في مرحلة ما بعد تقارير مؤسسات التصنيف الدولية، والتي جاءت بالخفض من جهة والتحذير بالخفض من جهةٍ أخرى، وامتصاص السوق للتداعيات، شهد ​لبنان​ هذا الأسبوع على الصعيد الإقتصادي حدثين مهمّين، الأول: الإجتماع الذي حصل في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ​ميشال عون​، وبحضور رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورؤساء الأحزاب والكتل النيابية و​حاكم مصرف لبنان رياض سلامة​ اضافة الى رئيس ​جمعية مصارف لبنان​ سليم صفير للبحث في الورقة الاقتصادية التي توصّلت اليها لجنة ​الخبراء الاقتصاديين​ المكلفة من قبل الرئيس عون والانتقال الى المرحلة التنفيذية منها .أما الحدث الثاني: زيارة المبعوث الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر "سيدر"، بيار دوكان،الذي أجرى عدداً من الزيارات والمباحثات للإطلاع على آخر التطورات فيما خص الإصلاحات التي تعهّدت الحكومة بتحقيقها للحصول على أموال مؤتمر "سيدر".

وإن كان هناك من علاقة بين الحدثين أم لا، فإن هناك العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها في هذه المرحلة، ولمعرفة التفاصيل كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع مدير معهد ​المشرق​ للشؤون ​الإستراتيجية​ والإقتصادية د. ​سامي نادر:

هل ترى في زيارة دوكان إشارة إيجابية بالنسبة للبنان وخاصةً بعد التصريحات التي أكد فيها استمرارية "سيدر"؟ وما هو رأيك بتصريحه عن ضرورة زيادة تعرفة ​الكهرباء​ بدءاً من كانون الثاني المقبل؟

وعد "سيدر" مستمر نعم، هناك دول ومؤسسات دولية مستعدة لمساعدة لبنان بقروض ميسّرة نعم، ​السيولة​ متوفرة في ​أوروبا​ اليوم نعم، لكن تحقيق هذا الوعد يتوقّف على تنفيذ الحكومة الإصلاحات الهيكلية التي تعهّدت بها.

حتّى اليوم، الحكومة أطلقت وعوداً فقط، بدءاً من خفض العجز الى إقرار ​موازنة​ 2020 إلى حل مشكلة الكهرباء، و​المجتمع الدولي​ سينتظر تنفيذ هذه الوعود.

لا يجب أن نتأخر في إقرار موازنة العام 2020، كما حصل في موازنة 2019.

أما الوعد الثالث: الكهرباء، باب القصيد، الذي يعتبر موضوع أساسي بالنسبة الى المجتمع الدولي لأنه تشكّل 40% من العجز، خاصّةً وأنه من غير المنطقي أن ننفق أموال "سيدر" أيضاً على هذا القطاع.

للحصول على أموال "سيدر"، كان هناك عدد من الشروط أحدها تشكيل الهيئة الناظمة، وتعيين مجلس إدارة ل​كهرباء لبنان​، وبالتالي زيادة التعرفة ولكن بشكل تدريجي. برأيي، زيادة التعرفة أمر يجب أن يحصل ولكن بعد تأمين الإنتاج، أي بعد أن ننتهي من موضوع فاتورة المولّد.

ما هو رأيك بورقة بعبدا إن كان لجهة البنود أو لجهة أثرها في إظهار الجدية والإلتزام بالإصلاح الحقيقي؟

الأمر الإيجابي في ورقة بعبدا هو تشخيصها الدقيق وبالأرقام للواقع الإقتصادي والمالي الذي نعيشه، أي أننا تخلّصنا من سياسة النعامة التي تخبئ رأسها في الرمال هرباً من المشكلة، بالإضافة الى أنه تم التركيز على المشكلة الحقيقية ألا وهي ​عجز ميزان المدفوعات​ الذي وصل الى حوالي 12 مليار دولار في نهاية العام 2018، وهذا يعتبر نزيف.

كما لفتني الربط بين الوضعين السياسي والإقتصادي، حيث أشارت الورقة الى أن جذب الإستثمارات يحتاج الى حد أدنى من الإستقرار السياسي، الأمر الذي يتطلّب تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية.

وبخصوص المعالجة، فنرى أن التركيز انصبّ على الضرائب، أما الإصلاحات الهيكلية المنتظرة فالحديث عنها لم يكن دقيقاً بل اقتصر على عناوين عريضة. ماذا يعني تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص؟ في أي قطاعات؟ المرفأ؟ التيليكوم؟ وفق أي ​آلية​؟ وفق أي جدول زمني؟هنا لم يواجهوا المشكلة، لم يتطرقوا الى موضوع الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء (مفتاح سيدر) بالإضافة الى تعيين مجلس ادارة كهرباء لبنان. هذا الهروب من الدقة في هذا الشق، واجهه تفصيل دقيق في شق الضرائب على ​البنزين​ والزيادة في الـTVA، مع العلم أن الزيادة طالت الضريبة على القيمة المضافة في العام 2018، ثم طالتها بشكل مقنّع في موازنة 2019 تحت مسمّى "الضريبة على البضائع المستوردة"، أي أنهم يريدون زيادة هذه الضريبة للمرة الثالثة في أقل من عام، هل هذا منطقي؟ النتيجة لذلك ستكون معاكسة، الورقة نفسها تشير الى أننا نعيش في حالة ركود، وأن النمو في العام المقبل سيكون سلبي.

تحدّث الرئيس سعد الحريري عن عزم حكومته خفض العجز الى 7%، هل تعتقد أن هذا الرقم واقعي وقابل للتحقيق؟

إذا بقيت الأمور على هذه الحالة، لن تتحقق نسب تخفيض العجز التي يتحدّثون عنها. طالما أن الإصلاحات الأساسية الهيكلية مغيّبة، لا مجال لمعالجة الأمور. المعالجة بالضرائب غير منتجة، لن تأتٍ بالثمار بل ستعمّق ​الركود​.

وفي ظل غياب حزمة الإصلاحات الأساسية، فإن شروط "سيدر" غير مؤمّنة.

هل توافق الرئيس الحريري على أن "إبقاء سعر ​الليرة اللبنانية​ عند 1500 للدولار هو السبيل الوحيد المستقر للمضي في إصلاحات الحكومة"؟

مع استمرار العجز في ميزان المدفوعات، نتيجة عجز الخزينة وعوامل أخرى كغياب النمو وتراجع الصادرات والتوترات السياسية وتراجع السياحة، لا أعتقد أن شروط استدامة تثبيت سعر صرف النقد مؤمّنة.