على الرغم من أن الأمومة هي أجمل شعور في العالم، إلا أنها مهمة صعبة للغاية، وتتطلب الحنان، والصبر، والتضحية. اذ يقول السياسي الفرنسي بيير منديس فرانس أنه "ما من أم عاطلة عن العمل، الأمومة في ذاتها أشرف الأعمال". والشابة ال​لبنان​ية كيندا ياغي قررت التخلي عن وظيفتها الثابتة من أجل تخصيص كامل وقتها لابنها؛ وقد أثبتت بذلك أن "الأمومة شهد الحياة وزينتها".

 فهي مقتنعة تماما بأن دور الأم لا يقتصر على إنجاب الأطفال فحسب، بل يتعدى ذلك بكثير ليشمل رعايتهم، إعطاءهم كامل الوقت والاهتمام، مواكبة تطورهم ونموهم، السهر عليهم، تربيتهم، التواجد بجانبهم في مختلف الظروف،...

هذا القرار الصعب يطارد غالبية النساء في مرحلة ما من حياتهنّ، مع العلم أنه لا يوجد ما هو "صح" وما هو "خطأ" هنا، فالمرأة تختار ما تراه مناسبا، وما يشعرها بالثقة والسعادة، وهي وحدها تعلم ما هو الأفضل لها ولأسرتها.

كيندا وميا هما أمّان تعيشان في لبنان، وقد حملتا في الفترة ذاتها، وانطلقتا معًا برحلة الأمومة. ومن هنا، قررتا إطلاق يوميات تشاركان من خلالها تجاربهما الخاصة مع طفليهما.

للتعرف أكثر الى مدونة "The Shared Diaries"، كان لـ"الاقتصاد" هذه المقابلة الخاصة مع الشريكة المؤسسة كنده ياغي:

 ما هي المراحل التي مررت بها خلال مسيرتك المهنية؟

تخصصت في علوم الغذاء وإدارة المنشآت الغذائية في "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، كما حصلت على ماجستير في الصحة العامة من جامعة "Imperial College" في ​لندن​.

بعد ذلك، عملت مع ​الأمم المتحدة​، ووزارة الصحة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، بالاضافة الى العديد من المنظمات غير الحكومية. حيث كنا نهتم بمواضيع عدة متعلقة بالخدمات الاجتماعية، مثل تمكين المرأة، اللاجئين السوريين في لبنان، وغيرها.

أما النقطة المفصلية في حياتي، فكانت عندما أنجبت ابني وأصبحت أما. اذ قررت حينها التوقف عن العمل من أجل تخصيص كامل وقتي للأمومة ومتطلباتها. والعديد من الأشخاص عارضوا هذه الفكرة بسبب الخبرات الواسعة التي اكتسبتها طوال سنوات عملي، لكنني كنت وما زلت مقتنعة 100% بهذا القرار، ولن أعزل عنه مهما كانت الأسباب، حيث لا أريد أن أفوّت أي حدث في حياة ابني. كما لا أندم أبدا على قيامي بهذه الخطوة، اذ أعلم تماما أنني قادرة على العودة لاستكمال ما بدأته في مسيرتي المهنية، في أي وقت أريده.

 من أينجاءت فكرة تأسيس "The Shared Diaries"؟

"The Shared Diaries" هي منصة نتحدّث من خلالها عن حياتنا كأمهات، وعن كل المراحل التي نمر بها. وقد أسست هذه المدونة عام 2017 مع صديقتي ميا التي تحمل الجنسية الجنوب إفريقية، والمتزوجة من لبناني.

اذ حملنا خلال الفترة ذاتها، وأصبحنا قريبتين جدا من بعضنا البعض، كما كنا نقضي الكثير من الأوقات معا، للتحدث عن الحمل وأعراضه. وقد أنجبنا ابني وابنتها بفارق ثلاثة أسابيع فقط.

وذات يوم، حين كان الطفلان يبلغان من العمر شهرين، تطرقنا الى مدى صعوبة الأمومة، والمراحل التي تمر بها المرأة منذ اليوم الأول من الحمل، كما تحدثنا عن الضغوط التي يفرضها المجتمع على الأمهات، والوحدة التي تشعر بها الأم بعد الإنجاب، وغيرها من الأمور؛ فجميع وسائل التواصل الاجتماعي تتحدث عن مدى جمال الأمومة وسهولتها، ولكن لا يلتفت أحدا الى صعوباتها، وخاصة بالنسبة الى الأم الجديدة، لكي تتكيف مع التغيير بعد الولادة.

ومن هنا، قررنا تقديم منصة الكترونية تتكلم عن حقيقة الأمومة بطريقة صريحة، وتقدم النصائح للأمهات حول كيفية التعامل مع هذه المرحلة في الحياة دون الشعور بالوحدة.

ولا بد من الاشارة الى أننا لسنا أطباء أو معالجين نفسيين أو أخصائيين في هذا المجال، لكننا مجرد والدتان تحاولان مساعدة الأمهات الأخريات على الشعور بالانتماء الى مجموعة تفكر مثلهنّ، وتشعر مثلهنّ، وتصادف المشاكل ذاتها. اذ نتطرق الى كافة المخاوف الموجودة، لكي نكون بمثابة مجموعة دعم تؤمن بضرورة مساندة الأمهات لبعضهن البعض، دون إطلاق الأحكام.

