سلطت صحيفة "​فاينانشال تايمز​" البريطانية في مقال لمحرر الشؤون الأفريقية ديفيد بيلينغ الضوء على الآفاق الإقتصادية لقارة ​أفريقيا​ والنمو الكبير الذي تحققه القارة السمراء.

وقالت "فاينانشال تايمز" إن الصحافيين أفضل في الانتباه إلى ​الكوارث​ سريعة الحركة من التحسينات بطيئة الحركة.

مثلاً إن تفشي ​فيروس​ ​إيبولا​ يتصدر العناوين الرئيسية، بينما النجاح البطيء في حملة التطعيم لا يكون على رأس الأولويات.

ونتيجة لذلك، النظرة العامة للبلدان أو المناطق غالباً ما تتخلف عن الواقع.

هكذا كان الحال مع ​الصين​ في أوائل العقد الأول من الألفية عندما واصل كثيرون النظر إلى ذلك البلد الآسيوي على أنه فقير ومتخلّف. كذلك هو الأمر مع أفريقيا اليوم.

من المستحيل التعميم بشأن البلدان الـ54 التي تشكل القارة السمراء الواسعة.

بعضُ الدول، مثل ​الصومال​ وجمهورية ​أفريقيا الوسطى​ و​بوروندي​، عالقة في صراع أهلي يبدو أنه لن ينتهي قريبا.

وفي الوقت نفسه، ​نيجيريا​ وأفريقيا الجنوبية و​أنغولا​ - المحركات الرئيسية للقارة - كانت عالقة في حركة اقتصادية بطيئة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من ​الفقر​ واسع الانتشار والمشكلات الاجتماعية الضخمة، إلا أن أفريقيا بشكل عام هي أفضل حالاً مما يتصوره كثيرون.

حدث تغير كثير بالنسبة للقارة منذ مطلع القرن عندما ساعد أمران على الأقل على تحفيز فترة من النمو السريع والتنمية.

الأول كان مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة ب​الديون​، حين تم إعفاء 30 بلداً أفريقياً من 100 مليار دولار من الديون متعددة الأطراف والثنائية والتجارية. هذه الخطوة منحتها فرصة الهروب من عبء خدمة الديون الذي لا ينتهي.

الآخر كان دخول الصين إلى أفريقيا. ففي عام 2000 بلغت التجارة بين الصين وأفريقيا نحو عشرة مليارات دولار، وفقاً لمبادرة الأبحاث الأفريقية الصينية في كليّة "جونز هوبكنز" للدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن.

وبحلول عام 2017 إرتفع ذلك إلى 148 مليار دولار، وحتى هذا كان أقل من ذروة عام 2015 التي تجاوزت 200 مليار دولار.

خلال الفترة نفسها حتى عام 2017، ​الحكومة الصينية​ و​مصارف​ التنمية والمقاولون قدموا 143 مليار دولار من القروض للحكومات الأفريقية والشركات المملوكة للدولة، وذلك وفقاً لمبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون. كانت النتيجة موجة من بناء الطرق والموانئ والمطارات في قارة بحاجة ماسّة إلى بنية تحتية أفضل.

وعلى الرغم من وجود مخاوف من أن بلداناً مثل أنغولا و​زامبيا​ قد تثير أزمة ديون أخرى، وأن الصين تتصرف كقوة استعمارية جديدة، إلا أن كثيراً من الأفارقة يجادلون بأن وصول الصين كان ذا فائدة صافية للقارة.

ويقول تيتو مبوويني، وزيرُ المالية في جنوب أفريقيا، والذي يعزو بعض المواقف السلبية إلى الدّعاية الغربيّة: "هناك كثير من الإيجابيات للعلاقة بين أفريقيا والصين. لا يريدون أن يمارس الأفارقة الأعمال مع الصينيين لأنه توجد هذه الفكرة التي تقول إن أفريقيا بطريقة ما هي ملكيتهم الخاصة".

وفي أعقاب الصين جاءت بلدان أخرى، بما في ذلك ​تركيا​ و​الهند​ و​البرازيل​ و​دول الخليج​، كلها نالت فرصاً تجارية واستراتيجية في أفريقيا كان نظراؤها الغربيون أبطأ في اكتشافها.

ومن حيث ​عدد السكان​، أفريقيا هي القارة التي ستشهد أكبر نمو خلال العقود المقبلة. بحلول عام 2050 من المتوقع أن يزيد عدد سكانها أكثر من الضعف ويصل إلى ملياري نسمة.

