خطوات متتالية ومفاجئة اتخذتها ​السعودية​ خلال الأيام الماضية محدثة تحولات هيكلية في قطاع ​الطاقة​، فعيّنت الأمير عبد العزيز بن سلمان وزيراً للطاقة، كخاتمة لسلسة قرارات أعادت ترتيب إدارة ​أرامكو​ وفصلت الصناعة والموارد المعدنية عنها لتشكيل وزارة جديدة. التغييراتُ السعودية لابد أنها تحمل الكثير من الأهداف الداخلية، ومؤكد أنه سيكون لها تبعات خارجية حول أسعار ​النفط​ عالمياً في ضوء سياسات الطاقة الجديدة التي تتبعها ​الولايات المتحدة​ برفع الإنتاج ومنع ​إيران​ من تصدير نفطها والتنسيق والتعاون السعودي الروسي، في ​قطاع النفط​ لدعم الأسعار.

فماذا ستؤسس إعادة هيكلة صناعة الطاقة في السعودية؟ وماذا عن سياسات ترامب برفع الإنتاج الأميركي ؟ وكيف يمكن أن تؤثر الإنتخابات الأميركية على أسعار الطاقة؟ وكيف ستكون الأسعار مستقبلاً ؟

هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها الخبير الإقتصادي كامل وزنة، في مقابلة خاصة مع موقع "الاقتصاد":

كيف ترى قرار السعودية إعادة ترتيب إدارة "أرامكو" ؟

"نشهد منذ أكثر من عامين متاهة متواصلة لخطط طرح أسهم "أرامكو"، وإنّ إعادة هيكلة صناعة الطاقة ترجّح زخماً جديداً للتحوّل الاقتصادي.

ويبدو واضحاً تجدُّد الحديث عن خطط إدراج شركة "أرامكو" في ​الأسواق المالية​ خلال العام الحالي أو العام المقبل، بعد التغييرات في "أرامكو" أكبر شركة نفط عالمية.

وعملية بيع أسهم "أرامكو" تعرّضت لعقبات وتأجيلات كثيرة، ولم تعلن الشركة بعد البورصة التي سيتم تداول أسهمها فيها. لكن بورصات ​لندن​ و​نيويورك​ و​هونغ كونغ​ و​طوكيو​ تتنافس جميعها لاستقطاب الطرح الأولي للشركة."

كيف سيؤثر تعيين الأمير عبد العزيز بن سلمان وزيراً للطاقة على سياسة النفط السعودية؟

"لدى الأمير عبد العزيز بن سلمان خبرة تفوق 30 سنة في مجال النفط وهو كان حاضراً في جميع مؤتمرات النفط التي شاركت فيها السعودية منذ منتصف الثمانينات وهو يختص بإدارة ملف النفط.

والوزير السعودي المعيّن حديثاً، هو الأخ غير الشقيق لمحمد بن سلمان ولي العهد السعودي، والعائلة الحاكمة تريد أن يكون هناك شخصاً يفهم هذا القطاع، وخبرةُ المعيّن حديثاً تشهد أن لديه كفاءة كبيرة لثلاثة عقود في ​قطاع الطاقة​.

هناك مصادر تحدثت عن أن الأمير عبد العزيز بن سلمان لم يكن متحمّساً لبيع ​شركة أرامكو السعودية​ أكبر شركة نفط عالمية وهذا بحد ذاته يخالف توجّهات محمد بن سلمان.

ومن هنا لابد من تسليط الضوء على التقارير التي تحدّثت عن أن وزير الطاقة السعودي الجديد لا يعدُّ مقرّباً من أخاه ولي العهد محمد بن سلمان، كونه من أم ثانية وهو الأخ الأكبر لمحمد بن سلمان، فيما لم يكن الأمير عبد العزيز متحمساً لتولّي منصب وزير الطاقة السعودية."

ماذا عن ​أسعار النفط​ بعد إعادة هيكلة قطاع الطاقة في السعودية ؟

"إن وزير الطاقة السعودي الجديد لديه مصلحة في المحافظة على أسعار النفط ورفع سعر الخام، لأن إنتاج ​أوبك​ في النصف الأول من العام الجاري كان منخفضاً نسبة لما كان عليه العام الماضي، بنحو 12 %. فيما عائدات هذه المنظمة الدولية في الأشهر الـ 8 الأولى من 2019، سجلت 49.9 مليار دولار.