هل تلاقي "The Shared Diaries" التفاعل والإقبال المتوقع من الجمهور؟

نجد إقبالا واسعا من الجمهور والمحيط أيضا، فعندما أطلقنا "The Shared Diaries"، والتمسنا مدى تفاعل الناس معنا، زاد حافزنا للاستمرار بالكتابة، وذلك بسبب الأصداء الإيجابية من القراء الذي يتجاوبون مع المحتوى الذي نقدمه.

فصحيح أن عدد متابعينا لم يصل الى المليون، لكننا نفتخر ونفرح بقرّائنا الأوفياء الذين يتواصلون معنا بشكل يومي.

ما هي الصعوبات التي تواجهك خلال العمل على "The Shared Diaries"؟

نعاني من مشكلة كبيرة في أيامنا هذه، تتمثل في ابتعاد غالبية الأشخاص عن القراءة. اذ يهتم الناس بالنظر الى ​الصور​ والمنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يكترثون كثيرا للمقالات المكتوبة.

وبالتالي كنا نحزن في بداية المسيرة من هذا الواقع، لأن كل مقال ننشره نابع من قلبنا، وقد أخذ منا الكثير من الوقت والجهد، لكنه للأسف لا يصل الى عدد كاف من القراء.

ولكن بعد أن تعرف الناس الينا، وتعززت ثقتهم بنا، تغير هذا الأمر الى حد كبير، كما ارتفع عدد المتابعين والقراء بشكل هائل وغير متوقع.

وأعتقد أن الناس أحبونا بسبب صراحتنا حول الأمومة وطريقة تعاملنا مع أطفالنا. وبالاضافة الى ذلك، نحن نلجأ كثيرا الى الفكاهة في أخبارنا وكتاباتنا، ما ساعدنا على التحلي بالمزيد من الدقة.

كيف تواجهين المنافسة التي فرضتها المواقع الاجتماعية اليوم؟

هناك العديد من الأشخاص الذين يتحدثون عن الأمومة، لكننا نلاحظ دائما أنهم يتطرّقون الى الإيجابيات والجوانب الجميلة، ويحرصون على عرض أجمل صورة عبر ​مواقع التواصل الاجتماعي​.

لكننا في المقابل، مدونتان حقيقيتان، وبالتالي نتكلم عن مواضيع حياتية جميلة ومزعجة، تمر بها كل أمّ. فالحياة ليست دائما سهلة مع الأطفال، بل هناك صعوبات عدة ستمر بها الأمهات، لكن للأسف يخشى البعض التحدث عنها.

ما هي طموحاتك المهنية المستقبلية على مختلف الأصعدة؟

هدفنا الأساسي يكمن في تحويل "The Shared Diaries" الى منصة تتيح لكل الأم مشاركة قصتها من خلالها، لكي تستفيد منها الأمهات الأخريات.

أما بالنسبة لي شخصيا، فأفكر حتما بالعودة الى عملي الاجتماعي، ولكن أعتقد أن هذه الخطوة ستتحقق بعد دخول ابني الى المدرسة، مع العلم أن الأولوية ستبقى له دائما؛ فاذا كانت المرأة قادرة على التخلي عن عملها، لتخصيص كامل وقتها لأولادها، عليها حتما أن لا تتردد في القيام بهذه الخطوة، لأن الأمومة جميلة للغاية، وتعلّمنا الكثير. كما أن المرأة تنمو مع طفلها خلال سنتين، أكثر من ما تنمو في عملها خلال سبع سنوات أو أكثر.

من قدم لك الدعم في مسيرتك المهنية؟

تلقيت دعما واسعا من زوجي، والأمر ذاته حصل مع شريكتي ميا. ومن جهة أخرى، عندما تركت وظيفتي كنت أشعر أحيانا بأنني غير منتجة في المجتمع، لكن بعد أن رأيت مدى استفادة الناس بالفعل من المدونة، تبدّل شعوري، ولاحظت أنني قادرة على إحداث تغيير من خلال مساعدة الأمهات الأخريات.

واليوم بعد أن توسع نشاطنا، وأصبحت مدونتنا منتشرة بشكل أكبر بين الناس، زاد الدعم والتشجيع.

هل تشعرين اليوم أنك أصبحت قادرة أكثر على التنسيق بين حياتك العملية والمهنية والعائلية؟

أعتقد أن نشاط الأم يوازي أي وظيفة أخرى؛ اذ كشفت دراسة أن نشاط الأم يعادل العمل لوظفتين ونصف بدوام كامل.

في النهاية، بماذا تنصحين المرأة بشكل عام؟

المرأة أعطيت نعمة الإنجاب وهدية الأمومة، وذلك لسبب معين. ومن هنا أقول لها: "تمسّكي بها، افرحي بكل جوانبها، ثقي بغريزتك، واعملي دائما على دعم الأمهات الأخريات".

فكل أم موجودة في هذه الحياة، أكانت تعمل من أجل تربية أولادها وتلبية كافة احتياجاتهم، أو تركت عملها وتخلت عن كل شيء من أجل البقاء مع أولادها، هي قدوة بالنسبة لي.

ولكن يتوجب على كل أم أيضا، أن تتعلم من أخطائها وتثابر لكي يصبح تأثيرها إيجابيا على أطفالها؛ فالتأثير الإيجابي من الأم على أولادها، هو النجاح الأكبر لأي امرأة.