكن الى الإنتاج الذي خسرته.

- حذر الرئيس ترامب من أن الهجمات لها تأثيرها السلبي، ليس على السعودية فحسب، وإنما على الاقتصاديين الأميركي والعالمي أيضا، ما المقصود بهذا التأثير؟

هذه الضربة الكبيرة تؤثر حتما على الأسعار العالمية، ما يعتبر عاملا سيئا بالنسبة الى الاقتصاد الأميركي؛ مع العلم أن الأميركيين مكتفين اليوم ويصدرون الى الخارج، ولكن الأسعار المرتفعة لا تناسبهم.

والى جانب الشق الاقتصادي من الضربة، يوجد الشق السياسي الذي يحتل أهمية كبيرة. وبالتالي علينا انتظار الأيام المقبلة لكي نرى كيف ستتبلور الأحداث في المنطقة.