وهنا تكمن مصلحة السعودية في رفع الأسعار حتى تساعد في دعم اقتصادها والخروج من العجز الإقتصادي الذي تعيشه خاصة في ضوء الحرب على ​اليمن​ المكلفة اقتصادياً، وعمليات التسلّح التي تشهدها ​منطقة الخليج​ الغير مسبوقة في تاريخ المنطقة."

كيف تؤثر سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أسعار النفط؟

"إن الولايات المتحدة اليوم ضاعفت إنتاجها منذ 10 سنوات إلى اليوم، وباتت تنتج 12.3 مليون برميل يومياً، فيما تسعى لرفع إنتاجها مع نهاية العام إلى 13 مليون برميل يومياً.

أما في العام المقبل فتسعى أميركا إلى الوصول لمستوى 13.5 مليون برميل يومياً.

وإن إغراق السوق بهذا الشكل مؤكد يضعف الأسعار نظراً لزيادة المخزونات العالمية."

خطط ترامب الإنتخابية هل تؤثر أيضاً على أسعار الطاقة ؟

"إنه وبحسب المسؤولين عن قطاع النفط فإن سياسة الرئيس الأميركي لا تهتم كثيراً للأسعار، بقدر ما تهتم أن تكون الولايات المتحدة من أكبر المنتجين في العالم.

والمفارقة هنا أن الديمقراطيين هم في مكان آخر من التوسع في عمليات التنقيب التي تضر بالبيئة، فيما الجمهوريون وعلى رأسهم ترامب يهتمون بإنتاج النفط أكثر من المعايير البيئية بعكس المرشحين الديمقراطيين.

وهذا القطاع يوظف مئات الآلاف بوظائف مباشرة غير مباشرة وهنا نرى التأثير المباشر على الإنتخابات الأميركية 2020، فرفع الإنتاج يزيد عمل المنصات التي تحتاج بدورها لزيادة العاملين، ما يساهم في رفع شعبية ترامب الذي سيكون بهذه الطريقة قد ساهم في خفض معدّل ​البطالة​.

أسعار النفط إلى أين ؟

الإنتاج الأميركي يضع حداً لإتفاق "أوبك" الذي أدى إلى تخفيض الإنتاج مع ​روسيا​ التي تنسّق مع "أوبك"، وهذا يأتي ضمن توجّه الرئيس الأميركي الذي يستخدم ​تويتر​ لتوجيه تحذيرات إلى "أوبك" لأن لا ترفع أسعار النفط لأن هذا ينعكس على ​الإقتصاد العالمي​.

واليوم هناك مسألتين فيما يختص بأسعار النفط يجب أن يُنظَرَ إليهما بدقة:

* أولاً: الإقتصادات الدولية بدأت تدخُلُ في مراحل انكماش، وعلى رأسها دول أوروبية كألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في ​منطقة اليورو​، إضافة إلى ​بريطانيا​ وحتى ​فرنسا​، فيما الإقتصادُ الأميركي بدأ يتباطأ، وإن أي ارتفاع في أسعار النفط ينعكس سلبياً على النمو الإقتصادي وعادة عندما يكون هناك إنكماشاً ينخفض الطلب.

* ثانياً: الصراعُ الإقتصاديُ القائم بين الولايات المتحدة و​الصين​ له تداعيات كبيرة على الإقتصاد العالمي، من أهمّها أنه سيؤدي إلى انخفاض أسعار النفط إضافة إلى تباطؤ الإقتصاد العالمي.

الأكيد أن ترامب سيتابع الضغط على أسعار النفط وعلى حلفائه بما فيهم السعودية لمنعهم من إبرام أي اتفاق مع روسيا لخفض الإنتاج ورفع الأسعار.

فيما النفط قد يحافظ على أسعاره، إلّا إذا كان هناك معركة مفتوحة بين إيران والولايات المتحدة وحتى الآن الأمور لا تتجه نحو هذا المسار. "