وبحلول نهاية القرن، من المحتمل أن يتضاعف مرة أخرى، في ذلك الوقت سيكون أكثر من واحد من كل ثلاثة أشخاص على الأرض أفريقيين.

وعلى الرغم من أن هذا سيشكل تحديات هائلة للحكومات التي تسعى إلى تحسين المستويات المعيشية، إلا أنه يعني أن الأسواق الأفريقية من المرجح أن تنمو لعدة عقود من حيث الأرقام الإجمالية المطلقة.

"الجهات الفاعلة الجديدة ترى فرصاً بسبب التركيبة السكانية والتطورات التي تظهر أن أفريقيا ستلعب دورا رئيسيا في العالم"، كما يقول كارلوس لوبيز، خبير التنمية من ​غينيا​ بيساو والسكرتير التنفيذي السابق للجنة ​الأمم المتحدة​ الاقتصادية لأفريقيا.

وفي الأعوام بعد 2008، عندما كان المستثمرون يبحثون عن الحدود الكبرى التالية، هذه الاتجاهات غذت حقبة قصيرة من قصة "صعود أفريقيا". على الرغم من أن ذلك المصطلح المفرط كان مبالغا فيه، إلا أنه فتح أعين بعض الأشخاص على إمكانات القارة. هذه التطورات رافقتها تحسينات ملموسة، وإن كانت غير متكافئة، في الحوكمة ومستويات المعيشة.

ولم تعد ​إفريقيا​ قارة الانقلابات و​الحروب​ الأهلية. في عام 1990 تولى 12 زعيما أفريقياً مناصبهم عن طريق الانقلابات العسكرية، وستة فقط كانوا نتيجة ​انتخابات​ متعددة الأحزاب، وفقا لمعهد "بروكينغز".

وبحلول عام 2016، كان هناك 45 زعيماً خاضوا انتخابات بمشاركة عدد من الأحزاب. ومن المعترف به، أن بعض تلك الممارسات في الديمقراطية، مثل الانتخابات الأخيرة المتنازع عليها في الكونغو الديمقراطية، لا تزيد على كونها خدعة.لكن في إفريقيا جنوب ​الصحراء​ الكبرى، لا توجد حكومة تقريبا تدين بمنصبها مباشرة لانقلاب، هذا إذا استثنينا "الانقلاب العسكري" الأخير الذي أطاح بعمر البشير في ​السودان​.

وفي مجالات من الصحة إلى الاقتصادات المتوسعة بثبات، الصورة تتحسن تدريجيا. العام الماضي، ستة من الاقتصادات الأسرع نمواً في العالم – غانا، و​ساحل العاج​، و​السنغال​، و​جيبوتي​، و​إثيوبيا​، و​تنزانيا​ – كانت أفريقية. مع مجموعة مختلفة قليلا، من المحتمل أن يتكرر هذا العمل الفذ هذا العام.

كما تحسن أيضا متوسط العمر المتوقع. المولود حديث الولادة في أفريقيا اليوم لديه متوسط عمر متوقع يبلغ 65 عاما. على الرغم من أن ذلك يتخلّف عن ​أوروبا​ الغربية بمقدار 17 عاما، إلا أنه بعيد تماماً عن عدة عقود مضت عندما أدت أزمات "​الإيدز​ والملاريا والسل" إلى خفض متوسط العمر المتوقع إلى أقل من 50 عاماً في عدة بلدان أفريقية.

أما البلد الذي يجسد التحسن المتواصل هو "إثيوبيا". على الرغم من الوضع السياسي المتقلب - حتى الآونة الأخيرة على الأقل - ، إلا أن هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 105 ملايين نسمة تغيّر بشكل كبير خلال الأعوام الـ 30 الماضية. واليوم من المرجح أن يرتبط اسمه بناطحات السحاب، والجهود من أجل مكانة الدخل المتوسط أكثر مما هو بالمجاعات التي حددت صورته في الثمانينيات.

مؤشرات الصحة والتعليم تحسنت وسجل البلد عقدا من النمو بلغ نحو 8 % في المتوسط. أبي أحمد، ​رئيس الوزراء الإثيوبي​، قال في وقت سابق من هذا العام: "التنمية بالنسبة لي تتعلق بمستوى الدخل في مجتمعي الذي يزيد كل عام".

إن أفريقيا اليوم قارة تزخر بالطاقة، على الرغم من كل مشكلاتها: خاصة أن مستوى طموح الزعماء فيها ارتفع.

فهذه هي القارة تضم عدد السكان الأكثر شبابا في العالم. وسيؤدي ذلك إلى انتقال مختلف عن أي مكان آخر.